أخيرة

نافذة ضوء

فلسفة القومية الاجتماعية تقول
ليس في مجتمع الأمة أكثر من قومية

 

‭}‬ يوسف المسمار*
من التعريف الفريد في علم الاجتماع للفلسفة القومية الاجتماعية للعالم الاجتماعي أنطون سعاده الذي أبدع هذه الفلسفة، وقال بها، ودعا اليها، وعمل بها طوال حياته واستشهد في سبييل تنوير الأمة السورية لتنهض بهذه الفلسفة التي تقول:
«نعرّف العقيدة بأنها قومية اجتماعية فهي قومية لأنها تقول بالأمة والولاء القومي. وهي اجتماعية لأن غايتها الاجتماع الإنساني – المجتمع، وحقيقته، ونموه وحياته المثلى. والمجتمع الأكبر والأمثل هو الأمة، وقد جاء في التعاليم: «أمة واحدة – مجتمع واحد».
وقد وضع أنطون سعاده فلسفته السورية القومية الاجتماعية لتنهض بتعاليمها الأمة السورية وتكون قدوة لأمم العالم، حيث يتضح أن ليس في بيئة المتحد الاجتماعي الطبيعي أكثر من قومية واحدة أو يمكن أن يحيا ويرتقي ويستمرّ ويبقى المتحد الاجتماعي الطبيعي مجتمعاً واحداً في بيئته الطبيعية إذا تعددت القوميات فيه.
ومخطئ مَن يعتقد أن القوميات المتعددة يمكن أن تتعايش في بيئة طبيعية واحدة مهما تعددت النظريات والآراء والاجتهادات.
وأكثر الباحثين خلطوا بين مفاهيم العصبيات الإنسانية المختلفة والمتعددة التي هي في الحقيقة ميول انكماشية وانفلاشية، فردية وفئوية، ووهمية ورومانسية تتوزّعها الميول الثقافية الروحية والمادية حتى اشتبه عليهم الأمر، فأطلقوا كلمة الأمة مثلا على الاتنية والمناطقية المكانية، والعرقية الدموية والملية والطائفية والمذهبية والثقافية الدينية العابرة للبيئات والقارات واعتبروها أمماً.
وبهذا الاعتبار الخاطئ صارت ميولهم في مفهومهم قوميات. فجزّأوا بهذا الفهم البيئة الجغرافية الطبيعية الواحدة فصارت في نظرهم بيئات، وفتتوا المتحد الاجتماعي الواحد الأتم حتى صار في مفهومهم مجتمعات طبيعية، وصارت عصبياتهم الروحية التكفيرية عصبيات قومية، وعصبياتهم الثقافية المنغلقة قوميات ثقافية، وتواريخهم السياسية قوميات سياسية، وبيئتهم الطبيعية تمزقت الى بيئات قومية بدلاً من البيئة الجغرافية الطبيعية الواحدة، والمتحد الاجتماعي الواحد، والثقافة الواحدة في البيئة، والتاريخ الواحد لمجتمع الأمة الأتم الواحد.
وظهرت بعد ذلك الأمم والقوميات الاتنية والعرقية والسلالية والدينية والطائفية والمذهبية والملية واختلط الفرعي بالأصلي، والثانوي بالأساسي، والحابل بالنابل بدلاً من القول ببيئة الأرض الطبيعية، والمجتمع الأتم الواحد، وقومية الأمة الواحدة على كوكب الأرض الذي جعلته الطبيعة مركّب بيئات جغرافية طبيعية ومجتمعات أمم يُكسب كل أمة في تفاعلها مع بيئتها مزايا تميّزها عن غيرها من الأمم وترتقي كل أمة في تواصلها وعلاقاتها وتفاعلها الإنساني مع غيرها من المجتمعات الى درجة الوعي القومي، واليقظة الاجتماعية، والذات العامة التي تكسبها الرقي العقلي، والغنى الفكري، والتقدم الحضاري.
إن مفهوم الدولة التي هي مجتمع اصطناعي يمكن أن تجمع بالقهر أكثر من أمة وأكثر من قومية دون أن تستطيع إلغاء الأمم والقوميات، كما يمكن أن يتم فرض عدة دول في الأمة الواحدة بعد تجزئتها بالقهر أيضأ دون أن يتمكن القهر من جعل هذه الدول أمماً وقوميات.
أما اذا تعددت القوميات في الأمة الوحدة فلا مصير للأمة الا الخراب والفناء.
فيا أبناء الحياة العزيزة في أمتنا أمتكم أمة واحدة هي وحدة المجتمع، وقوميتكم قومية واحدة هي يقظة الوجدان الاجتماعي فيكم والنضوج المعرفي الذي يصون وجودكم، فحذار أن ترضوا بأكثر من قومية واحدة في أمتكم مهما تعددت اتنياتها وأعراقها ومللها ومذاهبها ورسالاتها الأخروية والدنيوية.
ولتكن كل هذه الاتنيات والأعراق والملل والمذاهب والرسالات الروحية والمادية مظاهر صحة وعافية وجمال وروعة متناغمة ومتناسقة ومنسجمة في بيئة الأمة الطبيعية الواحدة، وفي فضاء الوعي القومي الصحيح، والبناء الاجتماعي السليم، والمعرفة القومية الاجتماعية الراقية.
*باحث وشاعر قومي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى