أولى

السؤال المركزي في «إسرائيل»: كيف سيواجه نتنياهو وحلفاؤه المقاومتين الصاعدتين اللبنانية والفلسطينية؟

‭}‬ د. عصام نعمان*
“إسرائيل” ترتع في أزمةٍ خانقة. بعض المحللين السياسيين والعسكريين ومراكز الدراسات الاستراتيجية يرون أنّ حدّة الصراعات الداخلية، العنصرية والسياسية، ستفضي عاجلاً او آجلاً الى حربٍ أهلية. بعضهم الآخر يستبعد ذلك ويرجّح أن يتفكك الكيان ببطء لكن باضطّراد.
في غمرة الانشغال باستشراف المصير تمتلئ أعمدة الصحف الإسرائيلية بمقالات ودراسات وتقارير حول ما يتهدّد الكيان المعطوب من تحديات ومخاطر، وما يراه خبراء وضباط أركان متقاعدون وباحثون متخصّصون من سبلٍ وعلاجات وآليات لمواجهتها. لعلّ السؤال الأبرز المطروح في هذا السياق: كيف سيواجه حزب الليكود بقيادة بنيامين نتنياهو وحلفائه من أحزاب اليمين والمتديّنين والصهاينة الفاشيين المخاطر والتحديات الماثلة، وفي مقدّمها المقاومة المتصاعدة ضدّ العدو الصهيونيّ في كلٍّ من لبنان وفلسطين؟
من مجمل ما يُطرح في صحف الكيان ومنشوراته من أسئلةٍ وأجوبة يمكن استخلاص الواقعات والتوقعات الآتية:
أولاً، تبدو المقاومة اللبنانية، بقيادة حزب الله، الهاجس الأول للإسرائيليين، مسؤولين وناس عاديين، في هذه الآونة. مردُّ القلق مسارعةُ قيادة المقاومة الى الردّ بتدابير لافتة على تحركات “إسرائيل” العدوانية في المناطق الحدودية بين لبنان وفلسطين المحتلة. ذلك أنّ جيش العدو سرّع بناء سياج إسمنتي سميك من الغرب الى الشرق بقصد توفير الحماية للمستوطنات الكائنة في شمال منطقة الجليل المحتلّ. كما أقام سياجاً إسمنتياً آخر في القسم الشمالي من مستوطنة الغجر الذي تعتبره حكومة لبنان كما الأمم المتحدة وقوات “يونيفيل” الدولية جزءاً من الأراضي اللبنانية.
في هذه الأثناء كانت المقاومة تتابع بدقةٍ ما يقوم به العدو على طول الحدود من خلال أبراج أقامتها “جمعية أخضر بلا حدود”، كما ركزت خيمتين في منطقة مزارع شبعا المحتلة يقول العدو إنهما تخفيان قاذفات صواريخ لـِ “كتيبة الرضوان” القتالية المتطورة تدريباً وتسليحاً.
الى ذلك، يعتقد الإسرائيليون أنّ حزب الله يحاول إحباط استكمال بناء السياج الإسمنتي السميك وتعطيله، وأنّ إقامة الخيمتين هي محاولة “ابتزاز الكيان من المقاومة بغية تغيير مسار السياج، خصوصاً في منطقة الغجر، وأنّ حزب الله يسعى مداورةً من خلال الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين للتوصل الى “خطة تسوية” تقوم “إسرائيل” من خلالها بتحويل مسار السياج الحدودي في منطقة الغجر في مقابل إزالة الحزب للخيمتين”.
مراقبون سياسيون وخبراء عسكريون لبنانيون استبعدوا أن يسعى حزب الله عبر الأميركيين أو غيرهم الى تسوية مع “إسرائيل” بشأن أيّ مسألة من المسائل، وإن كانوا لا يستبعدون أن يكون لتركيز الخيمتين غاية معيّنة في إطار خطط الحزب للردّ بفعاليةٍ على اعتداءات “إسرائيل” في المناطق الحدودية.
في المقابل، يتّضح من تحليلات معظم الخبراء العسكريين الإسرائيليين أنه: “بحسب معادلة الردع التي صاغها السيد حسن نصرالله، فإنّ كلّ قتيل لبناني، سيجري الردّ عليه بأيام قتالٍ ستجعل “إسرائيل” تدفع خلالها الثمن نتيجةَ إطلاق صواريخ وقذائف على المستوطنات في الشمال وصواريخ مضادة للدروع على الجيش الإسرائيلي في مناطق الحدود مع لبنان” (رون بن يشاي ـ محلل عسكري، “يديعوت أحرونوت”، 2023/7/13).
ثانياً، تحاول “إسرائيل” مؤخراً تخفيف استفزازاتها العدوانية للفلسطينيين في الضفة الغربية بفعل عوامل ثلاثة: فشلها في عملية “منزل وحديقة” الوحشية على مخيم جنين؛ ردود الفعل السلبية الناجمة عن استئناف سياسة الاستيطان في الضفة الغربية وإدانتها من طرف أميركا واوروبا فضلاً عن روسيا والصين ودول أخرى في آسيا وأميركا الجنوبية وأفريقيا؛ وانشغال قياداتها بمفاعيل التظاهرات الحاشدة المتصاعدة وإعلان جنود قوات الاحتياط في سلاح الجو الإسرائيلي الامتناع عن الخدمة العسكرية احتجاجاً على مشروع قانون “الإصلاح القضائي” الذي تحاول حكومة نتنياهو تمريره في الكنيست.
ثالثاً، اتساع التباين بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” بشأن عدّة قضايا أهمّها عودة حكومة نتنياهو الى تسريع عمليات الاستيطان في الضفة الغربية مع ما يرافقها من اعتداءات وحشيّة على الفلسطينيين المدنيين، ومعارضة الرأي العام في الغرب عموماً وفي الولايات المتحدة خصوصاً، ولا سيما في أوساط الجاليات اليهودية والحزب الديمقراطي لمشروع “الإصلاح القضائي” الذي يعتبرونه معادياً للديمقراطية ومفضياً إلى إقامة دكتاتورية سافرة الأمر الذي يقضي على ما يسمّيه المسؤولون الأميركيون “القيم المشتركة” مع “إسرائيل” التي برّرت وتبرّر لواشنطن دعمها المطلق لها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً منذ قيامها.
يتحصّل من مجمل هذه الواقعات والتوقعات المار ذكرها أنه بات من الصعوبة بمكان أن يلجأ نتنياهو وحلفاؤه المتديّنون والفاشيون الى شنّ “هجوم وقائي” على لبنان بذريعة إجهاض هجمة للمقاومة تعتزم شنّها على المستوطنات الكائنة في منطقة الجليل المحتل. كما بات مستبعداً أيضاً أن ترضخ الحكومة اللبنانية الى ضغوط واشنطن الرامية إلى إعادة ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة بدعوى تفادي الانزلاق الى حربٍ جديدة بين “إسرائيل” والمقاومة.
وعليه، كلّ ما يمكن أن يحصل، على الأرجح، مزيد من الضغط تمارسه واشنطن على “إسرائيل” لتفادي انزلاقها الى تشريعات منافية للديمقراطية ومؤّدّية تالياً الى الديكتاتورية والى ممارسات أكثر عدوانية ضدّ الفلسطينيين من شأنها إحراج إدارة الرئيس بايدن في الداخل والخارج، جاعلةً من الاستمرار في دعم “إسرائيل” بالوتيرة المطلقة ذاتها في المستقبل أمراً بالغ الصعوبة.
*نائب ووزير سابق
[email protected]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى