أخيرة

لماذا أنا…؟

 

‭}‬ صبحي سماحة
غالباً ما يُراود كلاً منّا هذا السؤال: “لماذا أنا…”؟
فعلاً، لماذا أنا، أو أنت، أو لماذا نحن دون سوانا؟! لماذا اختير كلّ منّا من بين آلاف البشر، كي نتواجد على هذه الرقعة الصغيرة من الأرض؟! علماً أنّ هذه الأرض ذاتها شاسعة بما يكفي كي تسع كومة لحمٍ إضافيّة في مكان آخر.
بعد أن قضيت أوقاتاً طويلة في التمحيص والتفكير، وصلت إلى إجابة، علّها على الأقلّ تقنعني وأبناء عقيدتي، وهذا ما أظنّه. فقبل أن أتلو عليكم إجابتي، لا بدّ من القيام بمقاربة بسيطة وسريعة بين هذه الأرض وسواها، أوَلسنا أبناء هذه الأرض؟! لذا لها الخصوصية الأكبر والأهمّ في الإجابة.
هذا الهلال الخصيب الذي يمتدّ على طول سبعة كيانات، له رمزيّة خاصّة لنا، ولأعدائنا أيضاً. والدليل هو أنّ أعين أعدائنا لا تنحجب عن منطقتنا، فنرى فيها الحروب الساخنة والباردة، وحركات التطبيع والمقاومة ووو… بيد أنّ هذا كلّه، أو أغلبه لا نجده في أماكن أخرى بشكله الحقيقيّ. ففي أميركا ظهرت حركات الاستعباد والعنصريّة منذ اكتشافها ولا تزال حتّى الآن رغم كلّ الثورات والحركات المعادية لهذه الآفة الاجتماعية. وكي لا نبالغ في الأمر يمكننا القول إنّ وتيرتها خفّت لكنها لا تزال قائمة.
وإذا أردت الاقتراب قليلاً في الزمن، أفتح لك مذكّرات الحربين العالميّتين الأولى والثانية، رغم ضراوتها، إذ لم تكن ذا قضيّة محقّة، إنما كانت حرب نفوذ في الأولى وثأر في الثانية ليس إلّا، وقد تستثني بعض الشعوب الأوروبية الضعيفة التي قاومت بحقّ عن أرضها…
أو مثلاً جنوب أفريقيا التي لم تبق يداً أوروبية أو أميركية إلا وعبثت بها، وماذا تحوّلت؟ ضاعت القضيّة حتّى أصبحت حروباً إجراميّة بين بعض العصابات.
نستنتج بعد هذا الكلام أنّ أرضنا ليست خصبة فقط بترابها، بل بكلّ ما يتجلّى فيها على كافّة الأصعدة… فأرضنا كانت ولا تزال ضحيّة أطماع خبيثة، احتلّتها وقسّمتها لأجزاء، نتجت عنها قضيّة محقّة، لا تزال تفرز لأجلها آلاف المقاومين عسكريّاً وعلميّاً وثقافيّاً.
من هنا تأتي إجابتي عمّا طرحته أعلاه، وأنا على يقين أنها إجابة الأرض، فأرضنا ولّادة، وكما قلت سابقاً، أرضنا تعلم… تعلم إنْ كان من يطأ ثراها هو ابنها أم ابن غيرها. الأمّهات حين تلدن أولادهنّ، يفصلن حبل الصرّة بينهما ليشقّ الولد طريقه في الحياة، لكن هناك حبلاً آخر مرتبط بينهما لا نراه في العين المجرّدة، هو حبل الأفكار والمشاعر.
ونحن هنا، على هذه الأرض، لأننا لم نولد من رحم أمهاتنا كأبناء جنسنا في بقاع الأرض، نحن ولدنا من رحم أرضنا، عُجنّا من طينها ونُفخنا من هواها، شربنا من عذب مياهها، نحن هنا لأنّ أرضنا تأبى لنا ولنفسها الذلّ والهوان. وكما قلنا، أرضنا تعلم، لذا تتمخّض وتفرز، وقد فُرزنا لأجل سبب ما، ألا وهو دحر الغريب عنها. وأقتبس عن الزعيم ما قاله يوماً: “هذه الدماء التي تجري في عروقنا ليست ملكاً لنا، بل هي وديعة الأرض فينا، متى طلبتها وجدتها».

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى