انتفاضة الشباب الفلسطيني الجديد وسقوط رهانات دايتون على صناعة «الفلسطيني الخانع»
} حسن حردان
اشتعلت الضفة مقاومة مسلحة وشعبية، في توقيت لم يكن يتوقعه كيان الاحتلال الصهيوني، الذي كان يعتقد أنّ الأمر قد استتبّ له وأنه يستطيع ان يفعل ما يشاء، قتلا وتهويدا للارض واذلالا للشعب، من دون أن يواجه أيّ مقاومة شعبية مسلحة، وانّ أيّ مقاومة ستولد سيتمّ القضاء عليها سريعاً بالتعاون مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية التي جرى تدريبها وإعدادها بإشراف الجنرال الأميركي كيت دايتون الذي تحدّث عن صناعة الإنسان الفلسطيني الجديد، الذي برأيه يجب أن يكون مسالماً ومعترفاً بالأمر الواقع ويقبل العيش في ظلّ الاحتلال الصهيوني.. وان يلتزم بتطبيق القانون «الإسرائيلي»!
الجيل الجديد من شباب فلسطين الذي راهن دايتون على تحويلهم إلى جيل من الخانعين للاحتلال.. هم الآن من يقودون انتفاضة شعبية مسلحة جديدة، تشتدّ يوماً بعد يوم، ومع كلّ استشهاد مقاوم يزداد زخم المشاركة الشعبية في دعم المقاومين الشباب في نابلس وجنين وغيرها من مدن ومخيمات الضفة، التي باتت تنبض مقاومة وحضوراً قوياً للشباب في ميادين المواجهة والاشتباك مع جنود الاحتلال، لا يهابون الاستشهاد بل يقبلون على المواجهة أملاً بالظفر والتمكّن من قتل جندي أو مستوطن، أو الشهادة ليكونوا مثالاً ملهماً لبقية شباب فلسطين ليحذوا حذوهم.. وهذا ما عكسته وصاياهم للشباب بأن لا تتركوا البندقية، وان يلتحق بهم بقية الشباب بحمل السلاح لمواصلة المقاومة باعتبارها الخيار الوحيد في مواجهة الاحتلال وهمجيته وعدوانه.
ماذا يعني سقوط رهانات الجنرال دايتون على صناعة جيل جديد من الشباب الخانع أو المسلّم بالتعايش مع احتلال يستولي على الأرض ويعمل على تصفية القضية الفلسطينية؟
أولاً، انّ كلّ الجهود التي بذلتها واشنطن وتل أبيب لترويض الأجيال الجديدة من شباب فلسطين وجعلهم يسلّمون بالأمر الواقع ويتخلّون عن طريق النضال والمقاومة لأجل تحرير فلسطين واسترجاع حقوقهم الوطنية المسلوبة، كلّ هذه الرهانات بدّدها الجيل الجديد الذي نشأ في ظلّ اتفاق أوسلو الذي أراده المحتلّ الصهيوني اتفاقاً لفرض الاستسلام على الشعب الفلسطيني وإنهاء قضيته.
ثانياً، انّ الرهان على انّ تمكين أجهزة أمن السلطة الفلسطينية وشرطتها من لعب دور قمع المقاومة ومنع ايّ عمليات ضدّ الاحتلال، وتجنيب الصهاينة مشقة وألم المواجهات المباشرة مع المتظاهرين الفلسطينيين، او المقاومين.. انّ هذا الرهان سقط هو الآخر مع اضطرار جنود الاحتلال للعودة الى تولي مهمة المواجهة المباشرة مع المقاومين، كما سقط ايضاً هذا الرهان مع انضمام العديد من عناصر الشرطة الفلسطينية إلى صفوف المقاومين الذين ينفذون العمليات الفدائية الجريئة..
ثالثاً، انّ انتفاضة شباب فلسطين الجديدة، ببُعديها الشعبي والمسلح، تؤكد، لكلّ الذين اعتقدوا انّ القضية الفلسطينية ستموت وتطمس، أنّ شعب فلسطين لا يستسلم وانه شعب حي وقادر على قلب الطاولة في وجه الاحتلال وإسقاط مخططاته، ويقول لكلّ العالم ان لا أمن ولا استقرار للاحتلال على أرض فلسطين، على حساب شعب فلسطين وقضيته، وان شعب فلسطين بأجيالها الجديدة والقادمة لن يستسلم وأنه قادر على إشعال الأرض تحت أقدام الصهاينة وتدفيعهم ثمن بقاء احتلالهم للأرض وثمن جرائمهم التي ارتكبوها ويرتكبونها بحق الشعب الفلسطيني…
رابعا، انّ الأجيال الجديدة من شباب فلسطين لا تقلّ تمسكاً بحقوق الشعب الفلسطيني من الأجيال السابقة، كما لا تقلّ استعداداً للمقاومة والنضال والتضحية والفداء في سبيل استعادة هذه الحقوق وتحرير أرض فلسطين، بل انها أكثر تصميماً ووعياً على الانحراط في مقاومة الاحتلال بعدما لمست عملياً انّ كيان العدو لا يفهم إلا لغة القوة.
انطلاقاً مما تقدّم، يمكن فهم أبعاد زخم المشاركة الشعبية في تشييع الشهداء في نابلس وجنين، وتنامي روح المقاومة وتجذرها في أوساط الشباب، بل وانضمام عشرات الشباب إلى أطر المقاومة الجديدة المجسّدة بـ «عرين الأسود» في بلدة نابلس القديمة، وكتيبة مخيم جنين، وكتيبة مخيم بلاطة، وغيرها من المجموعات المقاومة المسلحة التي بدأت تتكوّن كظاهرة باتت تعمّ كلّ مدن وبلدات ومخيمات الضفة في انتفاضة شعبية مسلحة يقودها الجيل الجديد من الشباب بوعي ومقدرة وجرأة وتصميم وعزيمة لا تضعف في مواجهة جرائم العدو وإرهابه المتواصل…