حوار مفتوح مع أبواق المذهبيّة…
جمال العفلق
دعونا نتحدث من دون حواجز ونكشف الأوارق المكشوفة أصلاً لكل من فتح عقلة وقلبة. دعونا نخرج ما في الصدور ونمسح عن عيوننا تلك الغشاوة التي لطالما وضعها على عيوننا من أراد لنا الدمار وبعضنا صدق أنه يريد الخير لنا.
ليس هذا بكشف حساب، وليس هذا خطاباً هدفه التجريح أو التشويه.
في حرب تموز 2006 قالوا لنا «هذه مغامرة غير محسوبة» وبذلوا جهدهم في صناعة غطاء سياسي للعدوان الصهيوني على لبنان. كانوا يريدون نزع سلاح حزب الله، وتدمير القوة العسكرية للمقاومة، وإخراجها من المعادلة السياسية الداخلية والإقليمية.
في تموز 2006 لم يخجل الساسة من استخدام المنابر في دور العبادة لإطلاق حملة مذهبية عنوانها لا يجوز الدعاء للمقاومين أو حتى الترحم على الشهداء منهم. في تموز 2006 تباطأ العرب والمسلمون عن عقد الاجتماعات وإصدار بيانات الإدانة أو السعي إلى وقف العدوان لأن «إسرائيل» كانت وعدتهم بأنها تحتاج إلى عشرة أيام أو أكثر بقليل للقضاء على قوة المقاومة.
… وكانت الصدمة الكبرى… المقاومة تنتصر و«إسرائيل» تستجدي قرار وقف إطلاق النار، وجيشها ينكشف للعالم بأسره أنه مجرد عصابات لا تستطيع فعل شيء إلا قتل المدنيين وتدمير الأبنية عن بعد، أما على أرض المعركة فجمود الكيان أضعف وأصغر من أن يطلق عليهم اسم مقاتلين .
لا «قوات النخبة» استطاعت أن ترفع علمها ولا دبابات بني صهيون استطاعت تجاوز وديان الجنوب مثلما كان مرسوماً لها.
حينذاك قال «الساسة» مع التحفظ إن حزب الله شيعي وهو امتداد لمصالح إيران، وإيران هذه تريد احتلال البلاد، لذلك لن ندعمه! ولكن حقيقة العبارة أنهم حلفاء «إسرائيل» ووجودهم من وجودها، ولذلك وقفوا ضد المقاومة وشرّعوا العدوان ودعموه.
اليوم، تموز 2014، العدو هو العدو، والجرائم هي الجرائم، وأهل غزة ليسوا أهل جنوب لبنان الشيعة، باللغة الطائفية، وأهل غزة ليسوا امتداداً لإيران! والجهاد الإسلامي وحماس وكتائب القسام ليسوا حزب الله.
هنا المسألة: الذين وقفوا ضد المقاومة في لبنان في حرب تموز 2006 هم أنفسهم اليوم يقفون ضد المقاومة في غزة، وفي لغة المذاهب والطوائف المقيتة والمؤلمة لا نجد مبرراً لهذا الموقف.
خبير استراتيجي من السعودية يمثل حكومته قال: نحن لا نقدم السلاح إلى أهل غزة كي لا تقتلهم «إسرائيل» وتتخذ من هذا السلاح حجة لضرب غزة. كان هذا التصريح مع بداية العدوان على أهل فلسطين. اليوم نسأل هذا «الخبير الاستراتيجي»: ماذا تسمي هذا القتل في فلسطين؟ وماذا تسمي قصف البيوت الآمنة؟ ماذا تقول عن قتل الأطفال العزّل وأمام عدسات الكاميرات؟
العدو هو العدو. لكن عدوّنا اليوم هو: حلفاء «إسرائيل»، مثل «إسرائيل»، لا فرق بينهم ولا اختلاف. وفي رأيي الشخصي، «إسرائيل» عدو واضح يمكننا رصده وضربه متى شئنا، أما حلفاء «إسرائيل» فهم بيننا ويتحركون باسمنا ويدّعون أنهم يعملون لأجلنا.
أبواق المذهبية يعلنون اليوم بوقاحة تامة موقفهم الداعم للصهيونية ولا يحركون لأجل الذين يقولون عنهم إنهم من المذهب نفسه!
شيخ من الأزهر يدين أسر جندي صهيوني ومرجعه حديث شريف! وآخر يقول إذا كانت حماس تطلق صواريخ على «إسرائيل» فهذه خيانة للشعب السوري، وإن كنت لم أفهم المعادلة: لكن أتباع الشيوخ يصدقون شيوخهم إذ يتبعونهم تبعية عمياء. عقول مغيبة وقلوب أخذ سواد الحقد منها كل النقاء والطهارة.
لا أجيد الكتابة ولا أجيد الخطاب السياسي. أنا مواطن عربي أحمل في صدري أماني تحرير الأرض العربية وأحمل في صدري أحلام الطفولة أن القدس ستعود والجولان سيعود، وأن فلسطين عربية حتى يوم القيامة. قد أخلط بين السياسة والدين، ليس لأن ذلك جائز، بل لأنه زمن استخدم فيه الدين أسوأ استخدام لخدمة السياسيين فأجبرنا على أن نكتب ونرد عليهم بطريقتهم. أين عقول الناس اليوم؟ أما من رجل يخرج منهم ويقول لشيوخه: في 2006 قلتم لا يجوز الدعاء للمقاومة في لبنان لأنها شيعية… اليوم لِمَ لا تجيزون دعم المقاومة في فلسطين وهي سنية؟ أليست هذه لغتكم؟!
فلسطين ليست خالد مشعل ولا ياسر عرفات ولا محمود عباس ولا أي اسم. لمن يحاول تشخيص القضية، فلسطين هي فلسطين، الأرض المغتصبة، الأرض التي سرقتها الصهيونية، الأرض التي منحها من لا يملكها لمن لا يستحقها…
سنبقى مقاومين، وانتصار تموز 2006 اليوم يتكرّر في فلسطين.
ليعلم العالم بأسرة أننا شعب لا يهدأ ولا يستكين.