أولى

الصمود الأسطوري لجنين والطريق للتحرير والاستقلال

‭}‬ د. جمال زهران*
تحركت الآلة العسكرية الضخمة للكيان الصهيوني وحكومته اليمينية الإرهابية المغرورة بقيادة الإرهابي (نتنياهو) رئيس هذه الحكومة، لاقتحام مدينة جنين عامة، ومخيم جنين على وجه الخصوص، وأطلقوا عليها «البيت والحديقة»، والمقصود بالبيت جنين المدينة، والحديقة هي «مخيم جنين»! وكلها حركات أميركية هوليودية، معروفة النتائج المسبقة!
فعملية الاقتحام الصهيونية، لـ جنين، كانت هي الأضخم في التاريخ منذ عام 1948، وحتى الآن، من حيث العتاد وأحدث الأسلحة، وعدد الجنود الذي تجاوز الـ (100) الألف جندي، بالدبابات والمركبات، وهجوم مفاجئ غير مسبوق، وكان الإعلان عن الهدف هو الفيصل في التقييم لما حدث!
فقد أعلن المتحدث الرسمي الصهيوني، بأنّ هدف هذه الحملة الهجومية الإرهابية، عقب انتهاء عيد الأضحى المبارك، هو اعتقال نحو (160) ناشط فلسطيني شاب، قاموا بعمل هجمات ضدّ المستوطنين الصهاينة، وضدّ مواطنين داخل تل أبيب والتعليمات هو إلقاء القبض عليهم، أو قتلهم عمداً، وقتل كلّ من يقف في طريقهم لتحقيق هدفهم! وكأنّ الطريق لذلك.. مفروش بالورود، وعلى الجانبين، من يقفون لتحيتهم ومساعدتهم! وصوّروا الأمر للرأي العام والإعلام.. داخلياً وخارجياً، على أنّ المسألة هي مجرد «نزهة» بسيطة، يتمّ بمقتضاها الدخول لـ جنين، وإلقاء القبض على الناشطين، ومن يعاكسهم، يكون جزاؤه الفوري هو «القتل»! فماذا كانت النتيجة؟! وذلك بعد استمرار وتواصل لمدة (72) ساعة (3) أيام بالضبط، حتى انسحابهم بالكامل؟!
والنتيجة هي، عدم التمكّن من الإمساك بأيّ ناشط فلسطيني مقاوم من داخل جنين، وما استطاعوه فقط، هو قتل ثلاثة منهم، دون مواجهة مسلحة مباشرة معهم! أيّ أنّ الفشل كان ملاصقاً ومرافقاً لهؤلاء الجنود الصهاينة، وعتادهم الضخم، والجرافات الضخمة الكاسحة التي جاءت لتجعل جنين ومخيمها، وقد تساوى بالأرض مثلما حدث في عام 2002 (منذ 21 عاماً)، وكأنّ المقاومة في غياب، ولم يتعلموا من واقع ما حدث في ذلك التاريخ.
وقد تمخض عن هذه المعركة الفاصلة بين صهاينة يمتلكون العتاد العسكري الضخم، القادر على سحق من يقف في مواجهته، وبين سكان فلسطينيين، عُزل، من أي عتاد، وتمّ أخذهم على غرة وبلا رحمة! (12) شهيداً فلسطينياً، و(150) مصاباً، بعضهم بإصابات خطيرة.
وعلى الجانب الصهيوني، فقد أعلن متحدثهم الرسمي وفاة جندي واحد فقط! بينما قد تمّ سحق أكثر من مركبة بمن عليها، من المقاومة الفلسطينية (كتائب القسام)، وبتعاون بين تنظيم «الجهاد»، و «حماس»، مع فصائل فلسطينية أخرى، كمنظمة الصاعقة، وغيرها، حتى زاد عدد قتلاهم ومصابيهم! وكان الملاحظ، مشاركة عدد كبير من سيارات الإسعاف الصهيونية، وذلك لالتقاط القتلى والمصابين، بعيداً عن وسائل الإعلام وفي الخفاء، بحيث لا يتمّ حصرهم. وقد امتلأت سيارات الإسعاف بالقتلى والجرحى، وفي تقارير تمّ حصرهم، حيث قتل من الصهاينة ما يفوق الـ (10) جنود، ولا يقلّ عن المصابين عن (100) شخص! وفي ذات الوقت تحرك استشهادي في تل أبيب، ليقوم بعملية دهس، قتل واحد، وأصيب (5)! وسط تعتيم كبير من الجانب الصهيوني.
وهذا هو الوجه الاستعماري لهذا الكيان، الذي يصفه البعض من المشايعين بأنه «ديموقراطي»، بينما يخفي خسائره عن الرأي العام الصهيوني في الداخل والخارج، وليظهر نفسه كأنه المنتصر!
وهو الأمر الذي يتعارض مع الواقع الفعلي، الذي أثبت، أن قوات الكيان الصهيوني قد خسروا المعركة تماماً، وأن عملية الاقتحام قد فشلت تماماً. ويرجع قائد العملية (العقيد آفيف باروخ)، هذا الفشل، عبر تقرير سريع تمّ رفعه لوزير الحرب الصهيوني (جنرال/ يوآف غلانات)، والذي تمّ تسريبه إلى صحيفة (يدعوت آحرنوت)، في 7 يوليو (تموز) 2023، إلى فشل المعلومات الاستخبارية المتوفرة قبل العملية، وفشل التقدير في تجهيزات سكان ونشطاء المخيم، الذين تمكنوا من مواجهة كتائب العدو الصهيوني، بإمكانيات تفوق التقديرات الخاطئة، وتوافر الأنفاق والقناصة من أعلى المباني، على غير المتصوّر قبل العملية! وخلص إلى نتيجة أن الدخول إلى مخيم جنين، هو درب من دروب الجنون!
ولقد أبلى سكان ونشطاء المدينة والمخيم (جنين)، مقاومة بلا حدود، وأظهروا قدرة على الصمود، أفشلت مخططات العدو الصهيوني، في إنهاء أسطورة جنين، الباقية، والتي ستظلّ علامة كبيرة، ونقطة تحوّل ضخمة، على طريق التحرير والاستقلال لفلسطين من النهر إلى البحر. فقد أثبت المقاومون في جنين، أنهم من صلب إرادة حرة أبية، لم تتراجع أبداً عن الإصرار على المقاومة والتحرير.
ولقد أثبتت جنين، أنّ المقاومة هي الحلّ، وأنّ المقاومة العسكرية هي السبيل للتحرير الكامل. وثبت عند الصهاينة أنهم فاشلون، ولن يحققوا بآلتهم العسكرية الضخمة (عتاداً وبشراً)، أهدافهم في اقتلاع المقاومة. فقد ظنّ القادة الصهاينة، بأن ما فعلوه من جرائم في جنين عام 2002م، أنهم قد أنهوا أسطورة جنين، للأبد، وأنهم قد حطموا إرادة المقاومة، وكسروا المقاومين، إلا أنّ الواقع الفعلي أثبت، أنّ المقاومين مستمرون، وأن أجيالاً تولد أجيالاً جديدة، مُصرّة على المقاومة، حتى تحرير بلدهم فلسطين، من الاستعمار الصهيوني، والدنس الاستعماري الغربي الداعم لهذا الكيان الخنجر في ظهر الأمة العربية، الذي يحول دون التقدم والنهضة، لوطننا العربي. فالتحية لهذا الشعب الفلسطيني المقاوم، الذي يرفع رؤوسنا حتى عنان السماء.
وأخيراً: فإنه يمكن القول، إنّ الصمود الأسطوري لشعب فلسطين في جنين، أمام الآلة العسكرية الصهيونية ومقاتليها، أفشل مخططات هذا العدو، وأثبت الإصرار الفلسطيني على تحرير الأرض، وقد أجبر الصهاينة على الانسحاب المخزي، ويجرون أذيال الهزيمة، في مشهد تاريخي بلا جدال أو مبالغة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس ـ مصر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى