مقالات وآراء

التردّد الروسي والصيني في الحرب على غزة…

‬ د. جمال زهران*

منذ أن اندلعت الثورات العربية، وأهمّها تحديداً تونس ومصر، في نهاية 2010، وبداية 2011، وما تلاهما من أحداث إقليمية ودولية، والنظام الدولي في حالة مخاض شديد على مدار (12) عاماً، حيث قامت روسيا بالتدخل العسكريّ في أوكرانيا في 24 فبراير 2022، ولم تستقرّ قوى النظام الدولي على «شخصية» النظام الجديد، وهيكل قوته للدفع بالعالم نحو ترتيب الأوضاع، وفقاً لما حدث من قبل في وقائع تاريخية، يطول فيها الحديث، وسبق أن تحدّثنا وكتبنا عنها.
فالمشهد ينحصر في إصرار أميركي على عدم مزاحمة أو منافسة أي قوى دولية لها في النظام الدولي، ويصرّ على الانفراد بهذا النظام مهما كانت كلفة ذلك، حتى لو وصل الأمر إلى أجندة الحروب! وتركز في سبيل ذلك، على المواجهة مع روسيا والصين على وجه التحديد. إلا أنّ الواقع يشهد أنّ روسيا والصين أظهرتا أنهما قادرتان على مزاحمة أميركا ومنافستها، وقد تبيّن ذلك في واقعة «أوكرانيا» الثانية. حيث تمخضت الواقعة الأولى في عام 2014، عن السيطرة الروسية على شيه جزيرة «القرم»، وكان ذلك كفيلاً لإثبات المنافسة الروسية مع أميركا. إلا أنّ أميركا رفضت الاعتراف بذلك، وأصرّت على ضمّ أوكرانيا، وبدء إجراءات ذلك إلى حلف الناتو لتعبيد الطريق نحو موسكو، التي تصبح أسيرة الهيمنة الأميركية، وتتأكد هذه السيطرة. فما كان من روسيا إلا أن تدخلت عسكرياً في أوكرانيا، وضمّت ما يقرب من 40 % من مساحتها للأراضي الروسية! ولا تزال رُحى المعركة دائرة بين روسيا المدعومة من الصين، ومعهما نصف العالم، وبين أميركا وأوروبا. وكالعادة كان مجلس الأمن غير قادر على إصدار قرار تجاه فكّ هذه الأزمة، بسبب التوظيف السياسي لحق الفيتو!
واستمر هذا الوضع لمدة عام ونصف العام وأكثر، إلى أن كان المسرح يُعدّ لمعركة المشروع الصهيوني الأميركي الاستعماري، بإزالة «غزة» من الوجود، والاتجاه نحو تنفيذ «صفقة القرن» بتوجيه أميركي وتنسيق مع الكيان الصهيونيّ وأطراف إقليميّة أخرى. إلا أنّ قوى المقاومة الفلسطينية أدركت ذلك، فكان «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر، ضربة قاسمة لهذا المخطط الاستعماري الصهيوني الأميركي، حيث كشفت أوراقه، وفي اليوم التالي كانت الحرب الصهيوأميركية المباشرة على «غزة»، والتهديد للقوى المقاومة ومحورها، وخصوصاً حزب الله وإيران، بتحريك البوارج الأميركيّة للمتوسط، لحماية الكيان الصهيوني، وردع أيّ قوة أو طرف إقليمي أو دولي من التعدي أو المشاركة في دعم غزة ضدّ هذه الحرب العلنية التي لم تُخفِ أهدافها، في إزالة غزة من الوجود، تحت هدف القضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية نهائياً! وأوْشكت الحرب أنّ تدخل يومها المئة!! دون رادع للكيان الصهيوني ولأميركا، بالتوقف عن «الإبادة الجماعية» للسكان المدنيين، وبيوتهم ومؤسسات الخدمة (صحة – تعليم – عبادة – الخ).
هنا فإنّ السؤال المنطقي: أين القوى الدولية الطامحة في مزاحمة ومنافسة أميركا والغرب الاستعماري على قيادة النظام الدولي، مما يحدث في الإقليم العربي؟!
إنّ الإجابة على هذا التساؤل يفتح الباب واسعاً أمام تساؤلات فرعيّة بلا حصر. إلا أنّ اللافت للنظر أنّ هناك دوراً لكل من روسيا والصين (كل على انفراد، أو بالتنسيق معاً)، سواء اتخذ شكلاً علنياً (كما يحدث في مجلس الأمن بعدم تمكين الولايات المتحدة (دول أوروبا على استصدار قرار يدين المقاومة الفلسطينية خصوصاً حماس)، مع تقديم مبادرات بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني في غزة، أو اتخذ هذا الدور شكلاً أو أشكالاً غير علنية بتقديم المساعدات العسكرية بطريقة أو بأخرى لدول المحور من خلال التمركز في سورية.
وعلى مستوى الخطاب السياسي، فإنّ هناك تصريحات جيدة وداعمة للطرف الفلسطيني من بوتين ومن الرئيس الصيني، لكنها تبقى تصريحات نظرية، لا تتحرك إلى واقع عملي فعلي. فماذا تعني التصريحات.. أمام دعم عسكري ومالي مباشر من أميركا للكيان الصهيوني، وإصرار على إنقاذه من الانهيار، على خلفية وظيفته الاستعمارية في الحيلولة دون وحدة العرب وتقدمهم! فقد ثبت أنّ عدد الطائرات الأميركية التي وصلت محملة عن آخرها بالسلاح الحديث (230) طائرة من الثامن من أكتوبر، وحتى اليوم الثمانين، وأيضاً (20) باخرة أميركية محملة بالأسلحة أيضاً لتعويض الكيان عن خسائره الضخمة التي اقتربت من الألف مركبة ودبابة! فضلاً عن الخسائر البشرية الكبيرة التي تجاوزت الـ (10) آلاف بين قتيل وجريح!
هنا وجب التساؤل: أين روسيا والصين، من خطاب سياسي أقوى، وإدانة الكيان الصهيوني بحسم، والمسارعة بتقديم مساعدات عسكرية عاجلة للفلسطينيين، ولدول محور المقاومة؟ لقد وصلنا إلى مساحة أنّ توقف ممارسة دور القوى العظمى المنافسة، عند مجرد البيانات، هو موقف متردّد، ولن يرقى إلى المنافسة على قيادة النظام الدولي. لذلك فإنّ مناشدة روسيا والصين ودعوتهما إلى الانخراط في هذه الحرب لدعم الطرف الفلسطيني ومحور المقاومة، هو مطلب عادل لإقرار العدالة والتوازن في الإقليم العربي والشرق أوسطي، وإلا فإنّ المزاحمة والمنافسة مع أميركا وأوروبا تصبح فكرة نظرية لا أكثر. كما تعني القبول الروسي/ الصيني، باستمرار هذه الحرب، وتعني القبول بالهيمنة الأميركية/ الأوروبية على إقليمنا العربي، واستمرار الكيان الصهيونيّ في أداء وظيفته الاستعمارية في المنطقة.
الأمر جدّي وخطير، ويستدعي التدخل الروسي/ الصيني، وإطلاق الإنذارات الحاسمة، وتوجيه التهديد المباشر لأميركا والكيان الصهيوني، مع الدعم العسكري الواضح، مثلما حدث في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. وفي التاريخ العبرة كما نعرف..

*كاتب سياسي مصري، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بور سعيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى