أولى

الخارج لن يحلّ أزمة لبنان… فما دور الداخل؟

‭}‬ العميد د. أمين محمد حطيط*
لا يزال لبنان مستهدفاً بـ “خطة بومبيو الأميركية” لتدميره وللتمكن من تدمير المقاومة فيه، ويستمرّ أطراف يحملون الهوية اللبنانية، في رهانهم على التدخل الخارجي لشطب المقاومة من المعادلة اللبنانية وإقصائها عن أيّ موقع او دور تمارسه مهما كان هذا الدور ضرورياً لمصلحة لبنان وشعبه ودولته وحقوقه السيادية، فذهنية “قوة لبنان في ضعفه” التي أطلقها اليمين اللبناني لا تزال هي التي يعمل بها أحفاد من أطلقها، و”يهدّدون اللبنانيين بالطلاق”، أيّ بالتقسيم انْ تمّ الخروج عليها، التقسيم الذي حلموا به او عملوا له منذ ان أطلق حزبهم الرصاصة الأولى في 13 نيسان 1975 في عين الرمانة، الرصاصة التي أضرمت النار في الجسد اللبناني، النار التي شاءها رئيس حزبهم يومها حيث قال “لنا او للنار” أيّ إما أن يكون لبنان لهم يحكمونه بما يوافق السياسة والإملاء الغربي ويكونوا هم أدوات هذا الخارج مستأثرين بخيرات الوطن، او فليُحرق وتلتهمه النار!
وبهذه الذهنية ينتظر ممثلو تلك الأطراف او يترقبون ما يمكن ان يصدر عن الاجتماع الخماسي الذي تداعى اليه كلّ من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، وهو اجتماع قيل إنه مخصص للبحث في الأزمة اللبنانية التي تسبّب بها التدخل لا بل العدوان الخارجي الذي تقوده أميركا، والفساد الداخلي الذي تتكئ أميركا عليه لإحداث المأساة التي يتخبّط بها لبنان منذ سنوات والتي بلغت اليوم مرحلة الفقر والجوع لدى الغالبية العظمى من اللبنانيين، وهنا يُطرح السؤال المركزي هل انّ هؤلاء المؤتمرين حول لبنان يسعون فعلاً للحلّ؟ ثم أيّ حلّ يمكن ان يأتوا به؟ ثم هل بمقدورهم ان يفرضوا او يضعوا حلهم موضع التنفيذ في الساحة اللبنانية؟
قبل الإجابة وبدون أيّ مكابرة نقول انّ لبنان لم يدخل منذ إنشائه في العام ١٩٢٠ بقرار من المفوض السامي الفرنسي (القرار ٣١٨) لم يدخل في أزمة ما، إلا وكان بحاجة الى “تدخل خارجي” أو “معادلة إقليمية” أو “تسوية دولية” للخروج منها وكان اللبنانيون يقومون بلعب الأدوار التي تُرسم لهم من قبل الخارج من أجل إخراج الحلّ الذي يُتفق عليه خارج الحدود، ومع إقرارنا بهذه الحقيقة نسجل بأنّ مشهد لبنان اليوم يختلف عن ماضيه بشيء جوهري وأساسي من حيث المكونات التي يتشكل منها هذا الواقع، ففي لبنان مكون يملك من القوة ما يمكنه من بلورة مواقف سيادية حقيقة واستقلالية فعلية تمكنه من ممارسة إرادته الحرة في رفض الإملاء الخارجي الذي لا يتناسب مع نظرته الى لبنان وموقع لبنان الاستراتيجي في الاقليم،
فالمقاومة التي تشكلت في الداخل وتشكل، شاء أخصامها ام لم يقبلوا، تشكل رقماً صعباً في المعادلتين الوطنية والإقليمية لا يمكن لأحد تجاوزها، وهي لن تتنازل عن دورها في حماية لبنان والدفاع عن وحدته وحقوقه وحقوق شعبه المعنوية والمادية بكلّ عناوينها، هذه المقاومة التي حققت خلال العقود الأربعة الماضية ما لم يكن يتوقعه أحد في التحرير وحماية الأرض والشعب وطرد المحتلّ ومنع الإرهاب من الإخلال بالأمن الوطني اللبناني ثم كان دورها محورياً في الأشهر الماضية في حماية القدر الكبير من حقوق لبنان النفطية والغازية، هذه المقاومة المحتضنة من جماهير آمنت بها ووثقت بأدائها واطمأنّت لمفاعيل سياستها لن تتنازل لأيّ خارج كان، لن تتنازل عما حققت ولن تتوقف عند صراخ او عويل ولن يثنيها فجور إعلامي، او تلفيق مسرحي عن الاستمرار في دورها الوطني النبيل،
ثم انّ هذه المقاومة ومعها بيئتها الحاضنة، تملك من القدرة والمناعة ما يمكنها من الاضطلاع بالمهام التي ندبت نفسها لها واحتضنها الشعب على أساسها ولتمارس دورها من أجل الوطن مع تجاوز المصالح الذاتية فهي تميّز بين استعمال القوة من أجل الوطن وتتمسك به، وبين استعمال القوة من أجل المكاسب الذاتية وتحجم عنه، ليس عجزاً بل قناعة بأنّ قوّتها مخصصة للوطن وليس من أجل الاستقواء على الشريك في الوطن أو من أجل الاستئثار بما هو شراكة بين المواطنين.
فإذا كان المؤتمرون في الخارج يسعون الى حلّ لشطب هذه المقاومة، وهو الهدف والسلوك الذي دأبوا عليه أقله منذ العام ٢٠٠٤ يوم جاؤوا بالقرار البدعة رقم ١٥٥٩ وحزموا فيه رزمة من التدابير التي تطيح بسيادة لبنان وتجهز على مقاومته، وما تلى ذلك من جرائم ارتكبت او حروب اندلعت من أجل تنفيذه، اذا كان هؤلاء يبحثون عن محطة جديدة على هذا المسار فإننا من الآن نقول لهم إنكم ستفشلون كما فشلتم في العقدين الماضيين، وإذا كان أطراف الداخل المراهنين على تلك القوى لتحقيق الغرض فإننا نقول لهم انّ رهانكم خاسر وانتظاركم سيطول، وإذا كنتم تهدّدون بالتقسيم فإننا نردّ بما قال به يوماً الجنرال الرئيس قائد التيار الوطني “انّ لبنان أصغر من ان يُقسّم”، وانّ في لبنان من يحمي وحدته كما يحمي حدوده وثرواته مهما كانت المخاطر ومهما استلزم الأمر من تضحيات، ونعود ونؤكد بأنّ زمن استعمار لبنان أو الوصاية والانتداب عليه زمن ولّى ولن يعود بعدما حلّ زمن الانتصارات، لذلك وحفظاً للوقت واختصاراً للطريق نقول قاربوا المسألة بمنطق وموضوعية وعقلانية فتنجحوا في المسعى.
أما العقلانية والموضوعية التي نقول بها فهي التي تقود الى حوار داخلي وتفاهم وطني يفضي الى حلّ يحفظ لبنان في وحدته وقوته وسيادته واستقلاله وثرواته، من غير ان يشكل هذا الحلّ استفزازاً أو استسلاماً لأحد، أما الاستمرار على المكابرة من قبيل مجرد القول بوجوب انتخاب رئيس للجمهورية أيّ رئيس، او المواقف الاستعراضية، او البيانات والمواقف التهديدية، من غير الأخذ بالحقائق التي تقدّم ذكرها وبالوقائع التي تحكم المشهد اللبناني فإنه لن يكون إلا عملاً غير مسؤول من شأنه إطالة أمد الأزمة واستجابة لمن يعتدي على لبنان بحصار او تدخل غير مشروع في شؤونه.
وعليه نقول انّ كلّ ما ينفذ الآن من مؤتمرات ومسرحيات وخطابات وتهديد ووعيد و… و…، كلّ هذا لن يفضي الى تحقيق هدف التدخل الأجنبي في لبنان، لأن في لبنان من يملك القوة الدفاعية الكافية لحمايته، ويبقى وحده الحوار والتفاهم الوطني والإقرار المتبادل بالموقع والحقوق والشراكة الوطنية هي الطريق القويم للحلّ وبناء لبنان لجميع أبنائه، فلنسارع الى سلوكها ونوفر على لبنان وعلى أنفسنا المزيد من المعاناة.
*أستاذ جامعي ـ خبير استراتيجي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى