أولى

خطاب «المرجعية» للسيد حسن نصر الله…

‭}‬ د. جمال زهران*
تسعون دقيقة بين الثالثة والرابعة والنصف.. هي مدة خطاب السيد حسن نصر الله، الأول بعد طوفان الأقصى بـ 28 يوماً.. وذلك يوم الجمعة 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وهو اليوم التالي لذكرى وعد بلفور المشؤوم في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 1917، وكنت أنتظر أن تكتمل الصورة رقمياً لتصبح ذات معنى عالٍ، وهو أن تكون مدة الخطاب (75) دقيقة فقط، تعادل (75) سنة، فترة النكبة الأولى (1948 – 2023)، ولكن المعنى في وسط كلمات الخطاب بلا شك.
فالخطاب اتسم بالتكامل والتوازن… بين المقدمات والتطور والخواتيم. كما أنّ الخطاب بدأ، بعد تحية الشهداء، بالشرح لما حدث وإيضاح الحقائق، وتطور ما حدث خلال (28) يوماً بين بداية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وحتى لحظة الخطاب، وذلك عبر خمسة محاور رئيسية. كما يتبيّن أنّ الخطاب يتسم بالمنهجية وتنطبق عليه شروط العلم الصارمة، وأنّ كافة المحللين – بلا مبالغة – سيتعاملون مع هذا الخطاب، دون بقية الخطابات السابقة – مع تقديري لها كلها – باعتباره المرجعية في التحليل السياسي لما حدث ويحدث والحادث مستقبلاً. وقد ردّ السيد حسن، على كلّ التساؤلات، وأوضح ما حدث بالتفصيل. ويمكن إيجاز ما تعرّض له في عدة نقاط هي:
1 ـ استقلالية القرار الفلسطيني المقاوم: حيث أكد أنّ المقاومة بقيادة حماس، هي صاحبة القرار وحدها، دون معرفة أيّ ساحة مقاومة أخرى، بما فيها المقاومة اللبنانية وحزب الله، وأنّ سرية الإعداد والمفاجأة، هما سبب نجاح طوفان الأقصى، حتى أنّ العدو الصهيوني وقياداته كانوا نائمين من السهر والسكر، يوم عيدهم السبت، فأخذتهم على غرّة، مما أدّى إلى النجاح الساحق، ثم عرفنا ودعمنا فوراً بكلّ ما نملك حسب قوله. ومما أكده في هذا السياق، أنّ قرار المقاومة في أيّ ساحة، مستقلّ، وبعيداً عن إيران، التي تدعم المقاومة علناً وضدّ الكيان الصهيوني بدون تدخل في التفاصيل وخطط التنفيذ، وبرامج العمل.
2 ـ مَن هو العدو الرئيسي… والعدو الفرعي: حيث أجاب بوضوح، أنّ أميركا، وهي التي وصفها الإمام الخميني، بأنها «الشيطان الأكبر»، هي العدو الرئيسي والأول بالنسبة للمنطقة العربية بل والإقليم كله، أما الكيان الصهيوني المزعوم بـ «إسرائيل»، هو الأداة التنفيذية للاستعمار الأميركي، لتنفيذ مآربه في المنطقة، وهي التي وراء خراب وتدمير المنطقة في العراق وفي لبنان وفي سورية وفي اليمن، وفي الصومال من قبل. ولذلك فالمواجهة أصبحت مع أميركا، وهزيمة أميركا هي الطريق إلى هزيمة الكيان الصهيوني وإزالته، وأنّ هزيمتها حتمية. وذكَّر السيد حسن، العدو الأكبر (أميركا)، بهزيمته في لبنان وقتل المارينز وحرق السفارة الأميركية في بداية الثمانينيات، وأنّ ذلك يمكن أن يتكرّر. فضلاً عن قوله بالتحدي، بأنّ أساطيل أميركا في البحر المتوسط لا تخيفنا، وإذا استخدمت في ضرب لبنان، فنحن أعددنا العدة لذلك، وسيرون ما لم يتوقعوه، وذلك في تحدٍ واضح. قائلاً إنّ أميركا تنتقل من هزيمة إلى أخرى. كما أنّ أميركا وأوروبا الآن هم من يساعدون ويدعمون الكيان الصهيوني بشكل رسمي وصريح، وواضح، الأمر الذي يجدّد فكرة أنّ الصراع أصبح هو: الصراع العربي الاستعماري الأميركي والأوروبي، وليس الصراع العربي الصهيوني فحسب.
3 ـ مشاركة حزب الله في المعركة مع الفلسطينيين المقاومين: حيث قال إنّ البعض يسأل.. هل سيعلن السيد حسن، الاشتراك في المعركة ضدّ الكيان الصهيوني، في خطابه اليوم؟! وردّ فوراً، أننا في المعركة في اليوم التالي لبدء «طوفان الأقصى»، وهو الثامن من تشرين الأول، وجبهة الجنوب اللبناني فتحت، ولم تتوقف. وأنّ استراتيجية الحزب هي التخفيف من التركيز الصهيوني على غزة. وكان من نتائج ذلك ارتقاء شهداء كثيرين لدينا، وسقوط قتلى بلا حصر على الجبهة الصهيونية. كما أنّ المواجهة بين مزارع شبعا وحتى آخر حدود لبنان مع فلسطين المحتلة (بطول 105 كلم)، أصبحت يومية وبلا توقف. وقد أنتج فتح الجبهة اللبنانية تخصيص ثلث الجيش الصهيوني على هذه الجبهة، وكان يمكن للكيان أن يوجهها في عدوانه وحربه على غزة. فضلاً عن أنّ الإمكانيات العسكرية وسلاح الجو الصهيوني، خصصا للجبهة اللبنانية. وهنا قال: إنّ الهجوم الصهيوني أدّى إلى سقوط مدنيين، وذلك فإننا نعلنها المدنيين مقابل المدنيين، في رسالة صريحة، بأنّ العمق الصهيوني أصبح مهدّداً. فليس جديداً إذن، القول بأنّ الحزب، والجبهة اللبنانية ستدخل المعركة مع خطاب السيد حسن، بل أكد على أنّ لبنان في المعركة من اليوم التالي لبدء معركة «طوفان الأقصى».
4 ـ الشروط والإنذارات: حيث أكد على وضع شروط لمسارات المعركة، وهي أنّ غزة لا بدّ أن تنتصر، وأنّ المقاومة لا بدّ أن تنتصر، وحماس بالذات التي بدأت المعركة لا بدّ لها من الانتصار. وبالتالي لا بدّ من وقف الهجوم فوراً على غزة. فانتصار غزة هو مصلحة وطنية لمصر، والأردن، وسورية، وكلّ الشعب العربي في كلّ الأقطار العربية.
كما هدّد الكيان الصهيونيّ، بأنه في حال هجومه على لبنان، فإنه سيرى ما لم يره في تاريخه، نتيجة حماقته. كما أنّ فتح الساحات قد بدأ بالمقاومة العراقية ضدّ القواعد العسكرية الأميركية في العراق وسورية، وفي تصاعد مستمر، وتطور نوعي. كما أنّ الساحة اليمنية قد بدأت بإطلاق الصواريخ ضدّ الكيان الصهيوني في إيلات، وعلى بعد (2000) ألفي كيلو.
وختم بالقول إنّ «جميع الخيارات مفتوحة»، في حال استمرار الوضع الحالي ودون توقف، وغداً سنرى.
وختاماً: تحية للسيد حسن نصر الله، على هذا الخطاب، المرجعية للحاضر والمستقبل.
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية،
جامعة قناة السويس ـ جمهورية مصر العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى