عيسى درويش يناصر الأدب الواقعيّ وقضايا العمّال والفلاّحين وارتباط الإنسان بأرضه في أزمنة الاستعمار
اللاذقية ـ رنا رفعت
تتنوّع تجربة الأديب الدكتور عيسى درويش وتشكل تجربة حياتية وأدبية مهمة، نظراً إلى ما شهدت من مراحل متلاحقة أثرت لديه البعد الإنساني والفكري الذي انعكس على العمق الإبداعي لديه وتجلى في سفر من الإنتاج الأدبي والفكري والعلمي طال حقول الشعر والرواية والقصة القصيرة والاقتصاد والسياسة فأضحى درويش بذلك قطباً ثقافياً في المشهد السوري والعربي والدولي.
حول بداياته يوضح أنه نشأ في منزل يحوي مكتبة ضخمة فيها الكثير من الكتب الأدبية والدينية، فأغرم منذ حداثته بالقراءة وشجعه أساتذته في ثانوية جول جمال على ذلك لتتفتح موهبته الشعرية في المرحلة الإعدادية، خاصة أنه كان من المتفوقين في مجال اللغة والآداب وحاز في الثانوية العامة خلال سنوات الوحدة مع مصر أعلى علامة في اللغة العربية في الجمهورية العربية المتحدة بلغت 59 على 60 فأضحى لاحقاً شاعر المدرسة. موهبة حافظ عليها، رغم أن دراسته الجامعية كانت في السياسة والاقتصاد.
يقول: «بعد ذلك خضت عميقاً في مجال الأدب لتتمخض تجربتي عن مجموعة واسعة من الإصدارات في مجالات عديدة، إلى حد باتت صعبة متابعة كل ما ينشر لي وعلمت في آخر زيارة لي الى طهران أن إحدى قصصي ترجمت الى الفارسية ونشرت منذ عقود تحت عنوان «العشق الحرام» كما ان بعض قصائدي الشعرية تدرس في الكويت ومصر، واكتشفت في الجزائر أن الموسوعة التي تتحدث عن الشعر السوري في الثورة الجزائرية ضد المستعمر الفرنسي تضم ست قصائد لي كتبتها ولم يكن تجاوز عمري آنذاك 15 عاماً. جمعها الدكتور عثمان سعدي سفير الجزائر في سورية في سبعينات القرن الفائت. تضم مؤلفاتي عدة مجموعات شعرية، بينها ديوان «قصائد في الحب والوطن» الصادر عام 1998 وديوان «على ضفاف النيل»، عام 1999، وديوان «شاعر في المقهى»، عام 2000، بالإضافة إلى «قصائد في دفتر شاعر» عام 2001، وجميع هذه الدواوين منشورة في لبنان والقاهرة. ولدي في حقل القصة القصيرة مجموعة عنوانها «أقاصيص ريفية» وأخرى عنوانها «رماد الأيام»، كما أصدرت رواية «أحلام منكسرة» عام 2009 و»حكاية على جدار الزمن» عام 2007 و «الجن يخرج من القرية» في منشورات وزارة الثقافة عام 2010، بالإضافة إلى كتاب «الصناعة والنفط في سورية» ومؤلفات أخرى قيد الطباعة».
عن أبرز القضايا التي عالجها وطرحها في كتاباته يوضح درويش أنه من أنصار الأدب الواقعي في الرواية فهو يعالج مشاكل الطبقات الأكثر انتشاراً في الوطن، أي طبقات العمال والفلاحين وذوي الدخل المحدود وعلاقتهم بالقوى الاجتماعية والسياسية الموجودة في الزمان والمكان الذي تدور حوله الرواية، ففي روايته «على جدار الزمن» عالج مشكلة ارتباط الإنسان بالأرض، خاصة في العهدين الاستعماريين التركيّ والفرنسي.
في رواية «الجن يخرج من القرية» تصدى الأديب درويش لمشكلة الشعوذة التي يمارسها بعض رجال الدين على بسطاء الناس في القرى والمدن لاستغلالهم وإبقائهم في حالة من الجهل والتخلف بدلاً من دعوتهم الى العلم والتفكير المنطقي السليم. ويلفت إلى أنه تطرق في بعض القصص القصيرة الى المشاكل الإنسانية التي تعانيها الطبقات الفقيرة والمسحوقة، وعالج الظواهر المرضية في المجتمع من جهل وتخلف وحرمان بالإضافة الى قضية المساواة بين الرجل والمرأة حيث النظرة المتخلفة للمرأة خاصة في المناطق التي حرمت فيها المرأة من التعليم والعمل. ويعبر في شعره عن انفعالات الإنسان في محيطه إيمانا منه بأن للشعر رسالة نبيلة تتمثل في النهوض بالفرد والمجتمع الى مستوى أفضل من الحس الجمالي والتذوق الفني والإيمان بالإنسان، فالشعر والموسيقى والرسم والنحت وغيرها من الفنون ليس في نظره سوى تجليات للروح والعقل وبالتالي جعل الحياة أجمل. ولإنتاجه الأدبي بالغ الأثر في نظرته إلى مهمة الأديب والمثقف من خلال التصدي للواقع الاجتماعي اذ انه صاحب رسالة لتطوير المجتمع ونقله الى حالة أفضل، فمهمة الأدب تثقيف المجتمع ونشر رسائل المحبة والتقدم والعلم في أوساطه، فالمثقف الحقيقي يلتزم بقضايا شعبه وأمته بعيداً عن اعتبار الثقافة ترفاً. ولا يؤمن درويش بنظرية الفن للفن، أو الأدب للأدب إنما يجب أن يكون كل شيء في خدمة المجتمع والوطن والأمة، مضيفاً: «انطلاقا من هذا المفهوم اقف ضد الانتهازية الثقافية التي يمارسها بعض المثقفين ممن يبيعون أفكارهم لقاء المال ويتخلون عن القيم النبيلة المتصلة بالوطن والأمة فالمثقف هو من يكون منغرساً مثل الصخر في أرضه فلا يذهب الى القصور والفنادق الفخمة ويمارس التنظير لمصلحة أعداء الشعب والوطن».
يؤمن درويش بالتغيير والثورة بعيداً عن التعصب الاعمى والجهل الذي يقود الى الموت والقتل والخراب لإرواء غريزة القتل الحيوانية الموجودة لدى بعض أشباه الناس ممن يدعون الثورة، معتبراً أن المثقف لا يستغل الدين لزجّ البسطاء في معارك فاشلة لا يفيد منها إلا العدو، فالدين رسالة السماء الى الأرض لأجل الحب والتسامح والرحمة واعلاء شأن الانسان.
عن تأثير محافظة اللاذقية وأثرها في كتاباته يوضح أن اللاذقية بما تحويه من جمال طبيعة في البحر والجبل والنهر والسهل والشجر والإنسان، بالاضافة الى الماضي العريق لهذه المحافظة وازدحامها بالكثير من مشاهير الأدباء والفنانين والمفكرين والشعراء والموسيقيين، ضاعف الإحساس بالجمال لديه. يقول: «إن للبيئة التي نشأت فيها في قرية المشيرفة وجارتها ستمرخو قرب اللاذقية، حيث أكدت الدراسات والاكتشافات التاريخية أن وجود الإنسان فيهما يعود الى أكثر من ستين ألف سنة، وترك ذلك تأثيراً كبيراً نظرا إلى تراكم ثقافة عشرات ألوف السنين على شواطىء المتوسط، علماً أن كل شيء في عروس الساحل موح وملهم».
في ما يتعلق بحركة النقد الأدبي في سورية يرى أن هذه الحركة تخلفت كثيراً عن مجاراة الانتاج والكم الأدبي الكبير في سورية شعراً وقصة ورواية، فليس في هذه المرحلة سوى عدد من النقاد المحدودين جداً، في حين أن مرحلة الخمسينات والستينات شهدت حركة نقدية مزدهرة جداً تفوق أهمية ما هي عليه الآن، رغم وجود العديد من الجامعات في سورية، خاصة أن تلك الحركة أدت الى ظهور كتاب وشعراء كانوا في طليعة الشعراء العرب امثال محمد الماغوط وأدونيس ونزار قباني وسواهم.
لا يخفي درويش رأيه بالمشهد الثقافي في اللاذقية، فرغم أن المحافظة غنية بالمواهب الجيدة والمميزة من الشعراء والأدباء والرسامين والنحاتين وسواهم إنما ليس هناك جمهور متلق، مقترحاً دراسة أسباب عزوف الجمهور عن حضور الندوات والمحاضرات وضرورة توجه النخبة المبدعة الى الريف والأحياء الشعبية والمدارس الإعدادية والثانوية لتنمية الذائقة الأدبية والفنية لدى هذه الفئة المهمة في المجتمع.
عيسى درويش من مواليد 1941، كاتب وأديب وشاعر ودبلوماسي ووزير وسفير سابق في العديد من الدول العربية مثل الكويت والقاهرة والجزائر، معاون وزير خارجية أسبق، شغل العديد من المناصب القيادية في الدولة، وهو خريج جامعة الاسكندرية كلية الاقتصاد والعلوم والسياسة ويحمل دكتوراه في الاقتصاد. عضو في هيئة تحرير مجلة «الفكر السياسي» التي تصدر لدى اتحاد الكتاب العرب في دمشق. شغل العديد من المهمات التحريرية في صحف ومجلات عربية وله مئات المقالات المنشورة في السياسة والاقتصاد في الصحف السورية ومجلة «الفكر» السورية وبعض المجلات والصحف العربية.