«إمام القصر»… أو مفتيان للجمهورية في أيلول؟
محمد حمية
مع اقتراب موعد انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية في العاشر من آب، وهو الموعد الذي حدده رئيس الحكومة تمام سلام، تتكثف اللقاءات والمشاورات على أكثر من صعيد لمحاولة إخراج مفتٍ جديد إلى النور، فيما يستمرّ المفتي الحالي محمد رشيد قباني بدعوته الى انتخاب مفتٍ جديد في 31 آب المقبل.
بين 10 آب و31 منه مسافة زمنية قصيرة تنحصر فيها مفاوضات الربع الساعة الأخير، فهل فعلاً هناك شبه إجماع على اسم رئيس المحاكم الشرعية القاضي عبداللطيف دريان كمرشح تزكية؟ أم أنّ المعركة لا تزال في البداية، وهل يمكن أن نصل إلى مفتيَيْن للجمهورية اللبنانية؟
مصدر معنيّ في شؤون دار الفتوى يؤكد أنه لم يحصل إجماع من العلماء المسلمين على اسم المفتي الجديد، بل ما حصل هو توافق بين السياسيين وليس بين العلماء. وفي حديث لصحيفة «البناء» اعتبر المصدر أنّ الأطراف السياسية لديها مصالح سياسية ويدعمون الأسم الذي يتوافق مع مصالحهم، متحدثاً عن إدخال هذا الملف بالصفقات والمقايضات بين الأطراف السياسية في البلد.
ويستشهد المصدر ببيان هيئة العلماء المسلمين الذي صدر أمس، والذي رفض فيه تدخل السياسيين من كلّ الأطراف في شؤون دار الإفتاء حيث وجه دعوة إلى كلّ العلماء السنّة في لبنان «للوقوف صفاً واحداً في وجه شبيحة 8 آذار وعلمانيّي 14 آذار من أجل رفض جميع المشاريع التي تطرح لاختيار مرشح بالتزكية»، داعياً إلى اعتصام مفتوح أمام دار الفتوى.
ويرى المصدر أنّ رئيس المحاكم الشرعية السنّية العليا القاضي الشيخ عبداللطيف دريان ليس مرشحاً توافقياً، بل هو يتبع لتيار المستقبل، ويسميه معظم العلماء بـ «إمام القصر» في إشارة إلى «قصر قريطم» وذلك بحسب المصدر.
وحول تصريح الوزير السابق عبدالرحيم مراد الذي دعا فيه إلى التفاهم على ترشيح مفتٍ واحد بالتزكية، أكد المصدر «أنّ الوزير مراد لا يمثل العلماء السنّة لكي يعتبر الشيخ دريان أو غيره مرشح تزكية».
وعلى رغم الضجيج والصخب بشأن وصول التسوية إلى خواتيمها وانتخاب القاضي دريان كمرشح تزكية، تشير المصادر إلى أنّ الأخير هو أبعد ما يكون عن دار الفتوى…
وفي هذا السياق يؤكد المصدر المذكور أنّ المفتي قباني مستمرّ بدعوته لانتخاب مفتٍ جديد في 31 آب المقبل، مشدداً على أنّ استقالة الأعضاء الستة منذ أسابيع لم ولن تؤثر في الانتخابات، وحتى لو استقال كلّ الاعضاء، فالانتخابات مستمرة، لافتاً الى أنّ الهيئة الناخبة تضمّ أكثر من 4000 شخصية، وحتى الآن هناك 1700 سجلوا اسماءهم استعداداً للانتخابات.
وشدّد المصدر على أنّ الهيئة الناخبة مؤلفة من سياسيين وعلماء دين ولكن رأي العلماء يجب أن يفوق دور السياسيين لأنّ ملف دار الفتوى هو موضوع ديني ومنصب ديني وليس منصباً سياسياً.
وحذر المصدر من خيارات الشيخ دريان السياسية والوطنية في حال انتخابه مفتياً، متسائلاً: هل يضمن من رشح دريان أن يلتزم بخيارات وطنية وليست طائفية وتقسيمية وتهدّد الوحدة الوطنية؟ وأضاف: «إنّ السفارة المصرية عقدت اجتماعات في هذا الصدد حضرتها شخصيات متعدّدة من كلّ الأطراف السياسية لإيجاد مخرج لهذا الأمر حفاظاً على وحدة الصف وعدم الانشقاق داخل الطائفة السنّية وحصل اتفاق على كل شيء داخل دار الإفتاء، أي على الهيئة الناخبة والإصلاحات، وبقيَ الخلاف على اسم المفتي الجديد، وطرحنا اسم الشيخ هشام خليفة فرُفض من قبل فريق المستقبل»، لافتاً إلى أنّ هناك «مبادرة مصرية ومباركة سعودية»، نافياً ان تكون سورية تتدخل في هذا الشأن بل هي فقط لا تريد أي انقسام داخل الطائفة السنية، مشيراً إلى أنّ تيار المستقبل هو من «أحدث هذا الانقسام داخل الطائفة السنية وأوصل الأمور إلى ما وصلت إليه في دار الفتوى عبر التحريض الطائفي وتوفير بيئة حاضنة للإرهاب»، قائلاً: «في كلّ شيء فتش عن بصمات السنيورة».
ويؤكد المصدر أنّ الأمور مفتوحة على كل الاحتمالات، كاشفاً عن مفاجآت يحضّر لها المفتي قباني إذا ما تصاعدت الأمور وتمّ فرض أيّ مرشح بالقوة، مؤكداً أنّ المفتي قباني يريد مفتياً جديداً لا يكون طرفاً في الصراع وليس محسوباً على أحد وعلى مسافة واحدة من الجميع، ولن يقبل بغير ذلك، لأنّ أي مفتٍ جديد يجب أن يكون على علاقة جيدة وتنسيق وتعاون مع المفتي السابق في ملفات دار الفتوى نظراً الى خبرته الطويلة، لافتاً إلى أنّ المفتي قباني «لن يسلّم لأيّ مفتٍ لا يوافق عليه أو ستذهب الأمور باتجاه الانتخابات كما ينصّ القانون».
الوزير السابق عبدالرحيم مراد الذي يعتبر انّ انتخاب مفتيين للجمهورية بمثابة مصيبة زار أمس برفقة القنصل المصري في بيروت شريف البحراوي المفتي قباني، حيث أفادت مصادر لـ«البناء» أنّ مراد والقنصل المصري تمنّا على قباني الموافقة على المبادرة المصرية والسير بانتخاب مرشح التزكية فيما يصرّ قباني على موقفه برفض انتخاب القاضي دريان.
مصدر في 8 آذار معنيّ بالمفاوضات التي تحصل يرى في حديث لـ«البناء» أن فريق الثامن من آذار «لن يشارك في الانتخابات مرتين، بل سيشارك في أول انتخابات، وهي التي دعا إليها الرئيس تمام وسلام في 10 آب، وبالتالي لن يشارك في انتخابات 31 آب، مجدداً التأكيد على التوافق على انتخاب مفتٍ كمرشح تزكية».
أما منتدى الحوار الإسلامي فشدد على «الدعوة إلى التوافق على تزكية مفتٍ للجمهورية لتولي مهمات الإفتاء، بحيث يقوم المفتي الجديد بالتنسيق مع رئيس مجلس الوزراء بالدعوة إلى انتخاب مجلس شرعي إسلامي جديد يمثل مختلف اتجاهات الاعتدال، والذي يقوم بدراسة الإصلاحات والتحديث والشفافية، وكذلك المواد التي تتعلق بالهيئة الناخبة للعمليات الانتخابية التي تخصّ كلاً من مفتي الجمهورية والمجلس الشرعي تجنّباً لأيّ خلافات مشابهة في المستقبل، كما يبادر إلى تفعيل المجلس الاستشاري من ذوي الخبرة ومن مختلف الأطراف». وأكد «أن خياره بإجماع أعضائه كان ولا يزال أن يكون المفتي المقبل من بيروت، ويتمسّك بإعلانه تكراراً ورأيه النهائي في أنّ رئيس المحاكم الشرعية السنّية العليا الشيخ القاضي عبداللطيف دريان، هو المناسب لتبوؤ هذا المقام، لذا يطالب المنتدى رئيس الحكومة تمام سلام بالدعوة إلى الانتخابات في أسرع وقت ممكن».