أخيرة

نافذة ضوء

مثلث الصلاح عقيدة صالحة
وبطولة واعية وثقافة شعبية راقية

‭}‬ يوسف المسمار*
التخاذلُ روتين تخلّف. والحركة الواعية الهادفة دينامية رقي وحضارة. فإذا كان استقرار الحالة البدائية البشرية يقوم على ركودها ونمطيتها الروتينية المؤدية مع الزمن إلى التخاذل والتخلف، فإن استقرار حالة الحضارة لا يكون إلا بديناميتها الحركية المتجهة دائماً الى التقدم والمزيد من الرقيّ وتوسيع آفاق التفكيرالإنساني.
وعندما تختل حركية الحضارة بأحد العوامل الداخلية او الخارجية او الطبيعية كحصول تقصير أو إهمال عن قصد أو غير قصد في مؤسسات مصالح المجتمع او في أبنائه من الداخل، أو في خضوع المجتمع لحروب وغزوات واحتلالات تجتاحه من الخارج، أو في تعرّضه لكوارث طبيعية لا قدرة له على مواجهتها، فإن المجتمع في هذه الحالات يصاب بالتخلخل والخراب ويفقد كثيراً من حيويته ويصبح بحاجة كبيرة إلى كل عمليات الإصلاح التي تتطلبها الحضارة والمدنية.
وهذا ما أصاب أمتنا وجلب على شعبنا ويل الانحطاط والتقهقر بعوامل التفكك الداخلي والغزوات الخارجية بعد أن كانت أمتنا هي الأمة الرائدة في شق طريق الحضارة والتمدن.
وقد أثبت التاريخ أن الأمم الحيَّة هي وحدها القادرة على مواجهة وتجاوز الصعاب والمحن، وإنقاذ نفسها وانتصارها في معركة النهوض والتقدّم، واحتلال مكانها اللائق بين الأمم.
لكن الإنقاذ لا يمكن أن يكون، والإصلاح لا يتم إلا بتوفر شرطين اساسيين مهمين لا يمكن الاستغناء عن أيٍّ منهما أبداً هما: العقيدة الصحيحة المعرفية الفاضلة الهادفة، والبطولة الواعية المؤمنة الصادقة العاملة والمؤيَدة بصحة تلك العقيدة. أما العقيدة الصحيحة فإنها تعني في العمق الفكرة الراقية الحكيمة الهادفة، والإرادة الفاعلة تلك الفكرة الراقية الحكيمة.
فالفكرة بدون إرادة تحقيقها نوع من الهوس مهما كانت صحيحة وجميلة، والإرادة من غير فكرة صحيحة ونافعة نوع من الخبط مهما كانت قوية. والهوس والخبط أعظم نتائجهما التبلبل والتخبط والتضارب وفوران الفساد والإفساد.
العقيدة الصالحة هي فكرٌ راقٍ مريدُ الصلاح، وإرادة قوية محققة دافعها الأهم تحقيق الصلاح.
أما البطولة الواعية المؤمنة الصادقة فإنها تعني القيادة الصالحة، والجنود الصالحين، والشعب العظيم الذي يمتاز أبناؤه بثقافة واعية راقية، وبإنتاجية فكرية وعلمية وفنية وصناعية وزراعية مبدعة، وبنفسية شجاعة عطائية لا تبخل حتى بالدماء من أجل تحقيق الأمر العظيم الذي يساوي وجودها الصالح. ألا وهو مصلحة المجتمع بكليّته في جيله الحالي، ومصالح الأمة التامة في كل أجيالها التي هي قبل وفوق كل مصلحة جزئية آنية داخلية أو مصلحة عدوانية خارجية، والتي بتحقيقها تتحقق جميع مصالح أبناء الأمة الأحياء في جيلهم الحيّ، وجميع الأجيال القادمة فضلاً عن الحفاظ على كرامة أجيالها الغابرة، ومكانة وقيمة وإصالة تراثها الحضاري الأصيل.
فمثلث العقيدة الصحيحة الصالحة، والقيادة الصالحة الواعية، وجيل الشعب الصالح الشجاع هو فريق الصلاح الذي لا يمكن أن يتحقق أي إصلاح حقيقي بدونه لا من داخل المجتمع ولا من خارجه.
الصالح وحده يستطيع أن يصلح، ومن المحال ان يتمكن الطالح من ذلك، لأن الإناء ينضح بالذي فيه. فقارورة العطر لا تنضح الاعطراً، وقارورة النتن لا تعطي الا رائحة كريهة. والصالحون الصادقون الأمناء هم خميرة صلاح وأمانة. أما الفاسدون المنافقون الغدارون فلا يؤمل منهم إلا الفساد والتضليل والغدر.
ووحدهم الأصدقاء الصالحون، وأصدقاء الأصدقاء الصالحين وأعداء الأعداء الصالحين يمكن أن يُنتظر منهم خيراً ونفعاً. أما الأعداء المجرمون العدوانيون، وأصدقاء الأعداء الداعمين للعدوان، وأعداء الأصدقاء الصادقين فلا يُنتظر منهم إلا العدوان والشر والخراب.
وبناء على ما تقدّم كانت الوصية الحكيمة للعالم الاجتماعي والفيلسوف أنطون سعاده الى المقبلين على دعوة الحرب السوري القومي الاجتماعي في خطابه في الأول من آذار 1938:
«إني أوصيكم بالقضاء على الخيانة أينما وجدتموها، لأنه إذا لم نتخلص من الخيانات لا نبلغ الغاية. والمجتمع الذي يحتضن الخيانة ويفسح لها مجال الحياة مجتمعٌ مصيره الى الموت المحتم».

*باحث وشاعر قومي مقيم في البرازيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى