أولى

على هامش مشهد التجديد لليونفيل

لم ينجح لبنان في تصحيح الخطأ الدبلوماسي الذي ارتكبته وزارة الخارجية ومن خلفها الحكومة ومن أمامهما المندوبة اللبنانية السابقة في مجلس الأمن. فمعركة هذه السنة رغم درجة الكفاءة التي خيضت بها والجهود التي كرّست لها، لم تنجح بإعادة العمل بالنص الأصلي لقرار التجديد المعتمد عام 2021.
لكن حضور لبنان وحجم جهود وزير الخارجية ومندوبة لبنان الدائمة وحرفية التفاوض المديد والمضني الذي شهدته نيويورك، حرم القرار الذي صدر العام الماضي دون إشكال من المرور بسلاسة، فليس عادياً في قضية بحجم دور قوة دولية أن يمتنع عضوان دائمان في مجلس الأمن عن التصويت، بإيحاء أقرب للفيتو لو لم يكن مبدأ التجديد على الطاولة. وهذا الامتناع ينعكس ضعفاً في زخم التطبيق لأن القيادة الميدانية سوف تضع في حسابها أن أي تعثر في الممارسة وأي صدام وأي سقوط قتلى وجرحى، سوف يؤدي إلى انقسام في مجلس الأمن بين من يقول إن السبب هو التعديلات التي لا إجماع عليها، ومن يدعو للتضامن مع اليونفيل واعتبارها في موقع المعتدى عليه، بينما الإجماع على التعديلات يمنح القيادة الميدانية الثقة للتطبيق بروح عالية.
ترتّب على الأداء اللبناني إدخال تعديل لم يعطّل النص الذي يعتبر اليونفيل قوة مستقلة ولا تحتاج اذناً او موافقة من أحد، لكنه قيّد هذا التفويض عملياً بالقول إن أداء اليونفيل يجب أن يكون دائماً بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني. وهذا يعني أنه عندما تقع أزمة أو يقع حادث، بنتيجة تطبيق مفهوم الاستقلال وعدم الحاجة إلى إذن، دون تنسيق مع الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، أن اللوم سوف يوجه فوراً الى القيادة الميدانية باعتبارها خالفت نص التفويض، ولن يكون سهلاً حشد التأييد لها كما لو أن النص بقي على حاله، هذا إضافة إلى أن التحفظ الذي سجله لبنان علناً وتلته مندوبة لبنان الدائمة، ولأن لبنان الدولة المعنية ذات السيادة، فإنه من الطبيعي أن يقوم لبنان في أي حالة التباس او إشكال بالتذكير بهذا التحفظ، وأن يلقى تذكيره تفاعلاً خصوصاً من الدول المشاركة في تشكيل القوات، والتي يهمها في النهاية أمن جنودها، وليس تسجيل المواقف، كما تفعل الدول التي لا قوات لها، ولعل هذا هو الفارق بين فرنسا وأميركا وموقف كل منهما.
لم يعد بيد الذين وقفوا وراء التعديل ما يفعلونه، وقد فشلوا في تمرير صيغة قابلة للحياة والتطبيق، بينما بيد لبنان الكثير مما يفعله وقد جعل التعديل يمرّ بصعوبة وضمن ضوابط ينفي بعضها بعضاً، وعملياً سوف يكون أمام كل مهمة تقوم بها اليونفيل فرضيتان، التنسيق مع الحكومة والجيش، وبالتالي طمأنة الأهالي ومن خلفهم المقاومة، عبر حضور الجيش، أو العكس؛ وفي حال العكس سيكون متاحاً للأهالي الاستقواء بالنصّ لرفض تسهيل أي مهمة لا يشارك فيها الجيش، وعندها على اليونفيل أن تختار بين التصادم وتحمّل التبعات لخرق مبدأ التنسيق، أو التراجع طلباً للتنسيق.
لبنان لم ينجح نجاحاً كاملاً، لكنه لم يخسر خسارة كاملة، ونصف النجاح الذي حققه لبنان قابل للتحوّل إلى نجاح كامل في التطبيق، بينما نصف الخسارة التي أصابت خصومه فقابلة أيضاً فقط للتحول الى خسارة كاملة في التطبيق أيضاً.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى