مرويات قومية

الرفيقة نورية النابلسي شاعرة ومناضلة وزوجة مناضل

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات لامعات من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة من مسار الحزب، فأضافوا عبرها إلى تراث حزبهم وتاريخه التماعات نضالية هي خطوات راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا تفصيل واحد، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
كتابة تاريخنا مهمة بحجم الأمة.

إعداد: لبيب ناصيف

الرفيقة نورية النابلسي شاعرة ومناضلة وزوجة مناضل

الرفيقة نورية محمد النابلسي، لها من تاريخها الحزبي والتربوي والثقافي، كما من تاريخ زوجها الأمين سليم صافي حرب، ما يُكتب عنه باعتزاز، خاصة اذا علمنا انها الرفيقة الوحيدة ربما التي نظمت شعراً باللغة الفرنسية، وترجمت، ووضعت دراسات عن الأديان عبر التاريخ، ولها ملاحم شعرية بالفرنسية عن قرطاجة وهنيبعل بلغت 2500 بيتاً.
الرفيقة نورية النابلسي صافي حرب:
انتمت الرفيقة نورية محمد النابلسي عام 1948 بحضور الأمناء الياس جرجي قنيزح، نجلا معتوق حداد، وسليم صافي حرب.
مارست التعليم في مدارس وزارة التربية الوطنية وحازت على أكثر من رسالة تقدير، منها هذه الرسالة الموجهة من مدير التعليم الابتدائي جورج صليبي بتاريخ 31 ايار 1961 وهذا نصها:
“حضرة السيدة نورية نابلسي
المدرّسة في مدرسة الصلاح الرسمية للبنات
بواسطة حضرة رئيس إدارة التربية في الشمال
أفادت مديرية مدرسة الصلاح الرسمية للبنات في كتابها تاريخ 28/03/1961 أنك تبذلين جهوداً في سبيل تقدّم تلميذاتك.
انّ هذه المديرية، بناء على موافقة حضرة المدير العام، تقدّر جهودك، وتأمل ان تتابعي عملك على هذا النحو المشكور”.
*******
ـ شاعرة بالفرنسية، لها مجموعة قصائد أصدرتها في ديوان حمل العنوان التالي:
“Le Liban au grand desastre”، ولديها ملاحم شعرية بالفرنسية من 2500 بيت عن قرطاجة وهنيبعل، إنما لم تطبع.
ـ أصدرت كتاباً يُعتمد في المدارس بعنوان لنتعلم الفرنسية بالترجمة:
“Apprenons le francais par la traduction”.
ـ لديها دراسات غير منشورة عن الأديان عبر التاريخ من 600 صفحة، وترجمت الرواية التاريخية “أسد بابل” للأمين نواف حردان إلى الفرنسية.
ـ كرّمتها منفذية طرابلس في احتفال جرى في مكتب المنفذية حضره عميد الدفاع الأمين وائل الحسنية الذي سلّمها درع التكريم، منفذ عام طرابلس في حينه الأمين زهير الحكم، النائب عبد الرحمن عبد الرحمن، الدكتورة مي سعاده، أعضاء هيئة منفذية طرابلس وحشد من القوميين الاجتماعيين والمواطنين.
ـ وجرى لها تكريم آخر في المركز الثقافي القومي في طرابلس بتاريخ 09/07/2004 ألقى فيه وكيل عميد الثقافة في حينه الأمين نعيم تلحوق كلمة جاء فيها:
“كلنا ينشأ، لكن قليل منّا من يظفر بشرف الموت من أجل عقيدة حياة حرة شريفة، يسعى فيها الإنسان إلى استكناه معنى وجوده، واستدراك مشكلة الخلق منذ بدء التكوين، فيبدأ بالتفتيش عن ذاته في الآخر الذي هو النحن الكبيرة. هذا ما قصده باعث النهضة السورية القومية الاجتماعية أنطون سعاده…
فالرفيقة نورية وثقت بمشروع حياة جديدة عبر ارتباطها بالأمين سليم صافي الذي عانى واضطهد وسُجن في محطات حزبية مختلفة، كان الحزب هو الهاجس بدمه وروحه، فآثر أن يألف الظلم على أن لا يخرج عن قناعاته، فكان الدور لنصفه الآخر الرفيقة نورية التي أحاطت اولادها الثلاثة وربّتهم تربية سليمة، في الوقت الذي كانت تعلّم فيه اللغة الفرنسية في الصفوف التكميلية لمدرسة الصلاح الرسمية للبنات في أبي سمرا، إضافة إلى دروس خصوصية تعطيها في المنزل لتكسب عيش تعليم أولادها، فخرج فضل دورها عن نطاق الأسرة والمعاناة الحزبية ليطغى على معظم أبناء طرابلس والشمال. فاختارت طريق النضال إلى جانب زوجها المسجون كي تصارع كفاية الظلم والقهر والاضهاد وحرق منزلها. فانتمت إلى مدرسة النهضة، وتجذّر مفهوم الحزب في داخلها، ومارست شعارات النهضة السورية القومية الاجتماعية قولاً وعملاً دون تأفّف أو تذمّر.
ومن خلال الخلال، لم تترك الوقت يضيع سدى، فتحرك إبداعها إلى العمل الدؤوب على ترجمة قصائد شعرية باللغة الفرنسية وهي تهمّ بتحقيق هذا المشروع على أمل أن يكون لعمدة الثقافة جانب المشاركة في إصداره.
ضمن هذا الاعتبار نتداعى حول نورية النابلسي لتكريم صدقيتها تجاه نفسها وإنسانها ومجتمعها فيصبح التكريم مصادقة على قيمة عملها وإبتكارها كحجّة دامغة للأجيال المقبلة كي نصير نحن لا بما نحن فحسب بل بما يجب ان نفعل وان نقول وأن نكون.
ويأتي تكريم الرفيقة نورية في مناسبة الثامن من تموز وضمن سلسلة نشاطات مئوية سعاده لنقف على معنى التضحية التي يقدمها القوميون الاجتماعيون في سبيل مجتمعهم وأمتهم كما زعيمهم سعاده.
بإسم عمدة الثقافة والفنون الجميلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي أتقدّم من الرفيقة نورية بالتهنئة على مصداقيتها ونضالها وجهدها وعملها الدؤوب، ولطرابلس والشماليين جميعاً بالتحية الصادقة، وللسوريين القوميين الاجتماعيين التواصل الدائم مع حركة الخلق والابداع. وشكراً لكم”.
*******
ولأنّ الحديث عن الرفيقة نورية، وما تميّزت به في حياتها الشخصية والحزبية، لا ينفصل عما كان عليه الأمين سليم صافي حرب، ودوره الحزبي النضالي في مدينة طرابلس، نورد في هذه الصفحة ما كان الأمين لبيب ناصيف قد عمّمه سابقاً عن الأمين الراحل.
تعتبر طرابلس، كما مناطق الشمال اللبناني، من أولى مدن وبلدات الوطن السوري التي عرفت الحزب السوري القومي الاجتماعي، عندما انتقل الرفيق إيليا ربيز إلى طرابلس للعمل في شركة نفط العراق، وبواسطته انتمى زميله في العمل، الياس خوري نجار من بترومين، الكورة.
ونما الحزب في طرابلس والكورة بحيث قام سعاده بزيارة إليهما في أواخر أيلول 1934 نتج عنها إنشاء أول منفذية للحزب في لبنان الشمالي، وتعيّن الرفيق الدكتور سميح علم الدين منفذاً لها،
وإذا كان الرفيق سميح من عائلات طرابلس العريقة ـ فهو خال الرئيسين الشهيد رشيد والمرحوم عمر كرامي، فإنّ عاصمة الشمال عرفت لاحقاً انتماء العدد الوفير من أبنائها إلى الحزب، ومنهم من مُنح رتبة الأمانة وتولى مسؤوليات محلية وكان له نضاله المميّز في الحزب، نذكر منهم الأمناء الراحلين: مصطفى المقدم، نجلا معتوق حداد، الدكتور كمال الرافعي، وسليم صافي حرب(1).
عن الأمين سليم صافي، أحد مناضلي الحزب العنيدين في إيمانهم، هذه النبذة التي نأمل أن تضيء بما يكفي على تاريخه النضالي الطويل.
*******
«ولد سليم صافي سنة 1917، على ما يبدو، لأنّ تاريخ ميلاده ليس واضحاً تماماً، في بلدة القلمون القريبة من طرابلس، من عائلة محافظة فقضى طفولته هناك. وبعدها انتقلت العائلة إلى طرابلس حيث تلقى سليم دراسته الابتدائية فقط، فأدخله والده بعد ذلك مصنعاً للخياطة حيث تعلم المهنة وأتقنها واخذ يمارسها.
«لم أعد أعلم كيف تعرّف إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي وبواسطة مَن، ولكن كلّ ما أذكره هو أنه انتمى إلى الحزب سنة 1936 واعتنق مبادئه وأخذ يقوم بكلّ ما يطلب إليه بكلّ نشاط وهمّة ومتحفزاً مسبقاً لمهام جديدة ملبّياً نداء الواجب.
«كان لبنان آنذاك تحت الانتداب الفرنسي وقد مارست سلطات الانتداب شتى الضغوطات على القوميين: ملاحقات وتوقيف واعتقالات مع تعذيب وإذلال، وقد نال سليم قسماً كبيراً منها لأنه رفض أن يدلي بأسماء الرفقاء الذين ساعدوه مرة على توزيع مناشير كانت تحثّ على مقاومة الانتداب».
هذا ما توضحه عقيلته الرفيقة نورية النابلسي. ثم تضيف: «تعرّفت إليه سنة 1940 عند خالي هارون الصالح الذي كان رفيقاً أيضاً. تزوجنا سنة 1944 وعرفت منه آنذاك أنه كان يحتفظ ببعض الملفات والأوراق الحزبية المهمة التي كان قد خبّأها في مكان سري وأمين أثناء المداهمات والملاحقات من قبل الفرنسيين، وعلمت أنّ الرفيق الجنوبي رباح الدجاني هو الذي خبّأ الأوراق تحت بلاطة في المسجد حيث كان يقيم. كان رئيس الحزب آنذاك أثناء وجود الزعيم في المهجر الأمين نعمة ثابت، فعندما علم بهذه الأوراق من الأمين الياس جرجي، أرسل إلى سليم رسالة يشكره فيها على هذا التصرف السليم ويهنّئه، ويطلب نقل الأوراق إليه، ولكن بعد عودة الزعيم إلى الوطن وجرى ما جرى بينه وبين المسؤولين عن الحزب في غيابه علم سعاده بتلك الأوراق، فوجه بدوره رسالة تهنئة إلى الرفيق سليم على عمله الحكيم».
******
ما لم تورده الرفيقة نورية عن مرحلة انتماء الرفيق سليم صافي حرب ونضاله، يأتي على ذكره الأمين جبران جريج في الأجزاء 2، 3 و 4 من مجلده «من الجعبة». في الصفحة 220 من الجزء الثاني، يقول الأمين جريج:
«أما في المدينة ذاتها فقد انتشر الحزب في جميع الأحياء في بوابة الحدادين أو باب الرمل، في التل والصاغة، في باب التبانة والزاهرية وكذلك في القبة. أذكر أنها تشكلت عدة مديريات أهمّها التي بقيت عالقة في ذهني المديريات التي كان مديرها الدكتور نجيب خلاط ورياض أديب، فاضل شرمند، نقولا نصور، نيازي نعنعي ومحمد السيد، وكذلك مديرية القلمون التي أنشئت حديثاً وكان مديرها محمد حسن الأبيض ومن أعضائها مصطفى الحكم. أما هيئة المنفذية فقد كانت مؤلفة من الرفيق سعد الله أديب ناموساً، والمحامي الرفيق مصطفى الذوق ناظراً للإذاعة، الرفيق سعدي عدره ناظراً للمالية، وبشير أحمد يوسف ناظراً للتدريب، ومن الأعضاء البارزين: حنا العاقوري، أنطون شدياق، حسن الحلاب، سليم صافي حرب، عبد الرحمن الصعدي، والصحافيين محمود الأدهمي، رهيف الحاج وسليم المجذوب».
*******
اعتقاله الأول
كان منفذ عام طرابلس الرفيق مصطفى المقدم (الأمين لاحقاً) قد أصدر دون إذن مركزي، بياناً موجهاً ضدّ تصريح للبطريرك الماروني عريضة يطالب فيه بإبقاء فرنسا في بلادنا 99 سنة تتجدّد تلقائياً(2). قام رفقاء في منفذية طرابلس بتوزيع البيان، فتمّ اعتقال الرفقاء سليم صافي حرب، محمود بيان وراتب صالح(3).
*******
اعتقاله الثاني
في صيف العام 1940، في ظل الحرب العالمية الثانية والملاحقات التي كانت تقوم بها السلطات الفرنسية والمحلية التابعة لها، قررت القيادة الحزبية إصدار بيان سياسي باسم رئاسة مجلس العمد(4) يحدّد موقف الحزب من الأحداث، ويتمّ توزيعه على نطاق واسع في جميع أنحاء الوطن، وخاصة في المناطق اللبنانية.
هذا البيان جرت تلاوته في اجتماعات شعبية، في عدد كبير من المناطق، كما توزيعه بشكل مكثف وشامل. يقول الأمين جبران جريج في الجزء الرابع من «من الجعبة» ص 670: «من جهة التوزيع فقد تمّ بنجاح منقطع النظير، ففي بيروت وزع على مداخل دور السينما بصورة خاصة، وكذلك في دمشق وحلب والمدن السورية الباقية. في دمشق اعتقل كلّ من الرفقاء تاج الدين خالد مع فكتور أسعد ورفيق آخر نسيت اسمه. أما في بعلبك فلا بدّ من ذكر مساهمة قائمقام المدينة صلاح اللبابيدي الذي استدعي إلى مركز الحزب، وهو عضو سري، وأخذ علماً بموعد التوزيع فعمل على تكليف قوى الأمن بمهمات خارج المدينة فخلا الميدان للتوزيع».
في طرابلس، التي جرى فيها توزيع بيان رئاسة مجلس العمُد، تمّت اعتقالات شملت عدداً من الرفقاء. في هذا الصدد يقول الأمين سليم صافي حرب(5):
«في الليلة السابقة للأول من آب 1940 طرق باب منزلي أحد الرفقاء ولا أعلم اسمه حتى الآن، وسلمني رزمة من المناشير وقال لي: «بأمر عميد الحربية يُطلب منك تنظيم عملية توزيع هذه المناشير صباح الغد ـ في الساعة العاشرة قبل الظهر». استغربت هذا الطلب خصوصاً أني لم أكن المسؤول الأول في المنفذية، ولما كنا نعمل بهدوء واطمئنان وبثقة عز نظيرها في التاريخ، أخذت هذه المناشير وبدأت أفكر بطريقة التوزيع وبانتقاء الرفقاء الصالحين لتنفيذ هذه المهمة، فوقع اختياري على الرفقاء: محمود بيان، سعدالله الحدبا، نزيه الحسيني، أحمد طبيخ وراتب صالح. اتصلت بالرفقاء المذكورين ووزعت عليهم البيانات وسلمت كلا منهم منطقة من مناطق طرابلس والميناء، ثم تمّ التوزيع بشكل ناجح جداً.
«ولكن في اليوم التالي وفي تمام الساعة الثالثة والنصف من الفجر طرق باب منزلي موظفو الأمن العام والتحرّي واقتادوني إلى خان العسكر. ولا بدّ بهذه المناسبة من ذكر ذلك الموظف الطيب الخلوق، ذلك الإنسان الذي لم تحل الوظيفة دون ممارسته العمل بأخلاق راقية، وهو «فرح فرح» الذي همس في أذني «قد نفتش البيت هذا اليوم فخبر أهلك للحيطة». اقتادوني إلى الثكنة العسكرية «خان الصابون اليوم» وسلّموني إلى «الشيف بلانشيه» الذي بدأ التحقيق معي فأنكرت بادئ الأمر كلّ شيء ولكن بعد فترة من الوقت فوجئت بالرفقاء محمود بيان، سعد الله الحدبا وأحمد طبيخ معتقلين.
«كان التحقيق يهدف إلى معرفة الشاب الطويل الأسمر الذي كلفته بتوزيع المنشور، فاتضح لي أنهم يعرفون أني أنا الذي كلفت الرفقاء بالتوزيع، كان الشاب الطويل الأسمر الرفيق نزيه الحسيني، فكان لا بدّ لي وأنا الموقوف حكماً من تغطيته فأعلنت أني أنا ذلك الشاب الطويل الأسمر الذي وزع المنشور في شوارع المدينة الداخلية: البازركان، سوق الجديد، الجسر الجديد والتبانة.
«بقيت أثناءها أسبوعاً كاملاً معلقاً «بالكلبشة» بيدي اليمنى بحديد النافذة، دون طعام وقد منّ عليّ «الشيف بلانشيه» بكوب من الماء مرتين في اليوم. صحوت من غيبوبة في اليوم السابع وأنا مربوط على سرير حديدي ملقى على الأرض. توجه إليّ «الشيف بلانشيه» بكل احترام «موسيو صافي، لا تخف بعد الآن، انتهى التحقيق». وبالفعل أخذني إلى غرفة الطعام المختصة بالعسكريين ولكني كنت في حالة لا أستطيع معها الوقوف على رجلي ولا أقدر أن أقضم أيّ شيء. شربت بعض اللبن وتناولت قطعة من الخبز لأبدأ الطعام فلم أتمكن من استعمال يدي اليسرى من الألم وأحسست بأنه قد أصابها التورّم عند المرفق. عرفت في ما بعد أنها كانت مكسورة.
«لم يرني طبيب ولم استعن بأحد لتجبيرها وأنا في السجن فبقيت على حالها حتى ذهب الورم وشفيت من الألم ولكنها بقيت معوجة حيث أنّ الكسر كان في المفصل.
«إني أسجل احترامي العميق للرفقاء محمود بيان، سعد الله الحدبا وأحمد طبيخ على مواقفهم السليمة أثناء التحقيق وعلى انضباطهم فترة وجودهم في السجن حيث انتقلنا كلنا بعد شهرين إليه، إلى سجن القلعة العسكري في بيروت».
******
بعد حادثة الجميزة في حزيران 1949 والملاحقات التي راح يتعرّض لها القوميون الاجتماعيون، توارى الأمين سليم صافي حرب. إلا أنه، عام 1952، أوقف مع عدد من الرفقاء ثم أفرج عنهم بعد أيام، «إنما لم اعد أعلم سبب ذلك التوقيف» كما تفيد الرفيقة نورية.
حتى إذا اندلعت أحداث العام 1958 واضطر الأمين سليم إلى مغادرة طرابلس مع عائلته إلى بيروت، لفترة، ثم إلى الكورة، تعرّض منزله في طرابلس للمداهمة من قبل الخصوم المحليين، وإلى إحراق محتوياته.
بعد انتهاء الأحداث الدامية، عاد الأمين سليم صافي وعائلته إلى طرابلس في كانون الأول 1958، ليعاود فيها نشاطه الحزبي المعهود، ثم يتولى مسؤولية المنفذ العام.
كان الأمين سليم يقوم بهذه المسؤولية عندما قام الحزب بالثورة الانقلابية في 30/31 كانون أول 1961، فاعتقل وحكم عليه بالسجن مدة أربع سنوات، «وقد لاقى أصنافاً من التعذيب والإذلال، شيئاً يصعب وصفه ويخجل الإنسان من التكلم عنه أمام الآخرين». وتتابع الرفيقة نورية فتقول: «أما أنا والأولاد فكنا نعاني من صعوبات جمة، إذ كان عليّ أن أضاعف عملي بإعطاء دروس خصوصية في البيت إضافة إلى عملي في المدرسة والواجبات المنزلية مع الاهتمام بالأولاد والذهاب كلّ أسبوع إلى بيروت لمقابلة الرفيق سليم وتزويده بما يلزمه من مؤن وملابس نظيفة وبعض الحاجيات الضرورية. وكم كانت تلك الزيارة صعبة وقاسية إذ كان علينا (أنا والأولاد) أن نذهب أولاً إلى المحكمة العسكرية لنتزوّد بورقة تمكننا من مقابلته في السجن».
لم يقف الأمين سليم بعد خروجه من الأسر، إلى جانب، إنما تابع، مع عودته إلى العمل الشخصي، إلى ممارسة نشاطه الحزبي وتولي المسؤوليات الحزبية. إذ كان الأمين سليم حاضراً في كلّ الأنشطة، وفي القيام بالواجب طيلة النصف الثاني من الستينات، بعد خروجه من الأسر في 1/1/1966، والنصف الأول من السبعينات، إذ كان يتولى مرة جديدة عام 1975 مسؤولية منفذ عام طرابلس، عندما اندلعت الحرب المجنونة، وما رافقها من قتل وتدمير وذبح على الهوية. كان الأمين سليم «يقضي معظم وقته في إنقاذ من يتمكن من إنقاذه من موت محتم، فكان يجوب طرابلس وضواحيها القريبة والبعيدة لإنقاذ من خطف على الهوية وبات مهدّداً بالقتل، وقد وفق في ذلك إلى أبعد حدّ فكان الحزب السوري القومي الاجتماعي الوحيد الذي قاوم الطائفية قولاً وفعلاً|.
في أواسط الثمانينات، وكان اضطر الأمين سليم إلى مغادرة طرابلس مع عائلته إلى منطقة اللاذقية، تعرّض منزله للكسر والسرقة. «وجدنا كلّ شيء مقلوباً، زجاجاً مكسوراً وكتباً وملابس محروقة، وأشياء صغيرة وثمينة مسروقة».
بعد زيارة استراليا في العام 1987، حيث فيها ابناه حسان وإيمان ـ عاد الأمين سليم والرفيقة نورية عام 1988 إلى لبنان، إنما كان بات في وضع صحي سيّئ جداً أقعده في البيت عدة سنوات، إلى أن وافته المنية في 23 كانون الثاني عام 1996، ليغادرنا بالجسد إنما يبقى حضوره مستمراً في حزبه الذي أعطاه كلّ وجوده وكان صادقاً في انتمائه، ووفياً لقسمه.
وفي 1/3/1997 كرّمت منفذية طرابلس الأمين الراحل سليم صافي حرب في قصر رشيد كرامي الثقافي البلدي، حيث تسلمت عقيلته الرفيقة نورية درعاً باسم الأمين سليم.
*******
بطاقة هوية:
ـ الأب: عبد القادر.
ـ الأم: رابعة قلموني.
ـ اقترن من الرفيقة نورية محمد النابلسي،
وأنجب منها: د. غطفان، حسان، وإيمان.
ـ بعد أن كان منحه الحزب رتبة الأمانة، مُنح وسام الواجب الممتاز في 19 آذار 1988، وكان الأمين داود باز يتولى رئاسة المجلس الأعلى.
ـ توفي في 23/1/1996، جرى تشييع جثمانه في 26/1/1996 بعد أن كان وصل أبناؤه.

هوامش:
1 ـ عرف الأمين سليم صافي حرب الأسر أكثر من مرة كان آخرها حين شارك في الثورة الانقلابية وأمضى 4 سنوات في الأسر.
أساس العائلة: صافي. إحدى جدات العائلة اقترنت من شخص من آل حرب وقامت بتربية البعض ممن كانوا أيتاماً. لذلك يستعمل البعض حالياً اسم صافي، أو اسم حرب، أو اسم صافي حرب، كما هو حال الأمين سليم.
2 ـ من كتاب «من الجعبة» للأمين جبران جريج. الجزء الثالث. ص 502.
3 ـ شقيق الرفيق هارون صالح، خال الرفيقة نورية. شارك في الثورة الانقلابية واستشهد في ثكنة الأمير بشير صيف العام 1962.
4 ـ كان الأمين مأمون أياس يتولى مسؤولية رئيس مجلس العمُد.
5 ـ من كتاب «من الجعبة» الجزء الرابع، ص 670.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى