التصعيد الأميركي… طلاق أم صراخ يعيد السعودية إلى بيت الطاعة؟

مهند فائز نصرة

مؤشرات حقيقية برزت قد تقلب ميزان العلاقة بين المملكة السعودية والولايات المتحدة الأميركية من كفة الحليف الاستراتيجي عبر عقود طويلة من الزمن الى كفة العداء الحقيقي المرتقب. هل هو صراخ يعيد المملكة السعودية الى بيت الطاعة الأميركي…؟ أم أنه الطلاق فعلاً؟

كان أحدث هذه المؤشرات تصريح مفاجئ لمستشار الرئيس الأميركي لشؤون الأمن القومي بن رودس الذي أكد أنّ تنظيم القاعدة الإرهابي قد أُسِّس بأموال سعودية حصراً، وما جاء مؤشراً ايضاً كان محاولات حثيثة وحقيقية في الكونغرس الأميركي لإصدار قانون يجرّم السعودية ويعطي الحق لأهل الضحايا أن يطالبوا بتعويضات ضخمة عن أحداث 11 أيلول/ سبتمبر تصل الى مليارات الدولارات، ومعظم استطلاعات الرأي أكدت أنّ الكثير من أعضاء الكونغرس يؤيدون استصدار هذا القانون هذا القانون اذا ما تمّ إصداره، ستكون النقلة 180 درجة في طريق العلاقات بين البلدين، وستبدأ خطوات الوعيد والانتقام بنفَس عالي الحدّة بعد أن ساد الغزل السياسي طوال ثمانية عقود خلت.

وفي سياق النفس الانتقامي جاء مؤشر في التقرير السنوي الصادر عن الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان، حيث الاتهامات للحكومة السعودية جاءت بالجملة في سياق حقوق الإنسان المهدورة، والواقع المظلم للمرأة السعودية، والقضاء غير المستقلّ المرتبط بالأسرة الحاكمة، وأخيرا وليس آخراً انخراط أمراء ومسؤولين من الأسرة الحاكمة بتشكيل جمعيات تحت مسمّيات خيرية تعنى سراً بتمويل المجموعات التي تعتبر واشنطن بعضها إرهابية.

على الضفة الاخرى جاء الصوت المهدّد والوعيد المبدّد لكلّ التساؤلات في ما إذا كانت المملكة ستقف مكتوفة الأيدي أمام التصعيد الأميركي متجسداً بما لوّح به عادل الجبير وزير الخارجية السعودي والسفير السعودي سابقاً في واشنطن بإمكانية بيع كامل الأصول السعودية لدى الولايات المتحدة التي مقدار قيمتها يقارب 750 مليار دولار اذا ما تابع الكونغرس العمل على إصدار القانون السابق الذكر. وهذا الموقف التصعيدي يُحضِر الى الأذهان غضب تركي الفيصل حينما ردّ بمقالته المشهورة ونشر الأمير خطابه المفتوح للرئيس أوباما في صحيفة «عرب نيوز» السعودية المحلية التي تصدر باللغة الإنكليزية مخاطباً أوباما: «تتهمنا بإذكاء الفتنة الطائفية في سورية والعراق واليمن، ثم تزيد الطين بلة وتطلب منا أن نتعايش مع إيران التي وصفتها أنت بأنها راعية للإرهاب»، بعد ما نشره الرئيس الأميركي باراك أوباما في مجلة «اتلانتيك»، مهاجماً حلفاءه في السعودية هجوماً كان الأول من نوعه في تاريخ البلدين، واتهمهم بتأجيج الصراعات في الشرق الأوسط، والمغالاة في التطرف الفكري الذي يدرّس في المدارس الدينية والتعليمية لدى المملكة السعودية.

عدد من الصحف الأميركية تحدّث عن 28 صفحة في التقرير السري الناجم عن التحقيقات الاستخبارية الأميركية حول هجمات 11 أيلول/ سبتمبر والذي تمّ حجبه بشكل كامل عن الإعلام والرأي العام الأميركي. جاءت في سياق هذا التقرير معلومات مؤكدة عن تورّط السلطات السعودية وأمراء الأسرة الحاكمة بتمويل الهجمات والتورّط بالدم الأميركي، ولكن عصا القانون الذي يمكن أن يصدر عن الكونغرس لا بدّ أن تطال واشنطن التي توغلت هي ايضاً بدماء العرب والافغان والفيتناميين وغيرهم، وما قد يترتب على الحكومة الأميركية من تعويضات ضخمة لذوي الضحايا…

السؤال هنا هل ستستخدم الولايات المتحدة سلاحاً يطلق النار باتجاهين متعاكسين…؟ أم أنها قد أعدّت العدة ولبست درعا تقيها نار القانون اذا ما صدر؟

على كلّ حال، المملكة السعودية أمام تحوّل خطير وتهديد حقيقي يطاول علاقتها بالحليف، وفي جانبه الاقتصادي يطال مصالحها واستثماراتها في أميركا، فالشروط التي وضعتها الأخيرة على الأصول السعودية كانت قاسية جداً حيث أكد العديد من الخبراء الاقتصاديين أن السعودية إذا ما فكرت ببيع أصولها ستخسر مبلغاً قد يصل الى 250 مليار دولار، ايّ ما نسبته 30 من مجمل الأصول.

واللافت أيضاً كان توقيت هذه النقاشات والمواضيع الذي جاء ما قبل زيارة الرئيس الأميركي إلى الخليج ولقائه مع العاهل السعودي. السؤال هنا أيضاً يستحق التوقف… هل خرج مارد العداء بين البلدين من القمقم؟ بعد تحالف استمرّ أكثر من ثمانية عقود كان قد رسم خطوطه مؤسّس المملكة السعودية حينما التقى روزفلت واتفق معه على تحالف استراتيجي وحماية العرش الملكي مقابل التنقيب والنفط والاستثمارات، أم أنه مجرد صراخ يعيد السعودية الى بيت الطاعة الأميركي؟

قد يصعب التكهّن بالخطوات اللاحقة للولايات المتحدة الأميركية أو تقدير الثمن الذي تريده مقابل خفض سقف التوتر، ولكن المؤكد أنّ منطق الابتزاز والتهويل سيبقى حاضراً في كل الأحوال.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى