أخيرة

نافذة ضوء

التبرير سلاح الجبناء
‭}‬ يوسف المسمار*

 

 

ويبقى الميت ميتاً ولو تضافرت كل جهود العاملين والعالمين على إنعاشه وإحيائه. فقد انتهى وقضي الأمر ولا ينتظر منه لا حركة ولا فعل شيء ولا هو قادر أن يعطي إلا رائحة كريهة وعدوى قد تفتك بمن تتمكّن منه.
والذين يشتغلون في صناعة إحياء الموتى، أو ينتظرون من الأموات ما تطمح إليه نفوسهم من الأوهام، فاتهم أن الموت لا ينتظرهم بعد ان اختاروا هم بأنفسهم مصير الأموات.
هكذا أصاب ويصيب وسوف يصيب أبناء شعبنا الذين انتظروا وينتظرون من أعدائنا وعملائهم وخونة أمتنا ما لا يجوز أو يحق انتظاره من الأعداء والعملاء والخونة الا الويلات والكوارث.
وهكذا سيصيب كل أمة تعتمد على عون الأعداء والعملاء والخونة وعلى غيرها من الدول الطغيانية المتوحشة.
وكل أمة تعتمد على غيرها وليس على نفسها، ولا يكون لها من وعيها وقوتها في صراع الوجود والبقاء مرشد وحافظ ومحفز لا يمكن أن تصل إلا الى خسران نفسها وازدراء الشعوب الحرّة لها.
فلا كيل الشتائم للأعداء يفيد، ولا البكاء والنواح على الأمجاد الغابرة ينفع، ولا دعاء الخاملين المستضعِفين هواة الضعف الاتكاليين مقبول، ولا طلب عون الأمم وإعلانها الاستنكار لما يحلّ بنا ويحدث لنا وسوف يحدث لبلادنا وأمتنا من ويلات هو من شيم الأحرار الذين تليق بهم الحياة الكريمة والحرية، ولا تبرير تحمل النكبات والويلات والذل يعذر من يتخلف عن شرف الجهاد بالفكر والفعل والعطاء والفداء والمقاومة والمهاجمة في سبيل عز الحياة ورقي الحياة.
فالذل لا يقبله إلا الأذلاء، ولا يتحمل انتهاك الشرف والكرامة إلا الذين ولدوا وعاشوا ويعيشون بغير شرف ولا كرامة.
والمؤامرات التي تدرس وتناقش فصولها ويتمّ تنفيذها على أمتنا من قبل حكومات الدول الطغيانية ما كان ممكناً حدوثها لو كان حضورنا صحيحاً في ساحة الجهاد ولو كانت إرادتنا هي الفاعلة.
إن ما جرى ويجري وسوف يجري من مظالم على شعبنا هو النتيجة الطبيعية لغيابنا عن فهم حقيقتنا، ولتهرّبنا من مسؤولية وعي قضيتنا، والتخلي عن واجبنا في الدفاع عن أنفسنا.
فالتهرّب من الكوارث لا يلغي الكوارث. وإغماض العيون أو تعصيبها لا يزيل صور المآسي وفظاعاتها. ووضع الأصابع في المسامع لا يُسكت صراخ اليتامى والمعذبين والمشردين.
فالحقول التي أهملت يضجّ فيها البوار والأشواك، والجيل الذي حرم من رؤية نور الحقيقة، وحرم صلاح التربية القومية والوطنية، وسلامة الإعداد والتوجيه والتدريب يُساق الى المسالخ وزرائب الخيانة ليس لأن عدوّنا قويّ، بل لأننا نحن ضعفاء، وليس لأن حكومات دول الاستبداد والطغيان لا تُقهر، بل لأننا نحن صغار ونستصغر أنفسنا.
إن الذين يشتمون الحجارة حين يعثرون ويبررون تعثراتهم عندما تتكرر أولئك هم الجبناء حقاً، وما كان ولن يكون حكم التاريخ على الجبناء رحيماً.
فيا كبار النفوس وأقويائها في شعبنا «لا يوجد شعب في العالم ينهض كله دفعة واحدة، بل تنهض الشعوب بقوة الرجال الذين يعبّدون طريق الإيمان بالثقة وصدق العزيمة»، كما قال انطون سعاده، فأنتم من تخضوضر الأرض تحت خطاكم، ويصبح للحياة معنى بوعيكم ونهوضكم ومقاومتكم، وتتصحح مسيرة زمنكم بإرادتكم وحركتكم الهجومية على كل عدو، ويتغيّر وجه التاريخ بعظيم أفعالكم.
هذا هو الزمن الذي ينبغي أن نموت فيه كباراً أعزاء بدون تبريرات مهما كان نوعها من أجل حياتنا وحريتنا وبقائنا لكي لا يأتي الزمن الذي يموت فيه أبناؤنا وأحفادنا صغاراً أذلاء.
*باحث وشاعر قوميّ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى