الوطن

لبنان بين «السّياديّينَ» و «الحياديّين»

 

‭}‬ شوقي عواضة
لم تنتهكِ السّيادة اللّبنانيّة باختراق طائرات العدوّ «الإسرائيلي» للأجواء اللّبنانيّة مراراً وتكراراً للاعتداء على الجمهوريّة العربيّة السّوريّة من أجواء لبنان بل لم تستدع هذه الغارات التي تسيء للعلاقات اللّبنانيّة السّوريّة أن تتخذ الخارجيّة اللّبنانيّة موقفاً مندّداً أو تقدّم شكوى حفاظاً على سيادتها المنتهكة أولاً وحرصاً على العلاقات اللّبنانيّة السّورية التي لا تنظر إليها الحكومات اللّبنانيّة المتعاقبة بعد حكومة الرّئيس الدكتور سليم الحص إلّا من منظار أميركيّ خليجيّ!
لم تثر ثائرة (السياديّين الجدد) عندما قام نظام محمد بن سلمان باختطاف رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري وإجباره على الاستقالة ولم يتحرّك عنفوان (الثورجيّين) المدعومين من السّفارات الأميركيّة والسّعوديّة ردّاً على استدعاء لسفراء لبنان في دول (مجلس التّعاون الخليجي) الذي أصدر بياناً يطالب فيه وزير الخارجيّة اللّبنانيّة الأسبق شربل وهبة بتقديم اعتذارٍ رسميٍّ لدول مجلس التّعاون الخليجي وشعوبها ردّاً على تصريح له قال فيه إنّ (دول المحبّة والصّداقة والأخوّة جلبوا لنا تنظيم الدّولة الإسلاميّة) وزرعوه في سهول نينوى والأنبار وتدمر ليُجبر الوزير لاحقاً على تقديم اسقالته للرّئيس حسان دياب حرصاً على غضب (أصحاب السّمو والجلالة).
أما (الحياديّون) فقد كسروا كلّ قواعد الحياد وتحوّلوا إلى مدافعين عن نظام آل سعود متبنين الموقف السّعودي وحاملين رايات الثّأر (للكرامة السعوديّة) مؤيّدين طرد السّفير اللّبناني من الرّياض ردّاً على موقف وزير الإعلام اللّبناني السابق جورج قرداحي الذي اعتبر فيه أنّ الحرب في اليمن عبثيّة ليقدّم استقالته بعد الضّغوط التي مارستها السّلطات السّعودية ودول (التآمر الخليجي) معزّزة بتأييد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
أمّا عن التدخلات الأميركيّة السّعودية في الشّؤون اللبنانيّة فحدّث ولا حرج فعمرها من عمر (سايكس ـ بيكو) ولها (عراقتها) التاريخيّة يتبدّل فيها الأشخاص والأدوار والمناصب لكن الثابت فيها هو التآمر على لبنان وسيادته الذي لم يبدأ منذ أن انتهكت السّفارة الأميركيّة في بيروت السيادة اللّبنانيّة بتهريب جزّار الخيام العميل عامر فاخوري ولا بالتّدخل السّافر في تفاصيل الدّاخل اللّبناني ولا بتدخلات السّفير السّعودي (السّامي المفوّض) ووصفه للمقاومة التي حمت سادة لبنان وحرّرت الأرض (بالإرهاب) ولا بفرض سياسة القمع والإملاء التي يريدون تطبيقها تحت عناوينَ مختلفةٍ منها الحرّية والدّيموقراطيّة وغيرها من الأسماء والشّعارات التي رفعوها بخريفهم العبريّ المهزوم في سورية والعراق واليمن ولبنان. تلك الممالك والإمارات والولايات الدكتاتوريّة التي تفيض سجونها بمعتقلي الرّأي وسجلها الأسود الحافل بقوائم الموت والإعدامات والقتل والإجرام وثقافة قطع الرؤوس. يريدون أن (يسعودوا) لبنان في ظلّ صمت (السّياديين والحياديين) الذين لم ولن يكونوا سياديين ولا حياديين.
فالسّياديون (المنتفضون) لسيادة لبنان على المستوى الرّسمي الذين أعلنوا بأنّ مُسيّرات حزب الله التي حلّقت فوق كاريش لا تمثّلهم (دفاعاً عن حقوق لبنان البحريّة) في وجه العدوّ والذين استنكروا انعقاد المؤتمرات المعارضة للنّظامين السّعودي والبحرينيّ في بيروت، لم تحرّكهم سيادتهم ولا حيادهم لمنع مؤتمراتٍ انعقدت في بيروت ضدّ سورية ولم تستوجب منهم الغيرة والشّهامة (العربيّة) الوقوف على الحياد حفاظاً على العلاقات بين البلدين، في حين تفتح السّلطة أبوابها لمؤتمر تنظّمه مؤسّسة فريدريش ناومان اليوم تحت عنوان (بيروت بتحكي حرّية) يتضمّن المؤتمر أربع حلقات متتالية تناقش ما يلي:
1 ـ الأزمة الاقتصاديّة المتفاقمة في لبنان.
2 ـ سبل حماية الحريات الفرديّة في لبنان والمنطقة، في ضوء (المشاعر المتزايدة المناهضة للمثليين) وزيادة الرّقابة والقمع على حرّيّة الصّحافة والإعلام.
3 ـ الكفاح من أجل التغيير الديموقراطي في الشّرق الأوسط، كما ستدرس ما تسمّيه (كيف يمكن للتّغيير في إيران).
4 ـ النّظام العالمي المتغيّر والتّحالفات المعزّزة حديثاً في أعقاب الغزو الرّوسي لأوكرانيا. والعواقب التي يتعيّن استخلاصها في ما يتعلّق بالسّياسة الأمنيّة والدّفاعية.
ولعلّ أبرز ما في المؤتمر هو التّرويج والإقرار(بحقوق المثليين) الذين يعانون أزمة في تقبّل المجتمع لهم إضافة إلى مناقشة (تغيير النّظام أو إسقاطه في إيران) من خلال استضافة باحثين من الخليج ومعارضين إيرانيين ومناقشة سياسة الأمن والدّفاع.
ألم يكن الأوْلى بمؤسسة فريدريش ناومان المرتبطة بكيان العدو ان تهتمّ بأزمة النفط في المانيا وتعالج مشاكل مواطنيها وأزماتهم بدلاً من تأجيج الأزمات في لبنان من خلال الدعوة الى تدمير القيَم الأخلاقية والإنسانية للمجتمع اللبناني (لشرعنة وقوننة المثلية الجنسية) وإعطاء الأولوية للتحريض على إيران من لبنان وطرح قضية مهسا أميني في حين لم يسلط الضوء على قضية مقتل كريس كابا ابن الـ 24 عاماً برصاص الشرطة البريطانية في العاصمة لندن حتى انّ القضية لم تذكر في الإعلام الغربي ولم تتصدّر أولويات (المنظمات الإنسانية)!
وأمام ذلك لم يصدر أيّ بيانٍ رسميٍّ يدين المؤتمر الذي يسيء للعلاقات اللّبنانيّة الإيرانيّة ويستدعي منع مثل هذه المؤتمرات كما بادرت السّلطات لاستنفار كامل قوّتها الدّيبلوماسيّة لمنع مؤتمر لحركة الوفاق البحرينيّة وللمعارضة في شبه الجزيرة العربية. والسّؤال الأهمّ ألا يستدعي التّرويج للمثلية الجنسيّة تدخّلاً عاجلاً وموقفاً واضحاً للمرجعيات الدينيّة بدءاً من بكركي ودار الفتوى والمجلس الإسلاميّ الشيعي الأعلى والمؤسّسات التّربوية والتحرّك لمواجهة هذا الغزوّ الأخلاقي الذي لن يعود على المجتمع اللّبناني بأكمله إلّا بالدّمار الأخلاقي والإنسانيّ.
أمّا على المستوى السّياسي للمؤتمر فإنّ انعقاده في بيروت للتّحريض على إيران لا يحمل سوى مشروع أميركي سعوديّ «إسرائيليّ» ولا يمكن اعتباره إلّا مهمّة (إسرائيلية) بامتياز تشكّل مقدّمة للمزيد من التنسيق مع الكيان الصّهيوني المؤقّت وتحويل لبنان إلى (غرفة عمليّات) لتنفيذ المخططات الأميركيّة السّعودية «الإسرائيليّة» ضدّ سورية وإيران والعراق وكلّ من يعارض المضيّ في «صفقة القرن»، وبالتّالي فإنّ لبنان لا يستطيع أن يتحمّل أعباء هذه المؤامرات على الدّول الشّقيقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى