أولى

اليمن يستعيد بعض حقه

يتصرّف كثير من المحللين على قاعدة اعتبار اليمن مفاجأة في المشهد الجديد للمنطقة، ليس من زاوية مقارنة الحيوية اليمنية بالبلادة الرسمية العربية، والشجاعة اليمنية مقابل التخاذل العربي، والنخوة اليمنية بموازاة الخزي العربي، بل من زاوية أن دولة هامشيّة تصدّرت المشهد فيما غابت عنه دول مركزية محورية.
لا يميّز هؤلاء بين وصف اليمن بالدولة الهامشية أو الدولة المعتدَى عليها بالتهميش، لأنه وفقاً لمعيارين لا يقبلان التأويل، هما التاريخ والجغرافيا يمثل اليمن العمق الاستراتيجي للجنوب العربي الذي تمثله دول شبه الجزيرة العربية، ففيه وحده 66% من مجموع سكان مجلس التعاون الخليجي (33 مليون مقابل 50 مليون)، وهو الموطن الأصليّ للغة العربية التي حملت تراث وثقافة العرب وحضارتهم، ومنه تحدرت القبائل العربية التي تشكلت من هجراتها غالبية دول المنطقة، وفيه نشأت عبر التاريخ ممالك العرب الأولى منذ أيام بلقيس ومملكة سبأ، وحضارتهم العمرانيّة منذ سد مأرب، وممرات تجارتهم أيام طريق الحرير القديم.
اليمن الذي تميّز بالروح القتالية لشعبه عبر التاريخ، مع عنفوان سياديّ عالٍ، نجح بالبقاء منيعاً بوجه كل الغزوات الاستعمارية، فلم يُخضعه العثمانيون ولا البريطانيون، وقد نجح مع قيادته الجديدة التي يمثلها السيد عبد الملك الحوثي وحركة أنصار الله من جمع الشجاعة اليمنية بالحكمة التي طالما قيل إنها يمانية، وبنى قوة جمعت بين الأصالة في الروح والثقافة، والحداثة في التقنيات والمهارات والتنظيم.
يدخل اليمن إلى القرن الحادي والعشرين كقوة عربية إسلامية صاعدة لأنه تحدّى القوة الأعظم في العام وأساطيلها وذهب في التحدّي إلى النهاية، دفاعاً عن غزة وفلسطين، وهو ما لم يفعله لأجل نفسه يوم كانت أميركا عراب الحرب التي شنت عليه والحصار الذي فرض عليه، مقدّماً مثالاً حياً للعربي الجديد، فحاز الإعجاب وحقق الإبهار، لكنه ينال بذلك بعض الإنصاف عن ظلم تاريخيّ، ويستعيد دوراً مستحقاً، ويصحح خللاً مستداماً.

التعليق السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى