الوطن

مؤتمر العمل العربي يفتتح أعماله اليوم في القاهرة ويناقش الحوار الاجتماعي ومستقبل الضمان

بطرس سعادة لـ «البناء»: لاستثمار التوافق العربي في العمل النقابي

إنعام خرّوبي
وسط أجواء عربية حافلة بالمتغيّرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى وقع حروب ضارية يشهدها العديد من الأقطار العربية، وقمة عربية تاريخية استضافتها مدينة جدّة السعودية، ستنعكس نتائجها حتماً على كلّ مؤسسات العمل العربي المشترك، تنطلق اليوم الإثنين أعمال الدورة التاسعة والأربعين لمؤتمر العمل العربي والذي تنظمه منظمة العمل العربية في العاصمة المصرية القاهرة ـ المقرّ الدائم للمنظمة.
يتألف المؤتمر من جميع المندوبين المعتمدين اعتماداً صحيحاً، بمعرفة الدول الأعضاء في منظمة الدول العربية المنصوص عليهم في المادة الخامسة، الفقرتين 3 و4 من دستور منظمة العمل العربية.
إنّ مؤتمر العمل العربي هو اجتماع ثلاثي التكوين: حكومات وأصحاب عمل وعمال، ومن المرتقب أن يلتقي أطراف الإنتاج الثلاثة هذه الدورة لمناقشة تقرير المدير العام لمنظمة العمل العربية فايز المطيري بعنوان “الحوار الاجتماعي بين تحدّيات الحاضر وآفاق المستقبل”، بالإضافة إلى مستقبل الضمان الاجتماعي في المنطقة العربية.
يشارك في المؤتمر وفد من الاتحاد العمالي العام اللبناني برئاسة رئيس الاتحاد د. بشارة الأسمر. ومن المقرّر أن يركز الوفد خلال المؤتمر على “الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأزمة الاقتصادية وانعكاسها على اللبنانيين عامة، وعلى العمال بشكل خاص”، يقول عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد العمالي العام ـ الأمين العام المساعد في الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب بطرس سعادة لـ “البناء”، مضيفاً: “إنّ التحولات الدراماتيكية والأزمات الاقتصادية، ليس في لبنان فحسب، بل في دول عربية كثيرة، إضافة إلى الصراعات العسكرية والحروب في السودان وسورية واليمن وغيرها، تُخيّم على أجواء انعقاد المؤتمر، وتجعل المشاكل التي تواجه الحركة العمالية العربية تزداد تعقيداً”.
ويتابع: “وتبقى فلسطين الجرح النازف دوماً، وما يعانيه العمال الفلسطينيون من مضايقات وانتهاكات هي بطبيعة الحال جزء من سياسة الاحتلال الصهيوني منذ إنشائه على أرضنا في فلسطين، والذي يحاول فعل كلّ شيء من أجل اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم”.
يُعتبر الاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب أحد أبرز المؤسسات النقابية العربية، ويتخذ من دمشق مقرّاً له، وفي هذا السياق، يلفت سعادة إلى “الدور الأساسي والهامّ لهذا الاتحاد وقدرته على الصمود في وجه كلّ محاولات تصفيته وإنهائه منذ بداية الحرب الكونية على سورية، وقد تمكّن من الاستمرار رغم الإمكانات والموارد الضئيلة بقيادة أمينه العام ـ رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في سورية جمال القادري والذي يحاول، قدر الإمكان، تحييد الاتحاد عن الخلافات والصراعات، كمؤسّسة نقابية جامعة لكلّ التنظيمات النقابية العربية وممثلة لطيف واسع من العمال العرب”، مشيداً بالأمناء العامين الذين تعاقبوا على هذه المؤسسة النقابية العريقة منذ إنشائها، خاصة الأمينين العامين الأسبقين رجب المعتوق وغسان غصن “اللذين أدارا الاتحاد في مرحلة دقيقة جداً في تاريخه خلال فترة الحرب على سورية”.
ويضيف: “الحدث اللافت هذا العام أنّه وخلال فترة انعقاد مؤتمر العمل العربي، سيُعقَد المجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب وأمانته العامة وستصدر عنه توصيات أساسية، ونحن نعمل على إعادة تفعيل هذا الاتحاد وهذه مهمتنا الأساسية في المرحلة المقبلة”.
ويعتبر سعادة أنّ مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في اجتماع القمة العربية في جدة جعلتها حدثاً تاريخياً، ونأمل أن ينعكس التقارب العربي ـ العربي على باقي مؤسسات العمل العربي المشترك ومن بينها، بطبيعة الحال، منظمة العمل العربية”.
وبشأن موضوع التعدُّدية النقابية، يلفت سعادة إلى “أنّ تشريع التعدّدية ينعكس في كثير من الأحيان بشكل سلبي”، مُفرِّقاً بين التعددية النقابية في لبنان وغيره من الدول. ويوضح: “ في لبنان التعددية موجودة ولكن ليس في الدرجة الأولى، الاتحاد العمالي العام هو تاريخياً اتحاد كونفدرالي وكلّ اتحاد نقابي له هامش واسع من الحرية على صعيد الحركة والموقف، لكنّ الاتحاد العام يُصدر الموقف الأساسي وهناك أمور يعود القرار فيها له وحده».
ويسأل: «لماذا لا تكون هناك تعدُّدية على صعيد أصحاب العمل؟ من دون أدنى شك، هذا يُبيّن لنا أنّ الهدف من التعددية هو تجزيء العمل النقابي وهذه من توصيات منظمة التجارة العالمية التي تريد إضعاف كافة أدوات الضغط في الدول العربية والعمال والنقابات هم أدوات الضغط هذه».
ويلفت سعادة إلى أنّ «أيّ ضعف في الحركة العمالية والنقابات يخدم المؤسسات المالية الدولية ويؤدي في نهاية المطاف إلى خلق اقتصادات تضرب الحركة العمالية والعمال لجعلهم وقوداً لهذه المشاريع، بحيث يفقدون كيانهم كقوة تصدي لهذه المشاريع ما يُسهّل تمريرها وتنفيذها».
ويتابع: «صندوق النقد الدولي والبنك الدولي هما من الأدوات التي تستخدمها الولايات المتحدة الأميركية والدول الصناعية الكبرى لإخضاع الدول الضعيفة عبر إغراقها بالقروض والمعونات وبذلك يحتلونها اقتصادياً، لذلك نجد من بين الشروط التي تفرضها المؤسسات المالية الدولية إزالة التقديمات الاجتماعية ورفع الدعم الذي توفره الدولة للدواء والغذاء ومتطلبات حياتية أساسية أخرى لمواطنيها. بذلك يصبح العمال، وهم عادة الشريحة الأفقر والأوسع، ضحايا لهذه السياسات المالية التي هي أبعد ما تكون عن الإنسانية، وهذا ما نعانيه اليوم في لبنان حيث رفعت الدولة الدعم عن كلّ شيء وحتى أدوية الأمراض المستعصية. سورية هي الدولة العربية الوحيدة لم يتمكنوا من إخضاعها بأن ترفع الدعم عن الأساسيات، وهي لم تتخلّ يوماً عن نظام الحماية الاجتماعية، حتى خلال سنوات الحرب، إذ بقي الدواء مدعوماً، ورغم أنّ السعر يتغيّر مع ارتفاع الدولار لكنّ السوريين لا يزالون قادرين على شراء الدواء وبالعملة المحلية. العملة المحلية تعني الهوية والسيادة، بينما ما نشهده في لبنان مثلاً هو الاتجاه نحو إلغاء الليرة اللبنانية كلياً حيث باتت معظم الأشياء مُسعّرة بالدولار الأميركي، في غياب الرقابة الفعلية للدولة ومؤسساتها التي انهارت تماماً».
ويختم سعادة بالإشارة إلى أهمية مناقشة موضوع الذكاء الاصطناعي في مؤتمر العمل العربي نظراً لأهميته «إذ يساهم في تحسين حياة الناس ومن خلال تقديم خدمات أكثر دقة وشخصية، ولخطورته في الوقت عينه إذ أنه قد يشكل تهديداً للوظائف والخصوصية، لذلك يجب التعامل معه بما يحفظ للعامل عمله ومصدر رزقه واستمراريته عن طريق وضع ضوابط، تلافياً للتأثيرات السلبية على الإنتاج والمعنى الإنساني».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى