الانتخابات البلدية بين إشكالية الأحزاب وواقع العائلات
محمد فرحات
لم تكن لدى اللبنانيين الخبرة الكافية لإدارة معارك انتخابية محلية قبل الانتخابات البلدية عام 1998 بل كانت مقتصرة على الانتخابات النيابية بعد الطائف خارج القيد الديمقراطي، فزعماء الطوائف يسقطون أسماء مرشحي لوائحهم ممحدلة للشعب، فيتشكل مجلس نيابي ممثلاً الطوائف في لبنان، فيتمذهب الشعب في لبنان تحت طائلة المسؤولية الدينية ورفض كلّ الأشكال الديمقراطية التي تصون مصلحة الشعب بعبارة: «مصلحة الوطن فوق كلّ مصلحة».
أما ما يمكن تصحيحه بالانتقال إلى انتخابات محلية يعبّر فيها أبناء البلدة أو القرية أو المتحد الواحد عن مصلحتهم العليا واختيار ممثلين لبلدياتهم يحملون الهمّ الأولي للمتحد وأبنائه يقع تحت إشكالية الأحزاب نفسها في تركيب لوائح تتشكل بعد تعبيد الطرقات لتكون هذه اللوائح محادل تعبر على المجلس البلدي عبر طرقات معبّدة لتسهيل وصولها.
لكنّ الفارق بين الانتخابات النيابية والبلدية أنّ العائلات في الثانية تعمل على إسقاط أسماء مرشحيها على الأحزاب المفترض أنها أحزاب سياسية تحمل مشروعاً إنمائياً ثقافياً اجتماعياً للبلدة، وبالتالي يصبح هناك، على المستوى المحلي، انقلاب عائلي على الأحزاب ذات الطابع الطائفي، وهكذا تكون العائلات فى القرى أو المتحدات هي من تقرّر مصيرها، وتكون قد ردّت الثأر من طوائفها بحجة حاجة الطوائف أو الأحزاب الطائفية إلى العائلات والعشائر داخل القرى، وبذلك تصبح العائلات هي من تقرّر مصير الوطن على مستوى المتحّد الأتم.
على هذا الأساس يطلقون تسمية ديمقراطية على انتخاباتهم ولكنها ديمقراطية لاواعية لأنها لا ترتكز على أساس وحدة المجتمع ولا تعير اهتماماً للمساواة بين أبناء الوطن الواحد أو القرية الواحدة ضمن الرابطة القومية المجتمعية وتصنف المواطنين على أساس دينهم ولغتهم وأعراقهم ومناطقهم وعائلاتهم.
فالديمقراطية لا ترتكز إلا على أساس وطني تكون المواطنية إحدى مرتكزاته. من هنا يمكن تسمية ما يحصل في لبنان في لعبة الانتخابات النيابية والبلدية بـ «ديكتاتورية الطوائف والمذاهب والعائلات» التي كانت سائدة في عصور ما قبل التاريخ في الشرق، وما قبل القرن الخامس عشر في الغرب.
وبين الإسقاطين النيابي والبلدي ترقد الأحزاب بين مطرقة الطوائف والمذاهب وسندان العائلات والعشائر حتى إشعار تحدّده ثورة الفكر والنهضة والوعي للمصلحة العليا التي تحدّد مصلحة الوطن وتضعه فوق كلّ مصلحة.