بين شرعية المجلس النيابي… وقوانين الانتخاب
هتاف دهام
يُجمِع الأفرقاء السياسيون أنّ النظام الانتخابي لا يرتقي إلى مستوى الديمقراطية. لكن هذا لا يعني أنّ هؤلاء يريدون إحداث خرق نوعي في القانون الانتخابي الطائفي. فُصّل قانون الانتخاب على مقاساتهم. لذلك لا يمكن أن تتبدّل الوجوه الموجودة في العملية السياسية الحالية إلا إذا تمّ تعديل القانون وتمّ التدقيق في تطبيقه.
لم تمُتّ التعديلات كلها التي أجريت على القانون الانتخابي منذ عام 1957، بأية صلة إلى وثيقة الوفاق الوطني وعدالة التمثيل. اعتمد القضاء دائرة انتخابية منذ عام 1957 لغاية عام 1972 واعتمدت المحافظات في انتخابات 1992 دوائر انتخابية ما عدا جبل لبنان الذي بقي على أساس القضاء وأصبحت بيروت دائرة واحدة بعدما كانت في السابق ثلاث دوائر. وفي عام 2000 تمّ تقسيم الشمال إلى دائرتين والبقاع إلى ثلاث دوائر وبيروت ثلاث دوائر انتخابية. أما الجنوب والنبطية فدُمجا في دائرة انتخابية واحدة، كذلك الحال مع عاليه – بعبدا وكسروان جبيل، وبقي الشوف دائرة واحدة ومثله المتن الشمالي.
وحماية لمبدأ المحاصصة الطائفية جرى التلاعب بحجم الدوائر في بعض التقسيمات التي اعتمدت لغاية انتخابات 2009. ولتكريس ذلك، سارعت الطبقة السياسية، عندما شعرت أنّ عرشها النيابي يهتزّ إلى التمديد لنوابها مرتين بذريعة الظروف الأمنية. ما أحكم قبضة زعماء الطوائف التقليديين على السلطة أكثر، هؤلاء الذين تحكّموا بمواقع القرار وهيمنوا على المؤسسات والإدارات العامة وحوّلوها ملكية خاصة يتقاسمونها في ما بينهم، وهذا ما عزّز الزبائنية والقطعانية.
ما زال متعذّراً على اللبنانيين إقرار قانون انتخابي يحقق طموحاتهم وآمالهم ببناء دولة مدنية. كلّ الاقتراحات والمشاريع التي يجري التداول بها من مختلط وسواه، تعتمد الاستنسابية في توزيع الدوائر والمقاعد على أساس النسبي والأكثري. وحده النظام الانتخابي بلبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية يحقق صحة التمثيل.
يؤكد رئيس مركز بيروت للأبحاث والمعلومات عبدو سعد لـ»البناء» أنّ اقتراح القانون المقدّم من الكتلة القومية والقائم على اعتماد لبنان دائرة واحدة على أساس النسبية يجب الأخذ به لأنه الأكثر جدية، فيصون ويحفظ حقوق الأقليات الاثنية والدينية والسياسية. يحظى هذا الاقتراح بتأييد الأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، ومن بعض الأحزاب السياسية الكبرى التيار الوطني الحر، حزب الله، حركة أمل، الحزب الشيوعي . إنّ النسبية، وفق سعد، هي الأفضل للحزب القومي الذي يُعَدّ من أعرق الأحزاب، وكذلك تزيد من تمثيله النيابي بشكل كبير، في حين يحصل في النظام الأكثري على مقعديه بمعية الحلفاء. وكذلك الحال مع الحزب الشيوعي الذي سيُمثّل بما يناسب تمثيله الشعبي وغيرهما من قوى سياسية غير ممثلة بالقانون الحالي بما يسمح به تمثيلها الشعبي.
لا مشكلة عند التيار الوطني الحر بهذا القانون، فهو كما يؤكد سعد يؤيده بقوة. وكذلك عند الثنائي الشيعي، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أكد مراراً أنّ «النسبية تعيد تكوين السلطة على أسس صحيحة، وهي المدخل للحلّ في البلد». أما بالنسبة لحركة أمل فالأمر سيان لا مشكلة لديها بأيّ قانون لأنها تراعي الأطراف الأخرى.
كلّ الطوائف والأحزاب تستفيد من لبنان دائرة انتخابية واحدة، لكن بعض رؤساء الأحزاب الطائفية، بحسب سعد، يقف عائقاً أمام تطبيق هذا الاقتراح حماية لمصالحه الضيّقة. فيخاف رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط على موقعه كـ»بيضة قبان» في النظام الأكثري. يدرك «بيك» المختارة أنه في النظام النسبي قد يخسر هذا الدور، رغم أنه سيحصل على عدد من المقاعد أكثر مما هو عليه حالياً. فإذا شكّل مع الرئيس نجيب ميقاتي والنائبين السابقين فريد هيكل الخازن ومنصور البون وآخرين جبهة لديها 28 نائباً، ستكون جبهة منافسة للجبهات الأخرى لأنّ التكتلات لن تكون أكثر من ذلك بكثير، لكن جنبلاط يفكر بشكل آخر.
وعلى جبهة بيت الوسط، فإنّ تيار المستقبل، كما يرى سعد، سيكون الخاسر الأكبر في أيّ انتخابات مقبلة، سواء اعتُمد قانون الستين أو المختلط أو النسبية على لبنان دائرة واحدة. تراجعت شعبيته، وخسارته لن تكون أقلّ من 17 مقعداً حتى لو حصلت الانتخابات وفق الستين. إذا أجرى التيار الأزرق دراسة صحيحة ودقيقة فسوف يدرك أنّ النسبية
ضمانة له، لكن المشكلة أنّ هؤلاء مسكونون بهاجس وضعوه لأنفسهم وهو أنّ النسبية لا يمكن السير بها في ظلّ السلاح، علماً أنّ هذا الأمر يصحّ في النظام الأكثري بحيث يتمّ شراء الأصوات. إنّ شراء 25000 صوت يساهم في وصول 35 مقعداً نيابياً في الأكثري، أما في النسبي فـ 25000 صوت لا يتعدّى تأثيرهم على مقعدين كحدّ أقصى، لذلك فإنّ العملية في النظام النسبي لا تستأهل شراء أصوات، وإذا كان هناك من أدوات ضغط، فهي في النظام الأكثري.
أما حزب الكتائب الذي ربح رئيسه مقعد المتن الشمالي بفارق 1,3 من الأصوات التي أعطيت له من بعض مناصري التيار الوطني الحر لما له من رمزية، لا يمكن لأحد، كما يقول رئيس مركز بيروت للأبحاث والمعلومات، وفق النظام النسبي، أن ينزع هذا المقعد منه، في حين أنه مهدّد إذا أجريت الانتخابات على أساس الأكثري، وتحالف التيار الوطني الحر والقوات سيخسّر حزب الكتائب كثيراً في المتن، وفي طرابلس أيضاً في ظلّ تفاهم الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي والوزير فيصل كرامي، فهذا التحالف سوف يكتسح طرابلس 8 مقابل صفر ، ولن يكون بمقدور تيار المستقبل «فاقد الشيء» في عاصمة الشمال، أن يعطي الكتائب كرسياً في البرلمان، إلا في بيروت الثالثة أو عكار.
وعلى مقلب ما تبقى من 14 آذار فإنّ حزب القوات المتواجد في كلّ المناطق المسيحية ولو بنسب متفاوتة هو المستفيد الأكبر من اعتماد النسبية، ويمكن أن يحصل على 12 مقعداً نيابياً، بيد أنه في ظلّ النظام الأكثري لا يمكنه أن يحصل من دون الصوت السني إلا على مقعدين في بشري.
لكن لماذا ترفض القوى السياسية الدائرة الواحدة على أساس النسبية. يقول سعد: إنّ ذريعة الخوف من الإطاحة بفريق 14 آذار هي السبب، لأنّ الأكثرية سوف تصبح في المقلب الآخر، ولذلك يقف عائقاً أمام هذا القانون الدستوري فكلّ المشاريع والاقتراحات الأخرى المقدّمة سواء المختلط بصيغتيه والـ13 دائرة والـ15 دائرة، ومشروع اللقاء الارثوذكسي الأقلّ طائفية بمفاعيله السياسية، بما لا يُقاس، مقارنة مع «قانون الستين» لا تنطبق عليها المعايير الدستورية والقانونية، وهذا ما جعل المجلس النيابي غير شرعي. صحيح أنّ التمديد له مرتين زاده إمعاناً في لا شرعيته، لكن عدم شرعيته انبثقت من القانون الانتخابي وتعود إلى عام 1943. وحده النظام الانتخابي القائم على لبنان دائرة انتخابية واحدة على أساس النسبية أو على أساس الصوت الواحد تنطبق عليه المعايير القانونية والدستورية.
واذا كان الستين مخالفاً للدستور فإنّ المختلط ليس أفضل حالاً، بحسب سعد، والأحزاب المتضرّرة من الأكثري ستتضرّر من المختلط بالشكل المقدّم به سواء وفق اقتراح النائب علي بزي أو الصيغة الثلاثية المقدمة من القوات وتيار المستقبل والحزب الاشتراكي.
يرى سعد أنّ المختلط المقدّم من الرئيس بري لن يأتي بأيّ نائب من خارج الاصطفافات الكبيرة، فهو لا يمتّ بصلة للنسبية إلا بالتسمية، وسيكون من أسوأ اقتراحات القوانين بالنسبة للأحزاب العريقة القومي الشيوعي و الكتائب فهذه الأحزاب لو شكلت لائحة واحدة في كلّ المناطق فلن يكون باستطاعتها الفوز بمقعد واحد في النسبية، لأنّ قوتها الانتخابية أقلّ من الحاصل الانتخابي من الدوائر في المحافظات، بينما في الأكثري لا تحصل على أيّ مقعد إذا لم تعطَ إياه من قبل الحلفاء. أما اقتراح القوات المستقبل – الاشتراكي فيعتمد، بحسب سعد، الاستنسابية في التقسيم، حيث فصلت هذه الصيغة حاصبيا عن مرجعيون لكي لا يأتي النائبان الدرزي والسني بأصوات الشيعة، وأبقت على راشيا والبقاع الغربي دائرة واحدة لأنّ عدم التلازم بين القضاءين سيؤدّي إلى خسارة تيار المستقبل في البقاع الغربي. كذلك أبقت صيغة بيت الوسط معراب كليمنصو التوزيع في بشري والبترون وصيدا مقعدان في كلّ قضاء على أساس الأكثري، فيما المعايير التي اعتمدها الاقتراح تقضي بتوزيع المقاعد في القضاء الواحد بين أكثري ونسبي، وكلّ ذلك لمنع الطرف الآخر من التمثيل.
يسجل سعد معارضته لكلّ هذه الاقتراحات ومنها اقتراح الكتائب القائم على النظام الأكثري والدائرة الفردية. ويقول: إذا كان لا بدّ من الانتقال من الستين إلى المختلط، فيجب اعتماد صيغة تحقق التمثيل الصحيح، لأنّ هاتين الصيغتين الحاليتين ليستا أكثر من بدعة وهرطقة. ورغم تمسكه بالنسبية المطلقة أعدّ سعد اقتراحاً يبدو أن جهات سياسية سوف تتبناه وأبدت إعجاباً به.
إنّ اللجنة النيابية المكلّفة التوافق على مشروع قانون جديد للانتخاب أيدت بأكثرية أعضائها مشروع قانون الاقتراع المختلط الأكثري والنسبي ما يحملنا، كما يقول رئيس مركز بيروت للأبحاث والمعلومات، على اقتراح نظامٍ انتخابيٍ قائمٍ على أساس مشروع الرئيس بري معدّلاً ليكون ضامناً لحقوق الأقليات عبر تحرير مقاعدها من الهيمنة المطلقة، وذلك بأن يقوم مشروع التعديل على أساس الدوائر الانتخابية القائمة حالياً ايّ دوائر قانون الدوحة وذلك بالمزج بين النظام الأكثري بالصوت الواحد ونظام الاقتراع النسبي على ان يتمّ التنافس في القضاء على أساس النظام الأكثري مع الصوت الواحد one person one vote وأن يجري الانتخاب في ما خصّ المقاعد العائدة للنظام النسبي على أساس الدائرة الوطنية بغية تحقيق الحدّ الأدنى من محاسن النسبية .
أما المعايير المُراد اعتمادها لتوزيع المقاعد بين النظامين النسبي والأكثري، فهي بحسب سعد:
أن يتمّ تخصيص كلّ المقاعد العائدة لطوائف أقلوية في الدوائر المحدّدة في قانون الدوحة بنظام الاقتراع النسبي بغية تحريرها من الهيمنة المطلقة لبعض الطوائف، وتخصيص المقاعد العائدة لطوائف الأكثريات أي الدوائر ذات الأكثرية المطلقة لطائفة معينة بنظام الاقتراع الأكثري مع اعتماد الصوت الواحد.
وعليه يتوزع النواب الـ 128 على النحو الآتي:
64 مقعداً مسيحياً: منها 43 مقعداً نسبياً و 21 مقعداً أكثرياً
64 مقعداً مسلماً: منها 21 مقعداً نسبياً و43 مقعداً أكثرياً.
على سبيل المثال، في عكار تذهب المقاعد السنية الثلاثة إلى الأكثري على أساس الصوت الواحد ومقاعد الأقليات الأربعة على أساس النسبي في الدائرة الواحدة. وفي طرابلس، المقاعد الخمسة السنية تذهب الى الأكثري على أساس الصوت الواحد، ومقاعد الأقليات الثلاثة تذهب إلى النسبية على أساس الدائرة الواحدة. وفي بعلبك الهرمل تذهب المقاعد الشيعية الستة إلى الأكثري على أساس الصوت الواحد، ومقاعد الأقليات الثلاثة تذهب إلى النسبية على أساس الدائرة الواحدة. وفي بيروت الثالثة تذهب المقاعد السنية الخمسة إلى الأكثري على أساس الصوت الواحد، ومقاعد الاقليات الخمسة إلى النسبية على أساس الدائرة الواحدة، وفي صيدا يذهب المقعدان السنيان إلى الأكثري على أساس الصوت الواحد، وكلّ ذلك بهدف إعطاء الفرصة للأقليات السياسية داخل الطائفة الواحدة لكي تمثل.
ويشير سعد إلى أنه من أجل تحقيق التوازن العددي للمقاعد النيابية بين النظام الأكثري والنسبي كما هو مطروح في مشروع الرئيس نبيه بري تمّ تخصيص مقعد واحد في الدوائر الأكبر من بين الدوائر التي لا يوجد فيها أكثرية مطلقة لأية طائفة مثل دوائر الشوف وبعبدا والمتن الشمالي وزحلة والبقاع الغربي / راشيا على أساس نظام الاقتراع الأكثري للطائفة صاحبة العدد الأعلى من الناخبين على أن تبقى المقاعد الأخرى في تلك الدوائر وفق نظام الاقتراع النسبي .
وعليه يُخصّص مقعد درزي على أساس نظام الاقتراع الأكثري لدائرة الشوف، وكذلك مقعد ماروني لدائرة بعبدا، ومقعد ماروني لدائرة المتن الشمالي، ومقعد سنّي في زحلة، وسنّي في البقاع الغربي/راشيا.
إذا ما جرى العمل بهذا الحلّ يتمّ انتخاب 64 مقعداً على أساس نظام الاقتراع الأكثري و64 مقعداً على أساس نظام التمثيل النسبي.
في اقتراح سعد يستفيد الحزب «القومي» سواء في الأكثري بالصوت الواحد أو في النسبي ويزيد من عدد نوابه دون منّة من احد. وكذلك الحزب الشيوعي، ففي لبنان ينتخب 50 ، أما الـ50 فتتوزّع بين 15 مغتربين و35 لا ينتخبون لأنهم يعتبرون أنّ صوتهم غير نافع، فهذا الاقتراح يقول سعد، يحرّر كلّ مقاعد الأقليات لدى كلّ المذاهب من الطوائف ذات الأكثريات المطلقة بمعايير واضحة وعلمية، ويؤمّن الحدّ الأدنى من الإنصاف لكلّ الاقليات في لبنان.
ترجح الكفة في اقتراح سعد للمختلط، إلى من يملك أكثرية شعبية، لذلك لن تقبل به القوى السياسية الطائفية. ويرى سعد أنّ الانتخابات في 2017 من المرجّح أن تجري على أساس الستين. لأنه من الصعب الاتفاق على قانون إلا إذا فرض فرضاً، والمختلط الذي سيفرض من قوة السلطة سيعارضه بالتأكيد حزب الله والتيار الوطني الحر لأنه لا يُحدث تغييراً في النظام السياسي لكنه يمرّ. لذلك فإنّ الستين أقلّ سوءاً من المختلط المطروح من قبل القوى السياسية، لأننا إذا أبقينا على الستين من الممكن أن نتوصل يوماً ما إلى إقرار قانون جديد للانتخابات، لكن إذا أقرّ المختلط فإننا سنحتاج إلى 100 سنة للتغيير كما حصل مع الستين.