أولى

لإنهاء التباطؤ في انتخاب الرئيس: استفتاء شعبيّ يوجّه النواب لاختيار المرشح الأفضل

‭}‬ د. عصام نعمان*
ثمة انسداد سياسي متمادٍ يعانيه لبنان منذ أكثر من ثلاثة أشهر استولد بدوره صعوبة شديدة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وخلافاً حول دستورية اجتماع مجلس الوزراء في حكومة مستقيلة ليس لها بموجب الدستور إلاّ تصريف الأعمال في أضيق الحدود، وتخوّفاً لدى البطريرك والمطارنة الموارنة من “مخطط لإحداث فراغٍ في المناصب المارونية خصوصاً والمسيحية عموماً في الدولة، مستشعرين نيّة خفيّة ترمي الى تغيير هوية لبنان (…) وتلاشي الدولة اللبنانية وصولاً الى وضع اليّد على أشلائها”.
ما العمل للخروج من هذا المأزق المقلق بصرف النظر عن مدى صحة أو عدم صحة هذه التخوّفات والتداعيات سالفة الذكر؟
من الواضح أنّ مجلس النواب المنوط به انتخاب رئيس الجمهورية يبدو عاجزاً عن الوفاء بموجباته بسبب تشرذم أعضائه وتوزّعهم على تكتلات وشلل يصعب توافقها على قواسم مشتركة ما أدّى إلى افتقاد أكثرية متوجبةً دستورياً لانتخاب رئيس الجمهورية.
صحيح انّ مجلس النواب هو المرجع الصالح لانتخاب رئيس الجمهورية خلال مهلة محدّدة دستورياً، لكن عجزه عن الوفاء بهذا الموجب الدستوري بات واقعاً يتكرّر باطراد منذ سنة 1958 ما يستوجب معالجة فعّالة لتفادي المزيد من انعكاساته السلبية المتفاقمة على البلاد شعباً وكياناً ودولة. غير انّ أيّة معالجة في هذا السبيل يجب أن تتفادى تعديل أحكام الدستور نظراً للحساسيات الشديدة التي تكتنف هذا الأمر في المرحلة العصيبة الراهنة. من هنا تنبع ضرورة ملحّة لابتداع تدبير إصلاحي توجيهي يُسهم في تعجيل عملية الخروج من هذا المأزق المقلق حتى لو جاء بالغ الجدّة ومغايراً للتقاليد السياسية السائدة.
ماذا لو جرى استباق جلسة مجلس النواب المخصصة لانتخاب رئيس الجمهورية باستفتاء شعبي تنظّمه هيئة مؤلفة من شخصيات وازنة من خارج أهل السلطة والأحزاب والتنظيمات والتكتلات داخل مجلس النواب أو خارجه وذلك ضماناً لاستقلاليتها وعدم انحيازها السياسي أو المذهبي؟
الغاية من الاستفتاء معرفة رأي الناخبين في مَن يعتقدون أنه المرشح الأفضل ليكون الرئيس الجديد للجمهورية. إنّ من شأن هذا التدبير الديمقراطي الاستثنائي الإسهام في تحقيق الإصلاحات والطموحات الآتية:
ـ توجيه النواب الى انتخاب المرشح الأفضل لرئاسة للجمهورية في ضوء نتائج الاستفتاء.
ـ تشكيل ضغط غير مباشر على التكتلات البرلمانية، رئيساً وأعضاء، للتعجيل في التفاهم على انتخاب المرشح المناسب لرئاسة الجمهورية.
ـ توجيه الناخبين المشاركين في الاستفتاء لإعطاء أهمية أكبر للأسس والمبادئ والأولويات التي يرغبون في أن يجدوها متوافرة في المرشح للرئاسة.
ـ تقليص نفوذ وبالتالي دور أمراء الطوائف والزعماء السياسيين التقليديين في اتخاذ القرارات السياسية المصيرية عموماً وانتخاب رئيس الجمهورية خصوصاً.
ـ التمهيد لاعتماد الاستفتاء في المستقبل وسيلةً ديمقراطية لإعادة النظر بتقاليد محاصصةٍ بالية ما زالت معتمدة في قوانين وإجراءات الانتخاب والتعيين لملء المراكز العليا في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية.
سينبري مَن يعترض قائلاً إنّ الوضع السياسي والاجتماعي الراهن في البلاد لا يسمح باعتماد هذا التدبير السابق لأوانه من جهة، ومن جهة أخرى لضيق الوقت اللازم لاستكمال متطلبات تنفيذ الاستفتاء في حين يُجمع الناس المتضررون من تداعيات ومخاطر الوضع الاقتصادي والاجتماعي المأزوم على ضرورة الإسراع في انتخاب الرئيس لتجنّب المزيد من المخاطر. غير أنّ المعترضين ينسون او يتناسون أنّ معوّقات سياسية وشخصية كانت تتسبّب دائماً في تأخير انتخاب رئيس جديد يخلف الرئيس المنتهية ولايته. ألم تمرّ سنتان ونصف السنة تقريباً قبل ان يتوصل النواب سنة 2016 الى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان؟
الحقيقة انّ هذا الاستفتاء الإصلاحي الاستثنائي المقترح موجّه الى القوى الوطنية النهضوية المناهضة لنظام المحاصصة الطوائفي القادرة والمؤمل مبادرتها الى اعتماده وتنفيذه بمعزل عن أهل السلطة، لا سيما أنه لا يتطلّب موافقتهم الرسمية، كما لا يتطلّب تكلفة مالية مرهقة، ويترك للناخبين جميعاً حرية المشاركة فيه وللنواب حرية الأخذ بما سينجم عنه من نتائج إيجابية او إهمالها.
وعليه، لأنّ الاستفتاء المقترح مطروح على الناخبين وعلى القوى الوطنية المناهضة لنظام المحاصصة الطوائفي وشبكته الحاكمة، يقتضي في تنفيذه مراعاة الإجراءات والاعتبارات الآتية:
ـ وجوب إجراء الاستفتاء على مستوى البلاد بأكملها كدائرة انتخابية واحدة.
ـ وجوب تسمية الأشخاص الذين أعلنوا رسمياً ترشحهم لرئاسة الجمهورية قبل إجراء الاستفتاء بعشرة أيام على الأقل.
ـ التفاهم مع وسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي، كما مع مختلف وسائل التواصل الاجتماعي على بثّ برامج إعلامية مؤيدة لفكرة الاستفتاء وإبراز إيجابياته.
ـ مواجهة المتحفظين والمعارضين لإجراء الاستفتاء بدعوى أنه يؤدي الى اختيار مرشحين موارنة مؤيدين او متحالفين مع قوى مؤيدة او متحالفة مع قوى سياسية معادية للأحزاب والتكتلات ذات الصبغة المارونية الغالبة بذريعة أنّ الناخبين المسلمين باتوا اكثر عدداً من الناخبين المسيحيين، والردّ تالياً على تحفظاتهم بالواقعات والاعتبارات الآتية:
أ ـ كلّ الطوائف، سواء المسيحية والإسلامية، منقسمة على نفسها وليس ثمة اتجاه سياسي واحد غالب فيها.
ب ـ لا مجال لحدوث مضاعفات ومفاجآت سلبية جرّاء استخدام بعض المرشحين التحريض الطائفي او المذهبي ضدّ مرشح واحد أو أكثر لكون الناخبين المشاركين في الاستفتاء لا يحقّ لهم إلاّ التصويت لمرشح واحد فقط.
ج ـ حتى لو تأثر المشاركون في الاستفتاء بالاعتبارات الطائفية والمذهبية والسياسية الضيقة فإنّ الحصيلة النهائية لنتائج الاستفتاء ستتكشف على الأرجح عن ميل معظم الناخبين الى التصويت لمرشحين متوازنين وطنياً وغير متحزبين او منتمين لجهات متطرفة.
د ـ تأمين حرية التصويت وسلامة احتساب الأصوات بهمّة هيئة رقابية مؤلفة من شخصيات معروفة بنزاهتها بالاشتراك مع ممثلين لهيئات دولية محايدة كالأمم المتحدة وغيرها.
لا محاذير من إجراء هذا الاستفتاء. وهو إنْ لم يكن مفيداً فإنه لن يكون بالتأكيد مضراً.
*نائب ووزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى