الهلع يخيّم على الكيان… من حرب لبنان المقبلة!
ناصر قنديل
– لم يخرج بعد تفسير منطقيّ مقنع لأسباب إجماع السفارات الخليجية في لبنان خلال أربع وعشرين ساعة على التحذير من خطر أمنيّ وشيك، على شكل نداء للرعايا بالانتباه والتحفظ وصولاً الى المغادرة، لكن النقاش حول احتمالات مواجهة وضع أمنيّ خطير ليس خليجياً فقط، وقد يكون النقاش الخليجي امتداداً لنقاش آخر يجري إقليمياً ودوليا، وخصوصا الجانب الأهم منه الذي يجري على مستوى القيادتين السياسية والعسكرية لكيان الاحتلال، وعلى مستوى القيادة الأميركية، فما الذي يجري في واشنطن وتل أبيب؟
– في واشنطن تغيّرت النظرة جوهرياً نحو فرضية المواجهة المفترضة بين كيان الاحتلال والمقاومة في لبنان. وهناك نقاش مفتوح حول الأضرار الناجمة عن سياسة بوجهة واحدة عنوانها تفادي خطر الانزلاق إلى حرب تخرج عن السيطرة، منذ اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية للبنان والهروب أمام تهديدات المقاومة التي بدت مستعدّة لخوض حرب. والنقاش لا يعني تجاهل الأسباب التي أملت اعتماد هذه السياسة، سواء اليقين بجهوزيّة حزب الله لخوض حرب وجدّيّته بالذهاب إليها إذا توافر لها مدخل يتيح له تقديمها بصفتها حرباً وطنية لبنانية. وبالمقابل اليقين بوجود نقاط ضعف قاتلة في وضعية الكيان لا تتيح المخاطرة بالذهاب للحرب، سواء بسبب حجم وعمق الانقسام الداخلي والتحديات التي يمثلها الوضع الفلسطيني، ومع هذين اليقينين يقين ثالث بأن حرباً تخرج عن السيطرة في حوض البحر الأبيض المتوسط سوف تعني وقف التجارة الأوروبية الخليجية بما فيها تدفقات الطاقة الى أوروبا التي تعاني وقف الإمدادات الروسية، ما يعني اختناقاً مثلث الأبعاد لأوروبا واقتصاداتها. ويقين رابع بأن مثل هذه المواجهة قد لا تلبث أن تتحول إلى حرب إقليمية تدخلها إيران وروسيا وتندمج مع حرب إخراج القوات الأميركية من المنطقة.
– نقطة البداية في النقاش الجاري في واشنطن هي خطورة تحول سياسة تفادي المخاطر وتقديم التنازلات إلى نهج يشجّع حزب الله وحلفاؤه في المنطقة على ابتزاز الأميركيين و”الإسرائيليين” بتحقيق المكاسب تلو المكاسب، وتحويل هذه المكاسب المحققة الى جزء من عناصر القوة التي يحتاج إلى مراكمتها في طريقه نحو المبادرة إلى الحرب التي يسعى إليها، ولو بذريعة ضعيفة. ويتواصل النقاش من بعدها الى نقطة ثانية عنوانها ان الاستقرار المديد لا يبدو متاحاً بحجم يمكن تقبله من التنازلات، سواء كان من ضمنها العودة الى الاتفاق النووي مع إيران، او الانسحاب الأميركي من سورية، لأن لا ضمانات ذات معنى، يمكن الحصول عليها لعدم تحول أي مواجهة فلسطينية مع جيش الاحتلال الى مدخل لحرب كبرى تستهدف الكيان، تشترك فيها إيران التي تكون قد ارتاحت مالياً وسورية التي تكون قد ارتاحت سياسياً وأمنياً وعسكرياً ومالياً واجتماعياً، وحزب الله الذي يكون قد نال رئيساً حليفاً على سبيل المثال وارتاح الى وضعه وضاعف عناصر قوته عدة مرات، لأن منطق التسوية الثابتة التي تضمن عدم نشوب حرب، ولو دون مستوى اتفاق سلام، لا تبدو موجودة على جدول أعمال إيران وسورية وحزب الله، والدور الذي كان يمكن لواشنطن أن تراهن على موسكو للقيام به ليس وارداً في ظل الحرب الأوكرانية.
– خلاصة النقاش الأميركي هي التريث وفحص كل حالة بحالة قبل القول إن ما يسري عليها هو مبدأ البحث عن تسوية وتقديم تنازلات، أم الثبات والتشدد والمخاطرة بخوض مواجهة. وهذا ما يترجمه التشدد الأميركي في ملف رئاسة الجمهورية، والاستحواذ من الحلفاء على حصرية القرار فيه، على قاعدة الإبقاء على حال الفراغ إلى حين وضوح الصورة لبلورة قرار حاسم، ومن الخلاصة تجميد السير في فرضية العودة الى الاتفاق النووي مع إيران، ولو تمّ التوصل الى صياغات تقنية منطقية لمفردات الملف، والإبقاء على القوات الأميركية التي تحتل جزءاً من سورية بل تعزيزها، وتفعيل دورها المحلي شمالاً وجنوباً، واستعمال ما توافر من أوراق ضغط وإغراءات لفرملة الاندفاعات التركية والسعودية نحو روسيا والصين وإيران، خصوصاً في سورية، والتصرف على قاعدة أن فرضية اندلاع حرب بين الكيان والمقاومة تملك أسباباً وجيهة، ويجب إخضاع كل مفردات السياسة الإقليمية في المنطقة إلى عملية فحص تتصل بتأثيرها على هذه الفرضية.
– في الكيان متابعة تفصيلية للنقاش الأميركي، وتقدير للمخاطر، وما تنشره وسائل الإعلام في الكيان أكثر من كافٍ للقول إن حال الهلع من اندلاع الحرب تهيمن على قادة الكيان، وما قالته “إسرائيل اليوم” أمس، يقول إن ما ينتظر الكيان في أي مواجهة يفوق الخيال والتصور، ويعني الشلل العسكري والمدني وخسائر غير قابلة للتحمل، وباختصار أن الكيان غير جاهز لهذه المواجهة، لكن بالتوازي فإن الكيان عاجز عن التساكن مع التحديات المتصاعدة على الحدود دون فعل شيء، ولذلك يقترح قادة الكيان التصرّف بالمياومة مع كل حالة بحالة، وكل حدث بحدث، وبالتنسيق مع واشنطن التي تفعل الشيء نفسه.
خطر اندلاع مواجهة عبر الحدود جدّي، والوضع في سورية مع تصعيد الحراك الأميركي عسكرياً ومواصلته نهب ثروات النفط مرشّح لمواجهة موازية، فهل في لبنان، خصوصاً من “السياديين”، من يناقش هذه المخاطر والتحديات وانعكاساتها وكيفية التعامل معها، غير أهل المقاومة وقيادتها؟