نقاط على الحروف

استعداد روسيّ للمرحلة المقبلة

ناصر قنديل

– روسيا عشية انتخابات رئاسية يعتقد المعنيون بها أنها محطة فاصلة نحو مرحلة جديدة اكتملت عناصرها، ذلك أن الرئيس فلاديمير بوتين الخارج بتفويض شعبي كبير من هذه الانتخابات، رغم تنديد الغرب بالديمقراطية الروسية وفرض عقوبات جديدة على الرئيس بوتين، سوف يبدأ بتطبيق سلسلة خطوات داخلية وخارجية تترجم مفهوم روسيا العظيمة وروسيا العظمى، بينما أميركا العظيمة تتلاشى وأميركا العظمى تفقد أوراق قوتها.
– دولة صناعية متقدمة في التكنولوجيا الحديثة تتقدم سائر الدول الأوروبية بحجم اقتصاداتها، تستثمر فائض الغاز والنفط في التنمية الداخلية بدلاً من بيعه في الأسواق، بالإضافة الى تعزيز الاكتفاء الغذائي وزيادة فرص العمل، والاستثمار على تطوير القوة العسكرية أفقياً وعمودياً، هي عناوين روسيا العظيمة؛ أما روسيا العظمى فهي روسيا التي تنهي حرب أوكرانيا بنصر سياسيّ واضح، وتعيد تشكيل البيت الأوروبي على مفهوم جديد للأمن القومي على قاعدة الاستقلال عن التبعيّة للأميركي.
– بخلاف ما توحي به المواقف الروسية الحالية من الحرب على غزة، وهي مواقف مبدئية داعمة للشعب الفلسطيني ومقاومته ومندّدة بالجرائم الصهيونية والدعم الأميركي والغربي لها، تتجه موسكو مع بوتين الجديد، الى رسم صورة دورها في العالم الجديد ما بعد حربي أوكرانيا وغزة، على قاعدة أن حرب أوكرانيا تُعيد رسم خرائط وتوجّهات أوروبا، وحرب غزة تعيد رسم خرائط وتوجّهات الشرق الأوسط، وانطلاقاً من فهم موسكو لأهمية القضية الفلسطينية في تاريخ المنطقة، وخطورة استمرار المبادرات الدولية في حالة العجز عن التقدّم خطوة جدية نحو الحل السياسي، تعتقد موسكو أن إعادة ترتيب البيت الفلسطيني وتصليب وحدته نقطة البداية المطلوبة للبدء بمسار جديد في المنطقة.
– عرضت موسكو على الفصائل الفلسطينية دعماً روسياً قوياً لبناء دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وتعتبر أن هذا الهدف واقعي وقابل للتحقيق، إذا لم يقم العرب والفلسطينيون بإضاعة الفرصة، كما حدث عام 1973 عندما دعم الاتحاد السوفياتي الحرب العربية التي سرعان ما تبدّدت إنجازاتها بسبب انفراط عقد الموقف الموحّد مع ذهاب الرئيس المصري أنور السادات نحو كامب ديفيد. وهو ما يخشى الروس أن يحدث في حال بقاء الانقسام الفلسطيني ومن خلفه انقسام عربي، يستطيع الأميركيون التلاعب به وتشجيع البعض على أدوار على حساب البعض الآخر، وطبعاً على حساب الحقوق الفلسطينية. والمبادرة التي بدأت بها موسكو مع الفصائل الفلسطينية هي خطوة أولى سوف تتبعها خطوات روسية نحو الدول العربية بالاتجاه ذاته، لإطلاق مسار سياسي عنوانه بناء الدولة الفلسطينية، وهذا يستدعي تجميد أي وعود عربية وفلسطينية للأميركي تجاه أدوار في الملف الفلسطيني وفي مسارات التطبيع، باعتبار العنوان الذي يحكم المرحلة هو قيام الدولة الفلسطينية وليس أي شيء آخر.
– في الإقليم تعتبر موسكو أن تراجع نفوذ واشنطن على الحكومات وتراجع صورتها بين الشعوب، فرصة لبناء شبكة إقليمية تضم الدول الكبرى التي تمثلها السعودية ومصر وتركيا وإيران، ولا تخفي موسكو إنها متفقة مع بكين على الاستثمار على النهوض بهذه الرباعية الإقليمية، ومثلما كان الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية أحد مداميك النهوض بهذه الرباعية، فإن المصالحة التركية السورية برعاية روسية هي المدماك الثاني الذي لا بدّ منه. وتعتقد موسكو أن مصالحة تركيا ومصر وتركيا والسعودية من جهة، ومصالحة سورية مع النظام العربي من جهة موازية، تمهيد كان ضرورياً لمصالحة سورية تركية لا ينظر اليها العرب بريبة. وتجعل هذه المصالحة تمهيداً لنهوض الرباعية الإقليمية، وتعتقد موسكو أن مفاوضات الانسحاب الأميركي من العراق تشجّع الأتراك على إدراك الحاجة للمبادرة نحو إنهاء الأزمة مع سورية، قبل أن تتفاجأ بانسحاب أميركي من سورية ترافقه نهاية الملف الكردي وتضطر تركيا للتعامل مع أمر واقع.
– المناخ الذي أطلقه طوفان الأقصى غيّر معادلات كثيرة، كانت تجري تحت عين موسكو التي راقبت بتمعّن ورسمت رؤيتها وهي تستعد للانطلاق، والفراغ الناجم عن التراجع الأميركي، لن يملأه إلا نظام إقليمي استقلالي تقع فلسطين في قلبه ويقف خلفه ثنائي دولي بحجم روسيا والصين، وإلا فتحت أبواب المنطقة على الفوضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى