مرويات قومية

الرفيق جورج إبراهيم عبد الله: المربّي المثالي

ولأن في التاريخ بدايات المستقبل…
تُخصّصُ «البناء« هذه الصفحة، لتحتضنَ محطات مشرقة من تاريخ الحزب السوري القومي الاجتماعي، صنعها قوميون اجتماعيون في مراحل صعبة، وقد سجلت في رصيد حزبهم وتاريخه، وقفات عز راسخات على طريق النصر العظيم.
وحتى يبقى المستقبل في دائرة رؤيتنا، يجب أن لا يسقط من تاريخنا أي تفصيل، ذلك أننا كأمّة، استمرار مادي روحي راح يتدفق منذ ما قبل التاريخ الجلي، وبالتالي فإن إبراز محطات الحزب النضالية، هو في الوقت عينه تأكيد وحدة الوجود القومي منذ انبثاقه وإلى أن تنطفئ الشمس.
أنّ نكتب تاريخنا،..فإننا نرسم مستقبل أمتنا.

إعداد: لبيب ناصيف

الرفيق جورج إبراهيم عبد الله: المربّي المثالي

زائر بلدة فيع في الكورة لا بدّ أن يلفته تمثال نصفي في ساحة القرية للمربّي جورج إبراهيم عبدالله. الأجيال الجديدة في فيع والكورة، وزائرو بلدة فيع لا يعرفون أنّ صاحب التمثال، لم يكن فقط مربياً معروفاً شهد له تلامذته كما الأهالي بالكثير من المزايا إنما كان أيضاً قومياً اجتماعياً ومنفذاً عاماً للحزب في الكورة.
في كلمة ألقيت في نادي الشباب في فيع بمناسبة عيد المعلم، في 16/3/1991 تحدث أحد تلامذة المربي الرفيق جورج عبدالله، الأستاذ رفعت سابا، قال:
«أول ما يتبادر إلى الذهن حين نتحدث عن العلم والتعليم في الكورة صورة وجه من فيع، وجه جرجي إبراهيم عبدالله، الإنسان الذي امتاز بعمله الرسولي.
«عرفه بعضكم وحدّثوا البعض الآخر عنه: جبلاً شامخاً ولقد كان فعلاً».
انتماؤه
لم يشر الأمين جبران جريج في الجزء الأول من كتابه «من الجعبة» إلى تاريخ وظروف انتماء الرفيق جورج إبراهيم عبدالله، إنما يكتفي بالقول إنّ «بانتساب جورج إبراهيم عبد الله من قرية فيع على يد عبدالله حريكه كسبت النهضة القومية الاجتماعية الإشراف على مدرسة أخرى من مدارس الكورة إنما بحجم أكبر، فقد كانت مدرسة عابا هذه مدرسة علمانية كما سماها مؤسّسها يعقوب سمعان، المغترب المكسيكي، تضمّ عدة قرى حولها، البعيدة عنها أو القريبة منها».
وفي مكان آخر من كتابه يتحدث الأمين جريج عن اللقاء الذي جمع على مائدة مختار بلدة عابا الرفيق معروف فرح، كلاً من وكيل عميد الإذاعة مأمون أياس، كاتب محكمة أميون زكريا لبابيدي مدير مدرسة عابا العلمانية الرفيق جورج إبراهيم عبدالله والأمين جبران جريج الذي كان يتولى مسؤولية مدير مديرية الكورة، وذلك قبل أن يعلن الرفيق زكريا إيمانه بالقضية القومية الاجتماعية واستعداده لأداء القسم.
توليه لمسؤولية منفذ عام الكورة
في الجزء الثالث من كتابه «من الجعبة» يفيد الأمين جبران جريج، أنّ الكورة عادت منفذية وعين الرفيق جورج إبراهيم عبدالله منفذاً عاماً لها.
قبل ذلك كان الأمين جريج أشار إلى أنّ الكورة كانت قسمت إلى أربع مديريات، ومنها مديرية القويطع الذي تولى مسؤوليتها الرفيق الدكتور توفيق فرح، استمرّ الرفيق عبدالله في مسؤوليته كمنفذ عام، وفي الوقت نفسه مديراً لمدرسة عابا، وهو، بصفته الحزبية، شارك في استقبال سعاده عندما قام بزيارة طرابلس والكورة في تموز العام 1937، تلك الزيارة التي صنفها سعاده من أيام الحزب التاريخية.
كان سعاده قد بدأ زيارته، بمنطقة القويطع، حيث تناول الغداء في كفرحاتا ثم تابع الموكب سيره إلى «بتعبورة» قبل أن يعود إلى الخط الساحلي متوجّهاً إلى طرابلس ومنها إلى الكورة حيث كانت محطته الأولى بلدة «بترومين».
بعد جولة سعاده في عدد من قرى وبلدات الكورة منها بتوروتيج، فيع، عفصديق، القلحات، بصرما، وبشمزين، وصل سعاده ومرافقوه إلى بلدة أميون وفيها ألقى منفذ عام الكورة الرفيق جورج إبراهيم عبدالله خطابه الترحيبي، وقد جاء فيه: «انهم يريدون تصنيف حزبنا بالنسبة للأحزاب، أهو اشتراكي، أهو نازي، أهو ديمقراطي، أهو ديكتاتوري، إن الجواب بسيط إنّ حزبنا هو الحزب السوري القومي، وكفى».
استقالته من المسؤولية
بعد مغادرة سعاده الوطن في تموز 1938 وتعرّض الحزب للمضايقات، لم تكن السلطة المحلية في الكورة الممثلة بالقائمقام، بعيدة عن ممارسات الدولة، فراحت تضغط على المنفذ العام الرفيق جورج عبدالله عبر تهديده بإقفال المدرسة العلمانية في عابا إذا ما استمرّ بممارسة عمله الحزبي.
في الجزء الرابع من كتابه «من الجعبة» يقول الأمين جبران جريج: «بعد الانتهاء من عدد من الأعمال المركزية والزيارات التفقدية القريبة منها أو البعيدة، أعدنا النظر في وضع القويطع والكورة، خصوصاً الكورة التي كان منفذها العام جورج إبراهيم عبدالله يتعرض للضغوطات والتهديدات بشأن مدرسته وإمكان إقفالها، وزاد الطين بلة موقف أحد النظار في المدرسة الذي قدّم انسحابه إلى القائمقام. فتجاه هذا الوضع تمّ القرار بحلّ منفذيتي الكورة والقويطع وجعلهما منفذية واحدة وتعيين الرفيق ميشال خوري منفذاً عاماً لها وفي هذا الصدد يورد الأستاذ رفعت سابا في كلمته أن «الحزب طلب منه أن يخفف نشاطه وحزبيته وأعفاه من مهامه الحزبية لئلا يستغلها الخصوم لإقفال مدرسته».
وفاتـه
في 20 تشرين الثاني من عام 1950 وفيما كان مدير مدرسة عابا الرفيق جورج عبدالله متوجهاً مع عدد كبير من تلامذته في «البوسطة» من فيع إلى عابا، وعند مرورها في بطرام فقدت السيارة الكبيرة المزدحمة بالطلاب مكابحها مما أدى إلى مقتل الرفيق عبدالله وثلاثة من التلامذة: ميشال قبرصي، يعقوب حنا سعد من بلدة دده، وخليل أنور القطريب من بترومين، وأصيب عدد من الأساتذة والطلاب بجروح وكسور مختلفة.
«سائق البوسطة – عبدالله الشلط، هرب تاركاً وراءه كلّ هؤلاء الضحايا، ولم تتمّ ملاحقته. اختفى السائق المذكور عن الأنظار، ليظهر بعد ذلك في منزل نائب الكورة، ميشال مفرج، ثم عمل سائقاً لسيارته ومرافقاً له طيلة أيام حياته التي لم تستمرّ طويلاً، بسبب المرض».
هذا ما يرويه الرفيق فايز كرم، من فيع، الذي كان طالباً في الصف الثاني ابتدائي في المدرسة التي كان أسسها الرفيق جورج عبدالله حديثاً في فيع وأوكل إداراتها لزميله الأستاذ أيوب خوري.
في اليوم التالي شيّعت الكورة فقيدها المربي الرفيق جورج عبدالله في مأتم قلّما شهدته قراها، إذ ولأول مرة في تاريخ الكورة، كما يفيد الأستاذ سابا في محاضرته، «حمل الناس نعش جورج على الأكف من مستشفى الدكتور حليم أبو شاهين في أميون إلى بيته في فيع. كان أبناء كل قرية يسلمون النعش لأبناء القرية التالية».
ويضيف الرفيق فايز: «تحوّلت فيع إلى بحر بشري وامتلأت بيادرها بالمشيعين. في الحادية عشرة ظهراً حمل شباب الكورة نعش جورج على الأكف وأخذوا «يزيحونه» في القرية وساحاتها. وقف على البيادر أربعون شاباً مع بواريدهم في صفين، وتوالوا على إطلاق النار. بعدها حملوا الجثمان إلى مار سمعان ووضعوه تحت السنديانات، وتعاقب الخطباء حتى الثالثة بعد الظهر ساعة الجناز، وعند الرابعة دفن تحت الأكاليل التي لا تعدّ ولا تحصى.
«في هذا اليوم أقفلت المدارس الرسمية حداداً في كل الشمال بموافقة ضمنية من رئيس دائرة التربية في حينه جورج الصراف الذي كان يحب جورج ويدعمه ضدّ حساده».
الوفـاء
لم ينس أهالي فيع وتلامذة الرفيق جورج عبدالله، المربي المثالي. ففي منتصف الخمسينات تمكنوا من تجهيز المدرسة الوقفية القديمة قرب دير مار سمعان فأصبحت مركزاً لنادي الشباب في فيع الذي كانوا بدأوا منذ العام 1952 بجمع المال من أجل تأسيس نواته.
«أول ما عملناه أن علقنا صورتي جورج إبراهيم عبدالله وفؤاد سليمان في صدر النادي. نظمنا دورات رياضية ومسابقات حملت فيما حملت اسم جورج. وفي عام 1958 قررنا أن نؤسس مدرسة صيفية أطلقنا عليها اسم مدرسة جورج عبدالله، تبرعنا بالتعليم وخصصنا الريع لتوسيع النادي وشراء الكتب والكراسي له، بعدها قررنا أن نردم الساحة حول التمثال.
يضيف الأستاذ سابا، «سنة 1961 استحصلنا على رخصة رسمية بإنشاء النادي، وبالطبع كان لجورج إبراهيم عبدالله وفؤاد سليمان حضورهما في حفلة التدشين الرسمية التي أقيمت برعاية قائمقام الكورة الأستاذ مرتضى شرارة. وتوسع نشاطنا وأحيينا جمعية الثبات الخيرية وأردنا أن نكمل مشوار مؤسسيها أمثال جورج عبدالله وجوزف خوري وباشرنا بإنشاء مركز الجمعية. بعدها أصدرنا روزنامة ونشرة عن نشاط الجمعية وكان لجورج نصيب فيها وجعلنا يوم وفاته من أيام فيع التي تذكر على روزنامات أعوامها. وقررنا في الجمعية وضع التراب الزراعي حول التمثال وزرع الأزهار».
وينهي الأستاذ رفعت سابا محاضرته فيقول:
«جورج ما كان يحتاج لنا ليخلد.
جورج ما عمل ليدخل سفر الخالدين، فما فكر بمادة ولا فكر بزعامة ولا فكر بجاه. أهمّ ما حققناه في محاولاتنا المتواضعة أننا أبقيناه حيّاً في قلوبنا.
نخلّد جورج وأمثاله يوم نعمل لفيع والوطن للخير والتقدم للحب والتكافل.
جورج الخالد ليس تمثالاً في ساحة فيع.
جورج الخالد هو المثال الذي يعيش في قلوبنا ونورثه لأجيالنا الطالعة مثال إنسان أحب وأعطى حتى حياته».
سيرة ومعلومات
*بعد أن كبرت أصبحت أفهم لماذا كنا نحبه، الصغار والكبار. كان عنده من عفوية التصرف وبساطة الحياة وحبه للآخرين، وحبه لعمله وانصرافه الرسولي لممارسته ما يجذب الناس إليه ويدفعهم دفعاً لحبه والتعلق به».
(رفعت سابا، من كلمته في نادي الشباب في فيع، في 16/3/1991).
*من المعلومات التي أوردها عنه تلميذه رفعت سابا في كلمته المشار إليها أعلاه:
ـ طفولة جرجي تزامنت مع الحرب العالمية الأولى وأهوالها، انتهت الحرب بموت والده وبعده بعام لحق به شقيقه الأكبر موسى.
كان همّ الأمّ الأساسي تعليم الأولاد فسافرت إلى كوبا حيث توفيت.
ـ باشر جورج التعليم لدى المعلمين الخاصين داود من الميناء وسمعان حيدر من فيع قبل أن ينتقل إلى مدرسة دير البلمند ومنها إلى مدرسة الصفا الشهيرة التي أقفلت عام 1925 بعد وفاة مديرها المعلم نعمان نصر (شاعر، مات شاباً، نالت قصيدته عن الأمومة الجائزة الأولى في مسابقة مجلة «المرأة الجديدة»، أسس مدرسة الصفا عام 1921 حيث تتلمذ عليه نخبة من أبناء جيلهم: جورج إبراهيم عبدالله، فؤاد سليمان، موسى سليمان، عبدالله قبرصي، جبران جريج، أقفلت المدرسة بوفاته. ولد الشاعر نعمان نصر في أيلول 1902 وتوفي في 17/1/1924».
ـ انتقل مع رفاقه في المدرسة فؤاد سليمان، عبدالله قبرصي وجبران جريج إلى المدرسة الأرثوذكسية في طرابلس (1925-1926) وفي السنة الثانية انتقل إلى الفرير حيث ظل يتعلم حتى تخرج عام 1929. بعد تخرجه علّم تلامذة خصوصيين، بعدها سافر إلى أفريقيا لمدة سبعة أشهر، ثم عاد ليستلم مدرسة عابا، تركها وعمل لمدة سنتين في بشمزين ومنها عاد إلى عابا.
ـ عن مدرسة عابا، يقول: تعرّفت في مدرسة عابا إلى رفاق من مختلف القرى والأديان، الطالب إلى جانب الطالبة، الفقير إلى جانب الأشدّ فقراً، اللاحزبي إلى جانب الحزبي، السوري القومي الاجتماعي إلى جانب الشيوعي، طلاب اللغة الإنكليزية في مقابل طلاب اللغة الفرنسية. أناس من مختلف المستويات الثقافية والاجتماعية والمدارس والأعمار. كلّ هؤلاء اجتمعوا في صفوف كثيرة العدد في مدرسة وطنية علمانية على مثال الكورة وشاكلتها. جوها جو علم وتحصيل لمن أراد.
ووسط جو من الحب والثقة متبادلين بين جورج ومعلميه، عمل هؤلاء على تعليم هذا الخليط العجيب وإنجاحه، وكل سلاحهم علم وإيمان، إذ لا شيء من التجهيزات والمختبرات والباصات والأبنية المدرسية اللائقة,
كانوا ينحتون نحتاً: علم، علم، علم.
العطل حدّ أدنى، وباقتراب الامتحانات الفصلية المدرسية أو الرسمية الحكومية كانت إلزامية التعليم
الإضافي: حدّ أدنى من ساعات الفراغ وتعليم يوم السبت بعد الظهر وقبل ظهر يوم الأحد.
ـ بعد ظهر كلّ سبت هناك ندوة ثقافية يلقي فيها التلاميذ إلزامياً كلّ في دوره مقطوعة من إنشائه، ومن تعذر عليه ذلك ألقى شعراً أو نثراً لغيره، وكان القصد تنمية شخصية الطالب وتشجيعه على الإلقاء أمام الآخرين.
ـ كانت الإدارة تنظم رحلات وتضمن أفلاماً سينمائية في طرابلس ليحضرها الطلاب وأهاليهم، ريع هذه الأفلام كان يدفع أقساطاً عن الطلاب المحتاجين.
ـ قسط المدرسة كان شبه رمزي، والكثيرون سددوا أقساطهم بعض أعمال في أرض جورج، وخاصة في أرض الطيارة التي أحبها كثيراً واعتنى بها كثيراً.
ـ في نهاية السنة المدرسية الرسمية مثل الطلاب تمثيلية «نخب العدو» للأديب سعيد تقي الدين. وأقيمت حفلة التخرج بحضور وزير التربية الوطنية والفنون الجميلة الأمير رئيف أبي اللمع، تقديراً لكون الفائز الأول في الجمهورية اللبنانية في شهادة الدروس الابتدائية العالية (البريفية) كان من مدرسة عابا، (هو ظافر الحسن، الذي أصبح سفير لبنان في السعودية، وأحيل إلى التقاعد مديراً عاماً لوزارة الخارجية).
ـ اقترن في صيف العام 1950 من تلميذته ثريا عبدالله من كوسبا. كان العرس شعبياً للغاية واستمرت الاحتفالات أكثر من أسبوع.
ـ عند وفاة الرفيق جورج إبراهيم عبدالله كانت عقيلته ثريا حامل بطفله الذي كان مقدراً له أن يحمل اسم جده، فحمل اسم أبيه.
*في سنة 1971 كرمته منفذية الكورة مع رفيقه الأديب فؤاد سليمان، بمهرجان خطابي على بيادر فيع تكلم فيه الأمين الراحل جبران جريج والأمين عبدالله قبرصي والشاعر القومي الأمين غسان مطر والأديب القومي الرفيق سيمون الديري ومنفذ عام الكورة الرفيق كمال نادر ومدير فيع الرفيق كارلوس نكت.
*يقول الأمين عبدالله قبرصي الذي كانت تشدّه أواصر الصداقة إلى عائلة الرفيق عبدالله، والذي وقف عراباً لإبنه جورج الذي ولد بعد وفاة والده «إنّ الرفيق جورج عبدالله كان قد وفق إلى إدارة مدرسة في عابا، ومن هذه المدرسة كان ينشر بواسطة الأساتذة والتلاميذ أنوار الحزب على امتداد الشمال».
*كتب الرفيق فايز كرم، الصحافي والكاتب، معلومات ثمينة عن حادثة مقتل الرفيق جورج عبدالله وعن مدرسة عابا، نقتطف منها ما يلي مع تسجيل شكرنا للرفيق كرم وتقديرنا له رفيقاً وصديقاً.
«ما إن انتشر نبأ الحادث حتى غادر كلّ من في المدرسة، طلاب وأساتذة، إلى بلدة بطرام… لعلهم يفيدون بشيء. وانتهى ذلك النهار الطويل… مات جورج إبراهيم عبدالله ونقلت جثته إلى المستشفى في أميون… وعاد كلّ إلى منزله، وتوقفت مدرستا فيع وعابا فترة من الزمن، ثم أعيد فتحهما بإدارتين مستقلتين، وبعد مرور السنة الثانية على مدرسة فيع، أقفلت نهائياً، ليلتحق غالبية أساتذتها وطلابها بالمدرسة الأمّ في عابا، وشغل الأستاذ أيوب خوري منصب نائب المدير.
لكن الصرح الإعلامي الكبير، الذي غاب عنه مؤسسه، قد أعدّت له يد الغدر، دونما سبب ظاهر، معاول الهدم، لأنه كان الداعي للعلم والمعرفة والحرية والتحرر من رتبة الإقطاع والاستبداد وقد تربي فيه جيل من الرجال، لا يزالون فاعلين في الحياة الثقافية والتعليمية حتى يومنا هذا.
حسب الجهال أنه باستطاعتهم، بالقضاء على المؤسس ومن ثم المؤسسة، أن يقضوا على العلم والمعرفة والصراع الفكري… وبقي حادث تدهور البوسطة، ومصرع المعلم عبدالله، غامضاً، فاستفاد منه النائب ميشال مفرج.
أما حادث إقفال المدرسة في ما بعد، فاستفاد منه النائب فؤاد غصن بكسبه بعض الأصوات الناخبة.
نادي شباب فيع
«على أكفّ الرجال، حمل جثمان جورج إبراهيم عبدالله من أميون إلى فيع، في واقعة لم يحصل لها مثيل من قبل، وأقيم للراحل مآتم في ذكرى الثالث والأسبوع والأربعين والسنة.. والسنوات… تحدث فيها أدباء وشعراء. لكن هذا التراث قد ضاع لأسباب عديدة، ولم يبقَ سوى النصب التذكاري الذي وضع في ساحة فيع وقد اهتمّ نادي شباب فيع بالأمر وردم المستنقع حول التمثال، لتتمّم بلدية فيع العمل في ما بعد. وقد أدرج النادي بنداً في نظامه يشير فيه إلى تخليد العظام من رجال فيع… منهم جورج إبراهيم عبدالله والأديب فؤاد سليمان الذي وافته المنية بعد وفاة رفيقه جورج بفترة قصيرة، وقد مارس فؤاد سليمان دوراً هاماً في مدرسة عابا، هذا ما صرّح به شقيقه موسى سليمان، وكان الزعيم قد اجتمع بهم جميعاً في منزل فؤاد وموسى في فيع مع آخرين من رفقاء المنطقة الأوائل في صفوف الحركة السورية القومية الاجتماعية. وقد رثاهم الشاعر الزجال حنا الزاني في مناسبات التكريم التي أقيمت للمرحوم جورج.
وفي ذكرى أسبوع الرفيق جورج إبراهيم عبدالله قال الزاني قصيدة مطلعها:
من سبعة أيام غافي
والعلم يخطف تجافي
دمعة البكيوك فيها
بعدها بعين الثقافي
أما الطالب ميشال قبرصي الذي استشهد مع معلمه في حادث البوسطة كان قد كتب على جدار منزله في بلدة دده بيتاً من الشعر حفظه في مدرسة عابا:
الخط يبقى زمناً بعد صاحبه
وصاحب الخط تحت التراب مدفون
وقد مانعت والدته «حبوبة» طرش الجدار، ليبقى ما كتب سنين طويلة، بعد رحيل ولدها.
علاقة متينة مع حميد فرنجية
«يروي طلاب مدرسة عابا الأوائل الذين عاصروا تلك الحقبة، نقلاً عن لسان ناظر المدرسة فهد الشلط. بأن السيد حميد فرنجية، طلب من جورج إبراهيم عبدالله، أن يترشح للمقعد الانتخابي في الكورة، وذلك قبل ثلاثة أيام من وقوع الحادث المشؤوم… مما عزز القول بأنّ حادث البوسطة مدبّر. وقد ترشح ميشال مفرج وسقط. وفي 1953 أعلن الحزب السوري القومي الاجتماعي ترشيح الدكتور عبدالله سعاده.
بعد مدرسة عابا، شيّدت مدارس تجارية كثيرة وحتى يومنا هذا لا يوجد شبيه لتلك المؤسسة لا نهجاً ولا غاية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى