أولى

مفاعيل قرار مجلس الأمن رقم 2728

‭}‬ سعادة مصطفى ارشيد*
كان صدور قرار مجلس الأمن رقم 2728 منذ أيام مناسباً لأصحاب التوجهات الأميركية والذين ادّعوا أن القرار يمثل مرحلة جديدة وبداية النهاية للحرب على غزة والتي لم يعد من السهل عليهم تغطية مواقفهم التي أعلنت شعوبهم رفضها لها، كما نشاهد في حركة الجمهور في أكثر من عاصمة ومدينة.
اعتبر هؤلاء أن امتناع الولايات المتحدة عن استعمال حق النقض (الفيتو) هو انتصار لدبلوماسيتهم وجهودهم وأن ذلك يمثل تحوّلاً في موقف الولايات المتحدة من الدعم المطلق لدولة الاحتلال الى الدعم المحدود والمشروط، وأن هذا القرار سيؤدي الى تعمق الخلافات بين واشنطن وتل ابيب، الأمر الذي من شأنه أن يطال حجم الدعم العسكري المتواصل الذي تقدّمه واشنطن بلا حساب لتل أبيب في الكم والنوع.
لا تتطلّب قراءة القرار واستيعاب مضامينه جهداً ذهنياً عالياً فقد اختيرت مفرداته بعناية بعد تدخل السفيرة الأميركية جرين فيلد لدى الأمم المتحدة والتي أصرت على تعديلاتها وعلى أن تتم الموافقة على القرار وفق البند السادس من ميثاق الأمم المتحدة للبند السابع وذلك كي لا تلجأ لاستخدام حق النقض.
ثلاث مسائل تضمنها القرار، الأولى: وقف إطلاق نار مستدام (LASTING) لا دائم (PERMANENT)كما أرادت السفيرة، وذلك خلال شهر رمضان الذي يكاد أن يدخل في ثلثه الأخير، والثانية: إطلاق فوري لسراح المختطفين (HOSTAGES) لا (PRISONARES) أو (CAPTIVES) خاصة، أيضاً بناء على التدخل المشار اليه والتي تعني ان المطلوب إطلاق سراحهم هم أسرى الاحتلال فقط الذين أسرتهم المقاومة ولا يشمل النص الأسرى والسجناء الفلسطينيين لدى دولة الاحتلال، والثالثة: إدخال المساعدات الغذائية والطبية لأهل القطاع الذين يعانون من جرائم الإبادة والتجويع كما من نقص في العناية الطبية وذلك في وقت تفتك بهم الجراح الملتهبة والأوبئة السارية.
قبل صدور القرار أكدت السفيرة الأميركية جرين فيلد أن القرار غير ملزم، الأمر الذي عاد وأكده المستشار في البيت الابيض جون كيربي اذ قال انه يعبر عن الرغبة لا صفة إلزامية كما لو كان بناؤه قد جاء بناء على البند السابع للميثاق الأممي والذي يتيح لمجلس الأمن تشكيل قوة دولية لفرض تنفيذ هذا القرار بالقوة، وكما كان يريد الأمين العام الامم للمتحدة انطونيو غوتيرتش الذي عرض مسألة الحرب بالسابق بناء على البند 99 باعتبارها مسألة خطيرة تهدد السلم العالمي، أما الإدارة الأميركية فهي لا زالت تؤكد على الاستمرار بدعم الجانب المعادي سياسياً وعسكرياً وقانونياً وترى ضرورات هزيمة المقاومة.
ماذا أرادت واشنطن من امتناعها عن اللجوء لاستعمال حق النقض؟ وهل يعبر ذلك عن تحول في موقفها من دولة الاحتلال عموماً أو من دورها في الحرب خصوصاً.
يهدف هذا الموقف إلى تحقيق مجموعة من النقاط أولها في الداخل الأميركي اذ ان في ذلك رسالة ترضية للناخب الأميركي من أصول مشرقية او من المعارضين للدعم الذي تقدّمه واشنطن لتل أبيب وبما يدعم فرص المرشح الديمقراطي في السعي للوصول للبيت الابيض أو للبقاء فيه طالما ان جو بايدن هو المرشح الديمقراطي. ووفق استطلاع أجرته مؤسسة غالوب ذات المصداقية أن الرأي العام في الولايات المتحدة قد أخذ بالتراجع عن دعم (الحرب) او كما تسميها حكومة الاحتلال العملية العسكرية.
في الشأن الإسرائيلي أراد القرار إضعاف موقف نتنياهو وتحالفه الحكومي لصالح من تراهم الإدارة الديمقراطية اكثر انسجاماً معها، ولكنه لا يطال الدعم المستمر والمتواصل للدولة او للجيش، وهو أيضاً اعتراض على ما يخطط له نتنياهو من معركة في رفح لا تراها الإدارة الأميركية ضرورية وإنما تعرض على حكومة الاحتلال بدائل لها تحقق الغرض ذاته.
وفي شأن الحرب فقد بدا للأميركي أن ذلك يمنح فرصة للتخفف من الضغط الدولي والإنساني الذي بدأته جنوب أفريقيا والبرازيل وفنزويلا والتحقت به دول كثيرة ترى في ما يجري جرائم إبادة لا يجب التعاطي معها بسياسة فحسب وإنما بالقضاء.
في الشأن الإقليمي يرى الأميركي إطلاق النار المستدام لن يصمد الى ما بعد رمضان في حال حصل، ولكنه سيشمل وقف التدخل اليمني ذا العيار الثقيل في البحر الأحمر كما يشمل وقف إطلاق النار على جبهة الشمال التي تشاغل بها المقاومة اللبنانية دولة الاحتلال وتتحمّل من الأعباء ما تعجز عنه الدول. وفي هذا ما يتيح عودة مئات آلاف (الإسرائيليين) إلى بيوتهم في الجليل الفلسطيني المحتل.
لا يبدو أن القرار في طريقه للتنفيذ. فالمقاومة أقوى من أن تقبل به ومن جانب آخر فإن حكومة نتنياهو ذاهبة الى معركة رفح مهما كانت الضغوط عليها، وحسب مصادر صحيفة وول ستريت جورنال ان إدارة بايدن تبحث خلف الأبواب المغلقة بوضع خطة لتنفيذ عملية رفح الأمر الذي فسّرت به الصحيفة دعوة وزير الدفاع غالانت لواشنطن، فيما تستعدّ الحدود المصرية في حال كهذه لتمرير أعداد كبيرة ممن يستطيع دفعها من الدولارات لاجتياز الحدود بما يحقق ربحاً صافياً لمن يقف على تلك الحدود.
تدرك المقاومة أن هذا القرار مليء بالفخاخ والحفر والثقوب. وقد أصبحت تملك من المهارة والدراية ما يقيها شر الوقوع بها. فهذا القرار لا يوقف الحرب ولا يطلق سراح الأسرى ولا يفتح المعابر ولا ينهي الحصار ولا يُعيد إعمار ما دمرته آلة الحرب في غزة وإنما يعيد إنتاج الاحتلال من جديد.
*سياسي فلسطيني مقيم في الكفير – جنين – فلسطين المحتلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى