حلب: البداية أم النهاية؟
محمد ح. الحاج
ثمة حوار داخلي في الأوساط السورية، في المجالس أو عبر شبكات التواصل يتضمّن الكثير من الأسئلة الباحثة عن أجوبة بسبب عدم فهم الأغلبية لمجريات المستجدات على ساحة حلب ومنها: هل تكون معركة حلب هي النهاية أم هي بداية النهاية… ولماذا التصعيد بهذا الحجم وفي هذا الظرف؟ ما معنى الإصرار الروسي على فرض الهدنة في حلب رغم استمرار خرق العصابات المسلحة لها، وهل هناك اتفاق أو توافق روسي أميركي على ذلك؟ أم أنّ العملية لقطع الطريق على الجيش السوري فلا يطوّر هجومه قصد تحرير حلب وإغلاق المنافذ الحدودية وتطويق إدلب، وهذا للحفاظ على «جنيف 3» أو العودة له على الأقلّ! الكثير من الأسئلة التي تترتب على بعض التقديرات أو التسريبات من مصادر قد لا يحظى أغلبها بالمصداقية، بل إنّ بعضها في صف العداء للدولة والشعب السوريين.
يقول أحدهم وهو مقرّب من كواليس متعدّدة: هناك تكاتف روسي أميركي في الموضوع السوري فقط، ولدى سؤاله، هل معنى ذلك أنهما متفقان على تفاصيل ما يجري؟ أجاب: لا… التكاتف لا يتضمّن التوافق، الطرفان متكاتفان بمعنى يدعم كلّ منهما الآخر كتفاً إلى كتف في عملية دفع باب القلعة لفتحه، وبعد الدخول اليها يبدأ الصراع لتنفيذ كلّ منهما مشروعه وتحقيق مصالحه بغضّ النظر عن مصالح سكان القلعة!
يستغرب المستمعون إلى هذا الطرح وتبدو علائم الدهشة مترافقة بسؤال: …ولكن الروس لا يضمرون نوايا سيئة مثل الأميركان، ويأتي الجواب: هي المصالح، الروسي في حالة انتقال من هامشية إلى ندية القطبية العالمية، وهو يلعب ورقة السياسة والقوة في آن معاً، من هنا لا بدّ له من تلبية بعض المطالب الأميركية وإنْ جاءت مناقضة في مرحليتها للمصالح السورية، أو لا تتفق مع وجهة القيادة السورية، في لعبة الأمم على الساحة السورية تصبح المصالح السورية في المرتبة الثانية حتى وإنْ قال الروس إنّ لها الأولوية، القيادة الروسية أعلم بقدراتها وحدود القوة التي يمكن استغلالها، وقد تجد نفسها مضطرة إلى المسايرة مع ما يتنبّأ به قادة الغرب من مصير للدولة السورية!
يلفت انتباهنا تذكير صاحبنا بخبر قد لا نكون أوليناه الاهتمام الحق، تحليلاً وفهماً، قبل أيام هاتف الرئيس الأميركي نظيره الروسي وأوردت وسائل الإعلام ضمن ترجمة ما قال إنّ سورية تتفسّخ… هل انتبهتم إلى هذا الأمر، وهل يتفسّخ سوى الجثة الهامدة… هل ينظر الغرب إلى سورية أنها جثة هامدة وأنه يجب البحث عن البديل ومعاملتها معاملة الموتى!
يتابع: إنشاء القاعدة الأميركية على الأرض السورية في منطقة القامشلي بدأ واستكمل تحت أنظار ومراقبة القوات الروسية وبمواجهة منطقة تواجدهم، وبعد إعلان أوباما دعم قواته المتواجدة هناك بعناصر جديدة جرى تحديد عديدها بمائتين وخمسين جندياً، قال بيان روسي إنّ السلوك الأميركي يشكل عدواناً على السيادة السورية وانتهاكاً للقانون الدولي، في المقابل تنسّق القيادة الأميركية مع الروس لتفادي قصف مناطق تواجد هذه القوات، وكأنّ عمليات القصف من حق الروس وليس من حق القيادة السورية صاحبة الشأن، ألا يؤشر ذلك إلى أمر يدفع إلى الشك وطرح قضية السيادة الوطنية على طاولة البحث؟
هل أصبح قرار محاربة الإرهاب من اختصاص الدول الكبرى التي تفرض وصاية على المنطقة، وهي من يحدّد أين مسموح القصف والردّ وأين الممنوع، وهي من يفرض توقيت الهدنة وإلزام الجيش السوري بها رغم خروقات العصابات المسلحة عبر تحريف من يتحمّل مسؤولية الخرق لحماية الأدوات بما في ذلك أزلام تركيا وقطر والسعودية وهم من «النصرة» و»القاعدة»…؟ والسؤال: هل ما زلنا نمتلك القدرة على اتخاذ القرار والردّ دفاعاً عن شعبنا في حلب وفي كلّ مكان من الأرض السورية؟ أم أننا فقدنا ذلك تبعاً لعدم قدرتنا على دعم صمود وتموين وإمداد المناطق المحاصرة من قبل العصابات إلا بالواسطة الدولية وتقديم ترضية لهؤلاء يمكن اعتبارها انتقاصاً من السيادة خصوصاً في ما يتعلق بمرتكبي جرائم العدوان على أمن الدولة والشعب؟
من ضمن الأحاديث يتمّ نقد الحديث الروسي عن ضرورة إغلاق الحدود التركية في وجه تهريب الرجال والأسلحة، ويعلمون أنّ تركيا متورّطة في الحرب وأنّ أهمّ الأدوات والقذائف التي يتمّ استخدامها ضدّ أهل حلب في كلّ أحيائهم الآمنة يتمّ تصنيع أغلبها في تركيا وخاصة الصواريخ الثقيلة، ومن السهولة بمكان على الاستخبارات الروسية أو الأميركية تحديد نوع القذائف وعياراتها ومصادرها عبر فحص بقاياها، من هنا يمكن تحديد نوع القذيفة التي أصابت مشفى الضبيط للتوليد وأجهزت على عشرات الأبرياء من النساء الحوامل أو اللواتي وضعن حملهنّ حديثاً، وهي جريمة يجب أن يهتز لها الضمير العالمي لو كانت خارج سورية، لكن الضمائر تجاه المعاناة السورية في إجازة مفتوحة… القرار الروسي القديم تضمّن أنّ كلّ آلية تخترق الحدود السورية هي هدف مشروع… وضربوا صهاريج النفط… فلماذا لا يتمّ استهداف شاحنات الذخائر…؟ العصابات لا تنقل إمداداتها على ظهور البغال، ولا يمكن قبول ذريعة التسلل الليلي وإلا فعلى الجيوش السلام، كلّ المسالك والطرق معروفة ويجري تصويرها ومراقبتها، وقد يكون عدم ضربها أو التصدّي لمنعها منصوص عنه في اتفاقات سرية لا تعلم عنها الدولة السورية، وإذا كان الروسي ملتزماً بعدم التعرّض لها فلا يجوز منع الطيران السوري من فعل ذلك، بل يجب تقديم المعلومات الضرورية له من ضمن اتفاقية ضمان أمن الدولة السورية ومنع تقسيمها والحفاظ على مؤسساتها الشرعية.
الجدل الذي لا يمكن أن يتوقف، لن يصل إلى اتفاق في الرأي حول دوافع العصابات لتطوير عمليات قصف المدينة الأهمّ في البلاد، وإلحاق الخسائر البشرية بالسكان بشكل غير مسبوق ويجيء ذلك انتقاماً منهم لعدم قبولهم أن يكونوا البيئة الحاضنة، كما أنّ ما يحصل هو بأمر عمليات مباشر من الدول المشغلة وهي معروفة وعلى رأسها تركيا وقطر والسعودية، البعض يقول إنها بداية النهاية لتسوية دولية ما تزال تفاصيلها مجهولة بغضّ النظر عن الرغبة المعلنة في إيصال العملاء إلى السيطرة على الحكم وعلى قاعدة التبعية ومن ذلك سقوط حلب بيد المعارضات! وبعض آخر يعتقد أنها البداية الحقيقية لحرب لا تبدو نهايتها في الأفق القريب وهي خاضعة لتجاذبات القوى الدولية في زمن العطالة الأميركي إذ يشبّهون الرئيس وإدارته بالبطة العرجاء، وتحاول الدول العميلة التطاول والتنمّر عليها، أما الحقيقة فهي أنّ المستفيدين من استمرار الخراب والتخريب هم الأغلبية على المستويين الدولي والعربي وجزء من المحلي على الضفتين، استجابة لمصالح ذاتية آنية، وبعيداً عن وعي واستشراف النتائج على المدى المستقبلي لأجيال لا يدركون ما قد تعانيه من آلام وما تواجهه من صعوبات.
من حق الشعب السوري أن تصان حقوقه، وهذا لا يتأتى إلا بامتلاكه ما يكفي من القوة، وهي وحدها من يجعل هذا الحق، حقاً في معترك الأمم.