أولى

الأهداف الخبيثة وراء البيان السعودي تجاه لبنان؟

‭}‬ د. جمال زهران*
جاء البيان السعودي منذ عدة أيام، الذي يتضمّن التعليمات إلى مواطني السعودية، بتجنّب المناطق محلّ النزاع المسلح، والمبادرة بالإسراع إلى مغادرة لبنان فوراً، ليحدث قلقاً لدى كافة الأطراف السياسية في الداخل اللبناني، فضلاً عن إشاعة القلق على المستوى الإقليمي على الأقل! كما أنّ دولة الكويت أصدرت بياناً آخر، تضمّن مطالبة الكويتيين بالمغادرة الفورية للبنان، وذلك بعد ساعات من صدور البيان السعودي، دون توضيح الأسباب أو الأحداث المتوقعة سواء داخل لبنان أو في الإقليم كله!!
وهنا يتبادر إلى الذهن عن هذه الأسباب الظاهرية والأخرى الخفية؟! والتي دفعت السعودية لإصدار هذا البيان، الذي يقع في المربع السلبي، من مختلف زوايا التحليل السياسي؟!
وابتداءً من تحليل البيئة المجتمعية لصدور هذا «الإعلان/القرار»، يتضح أنّ الجانب الداخلي لدى المملكة، انشغال ولي العهد محمد بن سلمان، بإعداد وتجهيز مؤتمر جدة لإجراء مباحثات ومفاوضات بشأن الأزمة الأوكرانية، برعاية أميركية أصلاً، وتشجيع أوروبي، ومن ثم فإن احتمالات أن يقع في الإقليم حدث كبير، يعكر صفو المنطقة كلها، تكون بدايته في لبنان، ثم يصبح خارج نطاق السيطرة! هو أمر مشكوك فيه أصلاً! فضلاً عن أنّ فجائية القرار، وتوقيته الملازم لانعقاد المؤتمر الدولي للأزمة الأوكرانية في جدة، قد يجعل أحد التفسيرات المحتملة لمثل هذا البيان هو: لفت الأنظار لمؤتمر جدة الذي نظمته المملكة، ويرغب ابن سلمان، أن يكون محطّ أنظار العالم كله، وكذلك المملكة ذاتها، بما يودّ أن يرسله للعالم أنها أصبحت محور تفاعلات الإقليم والعالم!!
أما عن البيئة الداخلية في لبنان، فإنّ مثل هذا الإعلان يأتي في ظلّ الفراغ الرئاسي، وحكومة انتقالية قائمة بالأعمال وتسييرها ولا تملك ناصية القرار السياسي، كما أنّ القوى السياسية متناحرة حتى الآن، ولم تستطع أن تحسم أمر اختيار الرئيس، فضلاً عن متغيّر جديد، وهو انتهاء ولاية حاكم المصرف المركزي اللبناني (رياض سلامة)، وتولى النائب الأول للحاكم د. وسيم منصوري مهام المنصب، وهو الذي ينتمي لفريق سياسي ليس على وفاق مع السعودية في هذه المرحلة!
أما عن البيئة الإقليمية المتعلقة بالموضوع، فإن هناك حدثين هامين، هما: اندلاع أحداث عنف في مخيم «عين الحلوة» في صيدا بالجنوب اللبناني، بين أطراف فلسطينية، حيث تدخلت أطراف عديدة لوقفها، ومنع تصاعدها، لتفادي انعكاساتها على الداخل اللبناني، أو الإقليم كله في إطار التجاذب بين قادة الكيان الصهيوني، وقادة حزب الله. أما الحدث الثاني في الإقليم وهو قيام حكومة الكيان الصهيوني، بإجراء تدريبات عسكرية بتنسيق أميركي، وذلك تحت أهداف، توجيه ضربات كبرى، إما إلى لبنان (حزب الله)، أو إيران، أو سورية، ومن ثم فإنّ احتمال المنطقة كلها قد يكون وارداً حسب الظن السعودي أو «تكتيكاته» لما يحتمل حدوثه حتى ولو كان غير منطقي!!
إلا أنّ مثل هذا البيان، قد يستهدف ما هو أبعد من ذلك، وهو توتير الأجواء وتسميمها في لبنان، بين جميع القادة السياسيين المتنازعين على السلطة، وذلك بهدف جعل الورقة السعودية هي الحل، وإزاحة كافة المقترحات حول الشخص المرشح لتولي مهام الرئيس من كافة الأطراف وهما في الواقع، طرفان رئيسيان (حزب الله وأمل وأنصارهما، والكتلة المارونية وأنصارها المؤقتون). وتلك هي محاولة للقفز السعودي بالدعم الأميركي، على المشهد اللبناني، وتسعى السعودية إلى جذب كل دول الخليج لهذا الخيار، والبداية هي الكويت التي خطت الخطوة السعودية ذاتها، على حين أنه ليس هناك من مواطني الدولتين أعداد كبيرة تذكر!!
وقد رأى البعض، أنه حين التقت السعودية بإيران، في اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية، برعاية صينية، أنها بداية تغيير جذري في السياسة السعودية، بالابتعاد عن أميركا وأوروبا، والاقتراب من روسيا والصين وإيران، إلا أنني تحفظت على ذلك التحليل، بالقول بأنه يهمّني السلوك والأفعال السعودية، وفضلت التريّث، لأنني لا أثق في الوعود التي تبدو خادعة. مثلاً: ما هو السبب في تأخر فتح السفارة السعودية في إيران، رغم مسارعة إيران بذلك؟ وما هو السبب في التردّد السعودي في حسم المسألة أو الحرب اليمنية؟ وما هو السبب في التردد في دعم لبنان والإسهام في حلّ مشاكله؟ وما هو السبب في الوقوف عند استعادة سورية لمقعدها في الجامعة، دون تقديم المساعدات الخليجية اللازمة لحلّ مشاكل الشعب السوري الذي كانت من أسباب معاناته، التدخل السعودي الخليجي لإسقاط نظام الأسد، بدعم الإرهابيين، وهو الذي انكسر بتحالف الشعب والجيش والقيادة في سورية، فاندحر هذا المشروع الإرهابي!
الإجابة تأتي بسرعة، في التدخل الأميركي السافر، وممارسة الضغوط، على السعودية، إلى حدّ التهديدات كما نتوقع، بالكفّ عن السير في إجراءات الانفتاح السعودي على المحور المقاوم، والاكتفاء بما تمّ، وضرورة السير في مشروع التطبيع مع الكيان الصهيوني ـ الذي كثر الحديث عنه هذه الأيام ـ وإلا فإنّ العاقبة والعقاب كبيران للغاية، ربما لا يتحمّله النظام السعودي. ويؤكد استخلاصنا هذا، جملة الزيارات المكثفة من قادة أركان الإدارة الأميركية (مدير المخابرات ـ مستشار الأمن القومي ـ وزير الدفاع ـ وزير الخارجية ـ ومساعديهم)، أكثر من ثلاث مرات لكلّ منهم!! والتي لا يفصح عن أيّ منها، وماذا جرى فيها؟!
لذلك فإنّ خلاصة هذا البيان السعودي، حول الشأن اللبناني، هي من قبيل تأكيد الوجود السعودي في الإقليم، وإعادة إنتاج النظام السعودي إقليمياً ودولياً، والإصرار على ممارسة السعودية لدور إقليمي فاعل، والبداية للتراجع عن التوجه شرقاً، مع استمرار التبعية في الحظيرة الأميركية! حتى ولو كان الثمن والتداعيات ضرب موسم السياحة في لبنان عمداً!
* أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، جامعة قناة السويس – مصر

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى