أولى

انحدار التأثير الغربي في الهيمنة على الشعوب

‬ نقولا التويني*

خطر لي في أسبوع الآلام لدى المسيحيين الذين يتّبعون التقويم الغربي وفي شهر رمضان المبارك وأيام صيام الأرثوذكس، أنّ علينا أولاً أن نستثني من المنعوت الغربي إيرلندا وإسبانيا وبلجيكا لموقفها الواضح والشريف من مأساة قطاع غزة وشعب فلسطين. وقد انضمّت إيرلندا الى جنوب أفريقيا لدى المحكمة الدولية في الادّعاءات على الكيان الإسرائيلي في جرم الإبادة.
إنّ ما يجري في غزة، ولبنان استتباعاً، مِن قتلٍ وتدمير واستباحة مطلقة لجميع المواثيق الدولية من حقوق الإنسان إلى سلوكيات الحروب يفوق الوصف، ولا مجال لتعداد الجرائم اليومية المرتكبة على أيدي الصهاينة بالأسلحة الفتاكة، حيث قارب عدد الشهداء الـ 35 ألف شهيد أغلبيتهم الساحقة نساءٌ وأطفال وشيوخ عُزّل، إضافة إلى الجرحى والمعوّقين والمرضى.
لقد تحوّلت آلة الحرب الصهيونية من مزاعم الجيش الى حقيقة السفاح المتعطش للدماء والمدجّج بأفضل تقنيات السلاح الغربيّ المتطوّر والمدمّر.
أما في واقع الأمر والتحليل العلميّ العسكريّ، فهنالك حقيقة غير قابلة للنقض وهي انّ جيش القتَلة «الإسرائيلي» مهزوم في غزة والضفة ولبنان، وذلك بعد ما يقارب ستة شهور من حرب متواصلة عمَدَ فيها العدو إلى الإبادة الجماعية للمواطنين الآمنين والى تخريب المساكن والبنية التحتية والدفع المستميت بأهالي غزة إلى هجرة جديدة نحو مصر والأردن…
السؤال المركزيّ: أين الغرب المفاخر بحقوق الإنسان من كلّ هذا؟ فهذا الكيان هو أصلاً صنيعة أوروبية المنشأ في تهجير اليهود، وأميركية في الديمومة بعد تسلّم أميركا زمام المبادرة نحو المَشرق من فرنسا وبريطانيا خصوصاً، بعد الاعتداء الفاشل على مصر سنة 1956.
إنّ ما نظّر له لوثِر عن استبعاد اليهود قد تمّ تطبيقه بين ألمانيا في التهجير وبريطانيا في الوعد والتأسيس وأميركا لاحقاً في التسليح والدعم الاستثنائي اللامحدود.
كيف نفسّر جنوح الغرب الفاضح إلى الصهاينة وهم يرتكبون المجازر اليومية في أرض فلسطين ولبنان؟
أعتقد انّ اللاساميّة الغربية انقلبت من كونها ضدّ اليهود إلى جعلها ضدّ المسلمين. وتُعتبَر «إسرائيل» مسرحاً للتمظهر exorcisme من أجل نبذ الخطيئة، للتعبير عن العنف الكبير الكامن في المجتمعات الرأسماليّة المتوحّشة، حيث تمّ سحق الطبقات الوسطى والاستغناء عن أغلبية المُثُل المسيحيّة لمصلحة عقيدة تبادليّة مباشرة ترعى مصالح المجموعات الاقتصادية الكبيرة، فتعاقب وتكافِئ مَن يدور في فلك الإنتاجية والربحية.
وأخيراً… انتقاماً من شرق لم يندمج مع شروط رأسمالية عالمية ذات عملة واحدة وتصنيف واحد ومانح مصرفي واحد وجيش واحد وديمقراطية واحدة. إنّ الخروج الشرقي عن هذه الخطوط الأحادية، أيّ أحادية إدارة العالم، يعتبره الغرب خطيئة مميتة لا تُغتفر. وعلى «إسرائيل» وفقاً لهذه السياسة أن تلقّن الذين أبوا الاصطفاف «درساً» في الإكراه على التبعية للغرب من أجل إعادة الذين جنحوا خارج الخط المرسوم الى بيت الطاعة والتسليم بالهيمنة.
لكنّ التاريخ يفيدنا أن الشعوب الحُرة تصون بأيديها سيادتها لتصنع بنفسها القضاء والقدر.

*وزير سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى