مقالات وآراء

كفى لديباجة الأجندات الإيرانية هي وحدة الهدف والبوصلة…

‭‬ صادق القضماني

النظام الملكي في إيران حتى عام 1979، كان نظاماً متحالفاً مع «إسرائيل»، وكانا في علاقات وطيدة على المستوى العسكري والدبلوماسي والتجاري، لذلك كان يحظى الشاه بدعم كبير من الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة، حتى بات يُلقّب بـ»شرطي الخليج».
في تلك الحقبة افتتحت السفارة الإسرائيلية في طهران، لكن لم يدم الأمر طويلاً، حتى 19 شباط 1979، فبعد أسبوع واحد من انتصار الثورة الإسلامية في إيران، أُغلقت هذه السفارة رسمياً، وحلت السفارة الفلسطينية محلها، وتمّ تسليم مبنى السفارة الإسرائيلية بكل محتوياتها، من تجهيزات ووثائق، إلى الفلسطينيين.
يوم التسليم حضر رئيس منظمة التحرير الفلسطينية (الشهيد ياسر عرفات) كأول ضيف أجنبي يحلّ على طهران، والتقى بمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الإمام الخميني، وأصبح الرجل الذي كان مكروهاً في عهد نظام الشاه، ضيفاً عزيزاً على النظام الإسلامي.
وبناء على ذلك، فإنّ الموقف العقائدي للقيادة الإسلامية في إيران منذ انتصار ثورتها، يقف مع القضية الفلسطينية بكلّ وضوح وجرأة، وعليه فهذا الموقف تمّ توجيهه للبحث عن القواسم المشتركة مع العرب بشكل عام، كجيران أبديين، ومع العرب المسلمين كإخوة/ في الديانة والمصير، ولا أجندات لدى الاستراتيجية الإيرانية فلسطينياً إلا القيام بواجب تحرير فلسطين، ودعم أيّ جهة أو فصيل تحت المصلحة الوطنية العقائدية بغضّ النظر عن إنتمائه أو دينه.
لذلك فإنّ العقل الإستراتيجي الإيراني لم يُبنَ بذهنية السيطرة على الآخرين، بل الالتقاء مع شركاء البوصلة، فهل يجوز أخلاقياً أن يتبنّى البعض من أبناء جلدتنا قادة أو مواطنين بروباغندا (إيران تريد السيطرة على الشرق الأوسط)، فهذه الديباجة سوّقها الغرب و»إسرائيل» من خلال حرب كيّ الوعي ليحرفوا الشعب العربي عن عدوهم الأساسي (الغرب الإستعماري) الذين هو ذاته خطط للسيطرة التامة وبناء الدولة اليهودية الكبرى كمشروع إستعماري، يكون بوابة لاستعمار الشرق الأدنى في ما بعد.
انطلاقاً من ذلك، نشاهد اليوم بعد عملية طوفان الأقصى، حرباً إعلامية ممنهجة بهدفين:
أولاً: اعتبار تنفيذ عملية طوفان الأقصى كأجندة إيرانية، لتنفيس التضامن العربي الشعبي ولإعطاء/ شرعية للدول التابعة لاتخاذ موقف الحياد والداعم للكيان تحت غطاء العدو الأخطر إيران.
ثانياً: كيّ الوعي الجمعي العربي من جديد، بعد عظمة إنجاز صباح السابع من تشرين الأول، كفعل مقاوم عربي فلسطيني خالص، لتثبيت ذهنية أنّ العرب ليسوا على هذه القدرة عالية الدقة والتنفيذ.
هذه البروباغندا (طوفان الأقصى أجندة إيرانية) من حيث الذهن العقائدي الإيراني لا تحرجها، فهي تعلن موقفها ضدّ الكيان منذ انتصار ثورتها، وتستطيع استثمارها إيجاباً بما يخدمها أمام شعبها داخل إيران، أو شعوب الدول الحليفة لها، لكنها على عكس هذا، لا تنتظر فرصة إلا وتؤكد فيها، أنّ المحور ورغم المشتركات العميقة بين محاوره، إلا أنّ لكلّ جبهة استقلالية في القرار والتنفيذ، ويؤكد كلّ مسؤول سياسي أو عسكري معني بالقضية، بأنّ عملية طوفان الأقصى عملية فلسطينية تامة، وخطط لها الفلسطينيون ونفذوها بالكامل بأنفسهم، بل يوجه العقل الإيراني العملية لأصل الأسباب كنتاج معاناة فلسطينية ومواجهة فلسطينية كاملة ضد الاحتلال وممارساته.
(طوفان الأقصى عملية فلسطينية بحتة وفلسطين قادرة على هذه العملية وقامت بها وحدها) هذا ما تؤكد عليه القيادة الإيرانية.
مع هذا، فإنّ بعض المثقفين والإعلاميين والسياسيين والمسؤولين يهربون من دورهم وواجبهم الحقيقي، ويسلطون الضوء فقط على معاناة أهالي غزة والدمار الذي حلّ بأبنيتها ويحمّلون المقاومة المسؤولية، تحت تهمة تنفيذ الأجندة الخارجية. وهنا انطبق عليهم القول «يكذبون ويكذبون حتى يصدقون كذبتهم»! وهذا إنْ دلّ على شيء إنما يدلّ على ذهنية قبلت موقع السيطرة الشخصية على حساب قدسية القضية. وللتأكيد فإنّ تلك الشخصيات لا تمثل الشعب الفلسطيني، ولا فصائل منظمة التحرير وعلى رأسهم فتح، بل يمثلون نفسهم ويريدون تمرير البروباغندا تحت غطاء مسؤولين أو اعتباريين أو مثقفين أو إعلاميين أو سياسيين.
وبذات الصدد، فإنّ هذه البروباغندا انتشرت منذ إعلان الجمهورية الإسلامية في إيران، والمقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله) دعم الدولة السورية وشعبها في معركتها ضدّ دول الاستعمار والنهب الدولية، على مبدأ سيادة ووحدة الأراضي العربية السورية الخالية من الاستعمار ووكلائه من فصائل وتنظيمات إرهابية تعيث فساداً وخراباً بالأرض والإنسان السوري.
بطبيعة الحال، فإنّ هذه البروباغندا ما زالت ممنهجة وينشروها على أنّ إيران تسيطر على القرار السوري، وما تدخلها ودعمها إلا بهدف سيطرة استعمارية من نوع آخر.
هنا لا مناص من تذكير القارئ والمتابع، بحقيقة جوهرية تنفي هذه الديباجة التضليلية، لرؤية واضحة مبنية على أصل الذهنية التي أسسها الرئيس الراحل حافظ الأسد وسماحة الإمام الخميني، بتثبيت أسس التحالف الثنائي، كتحالف مبني على المصالح الوطنية المشتركة، وليس كمصالح تجارية أو اقتصادية فقط، والتي حدّدت العنوان العريض بالاتفاق على البوصلة (القضية الفلسطينية) والعدو المشترك والأخصام المشتركين الممثلين بـ (الإمبريالية الاستعمارية والصهيونية العالمية والرجعية العربية) وهذا تمّ تثبيته عبر عقود من العلاقة بين الدولتين بوجه مخططات الأعداء،
من نافل القول وتأكيد على هدف البروباغندا، فإنّ هذه الإشاعة (الخطر الفارسي) وخلق عدو وهمي كانت بهدف إعطاء شرعية للدول العربية التي موّلت ودعمت تدمير سورية أمام الشعوب العربية والإسلامية.
انطلاقاً من الحقيقة، وللتأكيد على أنّ قيادة الدولة العربية السورية، رغم أنها لا تعير اهتماماً لهذه البروباغندا، إلا أنّ الواجب التذكير، بأنّ الرئيس بشار حافظ الأسد، تحدى واشنطن عام 2003 ورفض مطالبها بلا أيّ تردّد، كقائد لا يساوم على عقيدته الوطنية، وذهنية شعبه، وبوصلة دولته (القضية الفلسطينية) ولم يقبل إلا أن يكون قراره كامل السيادة والاستقلالية وينسجم مع جذور عقيدته وذهنيته حتى ولو كانت الولايات المتحدة التي تتحكم حينه في العالم، وتستطيع شنّ الحروب بلا رقيب وحسيب هي من تهدّد بطريقة مَطَالب. لذلك وإنْ لم تستطع واشنطن فرض أجندتها على قرار القيادة الوطنية في سورية، هل ستقبل الأخيرة فرض قرار عليها من أية دولة أخرى، حتى لو كانت صديقة أو حليفة؟! هل سيادة الرئيس بشار الأسد وبعد أكثر من عقد على المؤامرة الكونية ضدّ سورية وذهنية القيادة التي يرأسها القبول بأقلّ مما حافظ عليه ودافع عنه؟!
لكن الإشاعة هنا طالت دولة صديقة، والسند الحقيقي لعودة السيادة الكاملة للقيادة السورية على كلّ شبر من أراضيها. وعلى هذه الحقيقة تسقط الإشاعة أمام الحقيقة، وأنّ سورية وحلفاءها أثبتوا للعالم أنّ التحالفات والمصالح بين الأصدقاء الإخوة تُبنى من روح الأخلاق الوطنية، التي تفتقدها دول الإستعمار والإستبكار.
خلاصة القول، بين بروباغندا الأجندة الخارجية لعملية طوفان الأقصى، والسيطرة على قرار الدولة السورية، معركة فرزت بوضوح الإصطفافات بين بياض محور الخير وسواد محور الشر، لتتشكل بينهما مواقف رمادية، وهي بلا شك في صالح سواد الذهنية الإستعمارية والإحتلال الصهيوني.
الرمادية بحدّ ذاتها هي موقف خادم للأجندة الخارجية ويجب أن تنسف من المواقف السياسية الوطنية، فكيف وكذبة الدول المتحضرة كُشفت، وواحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط سقطت وجميع اتفاقيات السلام وضعت في سياقها الصحيح كجزء من مخطط القرن لتصفية القضية الفلسطينية وروح المقاومة في بلادنا.
ما نشهده بعد عملية طوفان الأقصى، رغم الضريبة الكبيرة التي يدفعها شعبنا الفلسطيني، تأكيد على أنّ محور المقاومة لم يرفع شعاراته للتسويق، بل كان يعد العدة للمواجهة في جميع محاوره، مع الحرية الكاملة لكلّ جبهة باتخاذ قرار تنفيذ أية عملية بشكل مستقلّ، وهذا يؤكد أنّ المحور بوصلته وطنية تحريرية، وليست لأهداف أخرى، ومن جهة أخرى تداعيات ما بعد العملية أوضحت لشعبنا العربي والعالمي الهدف من تدمير سورية وتهديد حزب الله وشيطنة إيران، والآتي سيؤكد أنّ الفصائل الفلسطينية قادرة أيضاً على تثبيت القاسم المشترك في ما بينها، وتنطلق في تأسيس وحدة وطنية حقيقية لا تلغي إنجازات نضال قرن مضى، وتعطي مصداقية لإنجاز طوفان الأقصى ليتمّ البناء عليه لطريق تحرير فلسطين.
إيران دولة شقيقة وصديقة وحليفة وركيزة محور المقاومة وهي من صلب المنطقة ولن يستطيعوا شيطنتها، وكذلك كوبا وفنزويلا وروسيا والصين وغيرها من الدول التي نتغنى بصداقتها ومواقفها، فهل يجوز أن نقبل من جديد كيّ وعينا خدمة لأجندات استعمارية؟
العقل عقلُ اللسان، والفعل فعل الحقيقة، والقول قول الحق، فدول محور المقاومة وأحزابه وفصائله بوصلتهم واحدة مع استقلالية تامة في قرار كلّ جبهة. وكلّ بروباغندا مقتلها منها وفيها…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى