أولى

العدوان الوحشي على جنين يستبطن تحدّياً لوحدة الساحات

‭}‬ سعاده مصطفى أرشيد
مع فجر أمس الأربعاء انسحبت قوات الاحتلال الصهيوني من مدينة جنين ومخيمها بعد ثمانٍ وأربعين ساعة دامية دارت خلالها معارك ومواجهات بالغة العنف، أبدى فيها «الإسرائيلي» أقصى وأقبح ما لديه من عدوانية وعنف وتوحش، واستعمل خلالها أعلى ما لديه من قوة تدميرية. في المقابل أبدى فيها المقاوم الفلسطيني خير وأرقى ما لديه من صور الشجاعة والبطولة، غير مكترث بميزان القوى بالغ الاختلال في غير صالحه. أكثر من ألف جندي «اسرائيلي» بأفتك عتاد مدعوم بالآليات والتكنولوجيا والطائرات بأنواعها والأقمار الصناعية مقابل بضع عشرات من الفتية اليافعين بأسلحتهم التي في معظمها ذات تصنيع محلي في ورشات الحدادة القديمة وبذخائر عزيزة سريعة النفاذ وفي مساحة قد تزيد قليلاً عن نصف كيلو متر مربع.
سبقت هذا العدوان «الإسرائيلي» موجة تحريض عالية شارك فيها مسؤولون «إسرائيليون» من المستوى الاول، أحدهم رئيس (الشاباك) الذي قال «انّ لدى جهازه معلومات أكيدة تفيد بأنّ مخيم جنين ومقاومته قد أخذوا يصنعون صواريخ محلياً وهو أمر خطير على الأمن القومي الإسرائيلي». بناء على ما تقدّم فإنّ الهدف من اقتحام جنين هو سحق المقاومة وبيئتها الحاضنة وتفكيك البنية المصنعة للصواريخ او غيرها من أدوات المقاومة. لكن «الإسرائيلي» لم يستطع تحقيق ذلك برغم كلّ الحشد العسكري في الأفراد والمعدات.
صحيح انّ الاحتلال قد أحدث دماراً هائلاً في بيوت المخيم وشوارعه وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي بما يشابه لا بل في بعض المناطق يفوق ما حصل في معركة المخيم الشهيرة عام 2002، وصحيح أنه ارتقى في هذه المعركة اثنا عشر شهيداً فلسطينياً والعدد مرشحٌ للزيادة بسبب الحالات التي لا تزال في غرف العناية المركزّة في المستشفيات، ولكن الحروب والمعارك لا تقاس بأعداد الشهداء وبالقيمة المادية للدمار وإنما بقدرتها على تحقيق أهدافها، فهل حقق العدو أهدافه؟
من أهداف الاحتلال كان حاجته لمعركة او مواجهة تشدّ العصب الداخلي لديه وهو يمرّ في حالة انقسام داخلي حادّ، ليس من السهل عليه الاشتباك مع إيران، وهو الأمر الذي يتطلب موافقة ومشاركة أميركية غير متوفرة، ولا يرى من الحكمة الاشتباك مع غزة بعد التهدئة التي رعتها مصر، ولا يبدو انه راغب او قادر على الاشتباك مع لبنان وخيمتي المقاومة المنصوبتين في حلقه، وهو إنْ استطاع توجيه ضربات مؤلمة للبنان الا انه يدرك انه قد لا يستطيع تحمّل أكلاف ردّ المقاومة اللبنانية، لذلك ظنّ انّ معركة من هذا النوع في مخيم جنين قد تفي بالغرض، لكن ما رآه «الاسرائيلي» في جنين، صورة جديدة من صور فشله في القضاء على المقاومة.
يذهب التقدير العام والتوقع الى القول بأنّ هذه المعركة لن تكون الأخيرة، فهناك معركة أكثر ضراوة تلوح في أفق المخيم الصامد في قادمات الأيام، وهذا أمر يستدعي التفكير من خارج صندوق الهتاف بصيحات النصر والأناشيد الحماسية، والتفكير بشكل عملي علمي منهجي في ظروف ونتائج هذه المعركة، وتحديد أماكن النجاح وأماكن الفشل بجرأة وموضوعية، وتقييم الأداء والنظر الدقيق في نقاط القوة وكيف يمكن تدعيمها، ونقاط الضعف وكيف يمكن تلافيها وتحويلها الى نقاط قوة ونجاح بعيداً عن الارتجال، علينا أن نعرف من هم الأصدقاء والحلفاء الذين يعوّل عليهم ومن لا يعوّل عليهم، من هو قادر على دعم المخيم وتخفيف الضغط عنه ومن يكتفي بالإشادة والدعم اللفظي الذي لا يجد من يسمعه بسبب ضجيج القنابل حيث لا قيمة له أمام حراب وبنادق ومدافع وأسنان جرافات الاحتلال.
أكتب هذا المقال من حواف مخيم جنين، لأقول بأنّ العدوان «الإسرائيلي» على جنين في الساعات الثماني والأربعين الماضية، إلى ضراوته ووحشيته، يستبطن تحدياً لوحدة الساحات…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى