الوطن

مواجهة أزمة نقص الغذاء المتوقَّعة بتحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي

‭}‬ سارة طالب السهيل
يدبُّ الخوف والقلق في معظم دول العالم من «تباشير» أزمة نقص الغذاء وصولاً الى الجوع، وتتنامى هذه الازمة في الدول العربية ومعظمها على الأقل، نتيجة إعتمادها بشكل رئيسي على إستيراد السلع الغذائية خاصة الحبوب والأسمدة من الخارج.
ووفق تقديرات مركز الخليج العربي للدراسات والبحوث الكويتي (csrgulf)، يواجه نحو 100 مليون عربي نقصاً حاداً في الغذاء في السنوات المقبلة.
وقد تضافرت عدة عوامل داخلية وخارجية على تفاقم مشكلة الجوع، منها انّ الدول العربية تعيش حالة تبعية غذائية مطلقة للسوق العالمي بسبب انخفاض الإنتاج الزراعي العربي وعدم قدرته على تحقيق الاكتفاء الذاتي، واستسهال الحكومات العربية المتعاقبة فكرة استيراد الغذاء دون بذل أيّ مجهود للتوسُّع الزراعي وتحقيق التنمية الزراعية الشاملة ودعم القطاع الزراعي العربي وعدم الاستفادة من مراكز البحوث الزراعية وأبحاث علمائها في تطوير السلع الزراعية، وعدم وجود إرادة سياسية في تحقيق التعاون والتكامل الزراعي العربي.
وهناك عوامل خارجية تتمثَّل بتفاقم أزمة المناخ وما ترتَّب عليها من فترات الجفاف المتكررة حيناً، والفيضانات والأعاصير أحياناً، التي أثَّرت سلباً على الإنتاج الزراعي ما أدَّى الى شحّ المياه في بلادنا وقلة الأمطار وعدم الاستفادة الكاملة من مياه الأمطار المُهدَرة.
مع انطلاق شرارة الحرب الروسية الأوكرانية ظهرت هشاشة الأنظمة الغذائية في العالم كله، خاصة في بعض الدول العربية. فحسب برنامج الغذاء التابع للأمم المتحدة، فانّ روسيا وأوكرانيا تمثلان 30% من صادرات القمح العالمية و20% من مبيعات الذرة و76% من الصادرات العالمية لبذور عبَّاد (دوّار) الشمس.
ومع فرض العقوبات على روسيا وتوقف إمدادات منطقة البحر الأسود من الغذاء، أدّى إلى ارتفاع أسعار الغذاء بنسبة لا تقلّ عن 30% وتبعه ارتفاع في أسعار النفط والنقل. كما أنّ استمرار الصراعات السياسية بين عدد من الدول العربية جعل بعضها يعاني اليوم من أزمة الجوع كما في اليمن والصومال، وتدخل معهما اليوم سورية ولبنان. مما يجعل العالم العربي مُطالَب بالتعاون فوراً لابتكار حلول عملية لمواجهة الجوع المتوقَّع في باقي بلدانه إذا ما اشتدّ سعير الحرب الحالية.
وعلى المستوى الفردي والمجتمعي لا بدّ من التوقُّف فوراً عن إهدار الطعام والترشيد في استخدام المواد الغذائية، وتغيير عاداتنا في الأفراح والمناسبات بتقليل كميات الطعام فيها لأدنى حدّ ممكن، كما أنّ على المطاعم والفنادق التي تتخلص من بقايا الطعام برميها في القمامة توزيعها على الفقراء، كما أنّ على «ربَّات» البيوت تغيير عاداتهنَّ بعدم التنمُّر على من يشتري على قدر حاجته، وكأنّ الترشيد في شراء الطعام بخل، بينما هو جهل وثقافة اجتماعية عدمية.
لقد أصبح ترشيد الاستهلاك ضرورة، لأنّ المؤشرات تقول انّ الحرب بين روسيا وأوكرانيا ستطول… فعلينا الاقتصاد في الإنفاق لأنه نصف المعيشة، كما ورد في حديث رسول الله. وذلك من خلال الاكتفاء بشراء الضروريات فقط من ملبس أو علاج لمواجهة الغلاء الفاحش في الأسعار العالمية.
كما أنّ علينا التوسُّع في شراء القمح وتخزينه، والاستفادة من تجربة نبي الله يوسف عندما خزَّن سنابل القمح لمواجهة سنين الجفاف.
ولا بدّ من تحفيز زراعة القمح ودعم الفلاح ومراكز الأبحاث الزراعية لإنتاج الأسمدة والأعلاف الحيوانية. والاستفادة من مخلَّفات الاستزراع السمكي وبقايا المواد الغذائية في إنتاج الأعلاف لمواجهة ارتفاع تكاليف استيرادها من الخارج، وتجنُّب تكرار الأزمة الداجنة في بلدان أخرى، كما حصل في مصر بقتل «الكتاكيت» لعدم وجود أعلاف لتغذيتها.
ويمكن الاستفادة من تجارب بعض الدول في إنتاج رغيف الخبز بخلط القمح بمواد أخرى مثل فول الصويا، والبطاطا. لا شكّ أنّ أزمة الجوع المقبلة تتطلب تعاوناً عربياً في القطاعين العام والخاص للاستثمار في إنتاج الغذاء، وتوجيه فرص العمل للشباب في هذه القطاع فوراً.
العالم العربي في أشدّ الحاجة لوضع خطة استراتيجية علمية وسريعة وفاعلة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وهذا يتطلَّب إرادة سياسية عربية واعية تحقِّق الأمن الغذائي والأمن السياسي معاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى