أولى

الولايات المتحدة والمملكة السعودية حليفان هل ينفصلان؟!

 

 

‭}‬ د. علي عباس حمية
بعد الحرب العالمية الثانية سارعت الولايات المتحدة الأميركية للسيطرة على منابع النفط والطاقة في العالم وبالأخص في الشرق الأوسط حيث نشأ البترو ـ دولار مما جعله العملة الأقوى في العالم ولا يزال على الرغم من ابتداع الاتحاد الأوروبي للعملة الأوروبية الموحدة «اليورو» للاتحاد الأوروبي الذي تحاول أميركا جاهدة تفكيكه، كما فككت الاتحاد السوفياتي، ولكن بأيدٍ روسية عبر الحرب حتى آخر أوكراني.
وعلى الرغم من جسارة الاقتصاد والمال والقوة إلا انّ الولايات المتحدة الأميركية كلّ فترة تمرّ بركود اقتصادي وهشاشة مالية تأتي بها أرضاً، وذلك من دون وجود منافس قوي كما هو اليوم، مما جعلها متعلقة الى حدّ كبير بسياستها تجاه مناطق الطاقة وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي (GCC)، وبالتحديد المملكة العربية السعودية، حيث انّ عليها العين الأميركية والصينية معاً، وكلاهما يخشى الآخر، وبدأت تلامس قضايا حساسة سياسية واقتصادية، لربما تتحوّل الى حرب تتعدّى الاقتصاد الى المواجهة العسكرية.
هذا الواقع من المنافسة يتأثر به معظم دول العالم المنقسم بين أميركا والصين كما انّ هناك دولاً تنتظر وتنظر من بعيد لأخذ موقف، إلا انّ الولايات المتحدة التي تسيطر بنفوذها من كلّ الجوانب أمنياً وعسكرياً تحاول التحكم بصادرات دول الخليج النفطية بشكل كامل، الا انّ الصين بدأت تهدّد أميركا ووجودها من الباب الاقتصادي في الشرق الأوسط، وتقوم بمشاريع اقتصادية عملاقة ضاربة بعرض الحائط النفوذ الأميركي الجيو ـ اقتصادي والأمني والعسكري الواسع، كما كسر العقوبات الأميركية على الجمهورية الإسلامية في إيران عبر توقيع اتفاقية صفقة استيراد للنفط والغاز بقيمة تجاوزت 425 مليار دولار أميركي، مما جعلها تقف بمواجهة استراتيجية مباشرة مع أميركا وكأنها تحاصرها في عقر دارها.
وبعد الغيبوبة الأميركية استفاقت لتجد نفسها متأخرة بمنع دول الشرق الأوسط التوجه شرقاً، حتى انّ أميركا تحاول ضرب منافسيها من الحلفاء الأوروبيين عبر تعطيل طريق الحرير وطرق التجارة الصينية مع الاتحاد الأوروبي وكسر اليورو وتفكيك الاتحاد قبل ان يصبح في مكان لا يمكن كسره، فكيف بالصديق البعيد، وعليه، شعرت أنّ المملكة العربية السعودية بثروتها هي الرهان الأميركي الأقوى لمواجهة العملاق الصيني خصوصاً وحلف منظمة شنغهاي عموماً.
فهل يمكن ان تخسر أميركا الثوابت والمتغيّرات في المنطقة؟
هل ستعاود حقبة الحرب الباردة مجدّداً من خلال منطقة الشرق الأوسط؟ ولكن ليس بين الناتو ووارسو، وإنما بين الحلف الانجلوسوكسوني وما يدور بفلكه بزعامة الولايات المتحدة الأميركية ضدّ حلف منظمة شنغهاي بزعامة الصين. حيث أصبحت كلّ من أميركا والصين تتمتعان بنفوذ كبير في الشرق الأوسط عبر سياسة الثوابت والهوامش او المتغيّرات إلا أنّ المملكة العربية السعودية عرفاً هي حليفة أميركا والغرب وأنّ ايران هي عضو في حلف شانغهاي، حليف الصين وروسيا.
وبحُكم هذا الصراع تحاول أميركا استقطاب أكبر عدد ممكن من الدول الشرق أوسطية وبالأخص الخليجية منها للتطبيع مع العدو «الإسرائيلي» لتصبح عمقها الاقتصادي والعسكري تجاه الدول الأخرى لمنافسة دول كبرى من خلالها؛ كالصين وروسيا وإيران،
بعد الهجوم الروسي المعاكس على العقوبات الغربية لم يبقَ لأوروبا ولو متأخرة إلا الاستنجاد بخيرات شرق المتوسط، وحيث انّ العملاقين الأميركي والصيني يعلمان بما تحوي بواطن الشرق الأوسط من المعادن الطبيعية المختلفة، وانها أكبر احتياطيٍ نفطيٍ وغازي على وجه الأرض، سواءً في الجزيرة العربية أو في دول شمال أفريقيا، وبما انَّ الغاز واحد من أهمّ ثرواته التي تُكتَشف يوماً بعد يوم، فقد أصبح الصراع في شرق البحر الأبيض المتوسط على واجهة العناوين كأهمّ مصدر جديد للطاقة والغاز والذي سيتحكم باقتصاديات العالم المستقبلية.
وعليه، كان إسراع أميركا في الآونة الأخيرة، بعد محاولتها المماطلة وتقطيع الوقت لخنق وحصار لبنان أكثر للاستسلام الى شروط العدو «الإسرائيلي»، إلا أنّ خوفها من اندلاع حرب قد تخسر فيها ربيبتها «إسرائيل» أمام حزب الله، قامت بتقديم ورقة تفاهم بين لبنان والعدو «الاسرائيلي» لقطع الطريق على كلّ من تسوّل له نفسه التلاعب بمصادر الطاقة ولإظهار نفسها على أنها منقذ، وانقلبت مؤامرة تقطيع الوقت عليها بضرر أكبر من فائدته، ولكن هل يمكن الاطمئنان لهذا الاتفاق اذا ما تمّ؟ حيث انه اذا تمّت المقارنة بين صعوبة وبطء بداية المفاوضات وسرعة وسهولة ختمها، هناك حلقة ضائعة إذاً، وعسى أن لا يكون فخاً او نقضاً للعهود من قبل العدو.
لذا، ووفق كلّ ما تقدّم، فإنه كان لا بدّ من قيام الرئيس الأميركي بايدن بزيارة للمملكة العربية السعودية والتعامل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لما تمثله السعودية من قوة إنتاجية من النفط إضافة لتمرير السلام الابراهيمي لما للسعودية نفوذ على الكثير من دول العالم الإسلامي لما فيها من الأماكن المقدسة والخوف الأميركي من ترك فراغ تملؤه القُوى المنافسة لها بهذه السهولة مثل إيران او غيرها ويكون بمثابة نصر لحلف شنغهاي.
وعلى الرغم من أننا نرى انّ الحرب الأميركية ـ الصينية هي حالياً تجاذبية على السعودية، الا انّ الولايات المتحدة الأميركية تبقى المظلة الأمنية الأكبر والنفوذ الأقوى والوجود العسكري المسيطر عليها، بالإضافة الى القاعدة الأميركية المتقدمة وهي من الأقوى عسكرياً في المنطقة «إسرائيل» مع الدول المطبعة معها مما يعطي أميركا اليد الأطول في المواجهة حالياً. ويجدُر التنويه هُنا إلى أنَّ متغيِّراتٍ إقليمية حديثة قد تُساعد في الإبقاء على الوضع الراهن، وأهمَّها اتفاقات «أبراهام» الموقَّعة بين عدَّة دولٍ عربية مع العدو الإسرائيلي،
الخلاصة أنّ الإستراتيجية العالمية حالياً منقسمة الى معسكرين بأقطاب متعددة في ظلّ ما يصفُه محلّلون بعالمٍ جديد قيد التشكُّل عنوانه معسكرٌ شنغهاي وآخر أنجلوسكسوني ومتفرّعاتهما، لذا فإنّ الولايات المتحدة بحاجة وفي وقت قريب اعادة الود مع السعودية واقناعها بالعدول عن محاولة الخروج عن السيطرة الأميركية ولو إعلامياً، وبما انّ أميركا تعتبر نفسها مرتطبة بالدولار وتحاول ربط العالم به، فإنّ كلّ من يفكر من حلفائها العدول عنه سيقع في مأزق لربما لا ينجو منه، كما حصل لصدام حسين وللقذافي، فهل محاولات السعودية الإعلامية بفك الارتباط مع أميركا ولو قليلاً، يجعل من الواجب على أميركا استكمال ما يسمى بالربيع العربي المخطط له اساساً مع بداية الفوضى الخلاقة ليطال دول الخليج؟، حيث ان الخليج ما يزال ضمن مخطط الربيع العربي (او الربيع الأميركي على الشرق الاوسط)، وفي حال كان محمد بن سلمان جدياً بما يقوم به بالاتجاه شرقاً ومغازلة «أوبيك بلاس» بما لا يرضي أميركا يكون القشة الذي قصمت ظهر البعير مع بايدن، كما ولربما لن تنفع سياسة بن سلمان بجعل الخصام مع الحزب الديمقراطي منتظرا عودة الحزب الجمهوري للحكم في أميركا، فأميركا بالداخل ديمقراطي وجمهوري ولكن مع الخارج هما أميركا فقط، وبالتالي، هل سيلقى ولي العهد مصير عمه الملك فيصل؟ هل قام ابن سلمان بواجبه ولم يعد له دور؟ وهل البديل لا يزال قائماً مثل أحمد بن عبد العزيز؟، فلننتظر ونرى، فكما قال الرئيس المصري السابق «المتغطي بالأميركي عريان»!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى