أشرف الخمايسي يروي رحلة «انحراف حاد» عن الموت إلى الخلود
كتب سامح الخطيب من القاهرة: الحياة تشبه رحلة قصيرة يفنى البشر في نهايتها. لكنّ الروائيّ المصريّ أشرف الخمايسي يطرق أبواب الخيال ويستدعي سؤالاً فلسفياً ربما يقبع خاملاً في أحد أركان العقل الباطن «هل يمكن أن يخلد الإنسان؟». ويستدرج الخمايسي القارىء إلى عالم يعجّ بالمتناقضات والانحرافات الحادة عبر رحلة في حافلة أجرة ميكروباص هي تجسيد للدنيا بغرورها وتنوّعها، وتشخيص للحياة بأفراحها وأتراحها، ليصل راكبوها إلى نهاية الرحلة حيث الموت المتسرب إلى شرايين الحياة أو الحياة التي تسير مذهولة في ركاب الموت وتقف حائرة أمام فتنة اقتناص الخلود.
بين نقطة الانطلاق من قلب العاصمة المصرية المزدحمة القاهرة ومحطة الوصول المفترضة في أسيوط في جنوب مصر، يستعرض الخمايسي مجموعة من القضايا مثل الفتنة الطائفية والاغتصاب وأطفال الشوارع والعشوائيات لينفذ منها إلى أسئلة فلسفية أكبر عن العقائد والثوابت وجنوح العقل البشري.
رواية «انحراف حاد» الصادرة لدى «الدار المصرية ـ اللبنانية» في 400 صفحة قطعاً وسطاً هي الثالثة للخمايسي بعد «منافي الرب» التي اختيرت ضمن القائمة الطويلة لجائزة «بوكر» العربية عام 2014 و»الصنم». كما صدرت للخمايسي 47 عاماً ثلاث مجموعات قصصية، وفاز بالجائزة الأولى في مسابقة «أخبار الأدب» للقصة القصيرة في 1994.
يقول الخمايسي: «هناك فرق بين الكاتب والمبدع. الإبداع أن تأتي بالجديد والجديد في فكرة الميكروباص هو الدعوة إلى الخلود. يمكن أن تناقش الثوابت في الإبداع، والإبداع لا يجب أن يحاكمك عليه أحد. هو عبارة عن حلم الأمم».
حشد الخمايسي مسافريه داخل الميكروباص من ثنايا الواقع المصري وقدم نماذج تبدو عادية يراها القارىء يومياً مثل شيخ أزهري وقسيس ومجند في الجيش وسائق سيارة أجرة لكنه صبغ كلاً منهم بفلسفة خاصة ثم ربطهم بخيط رفيع.
يضيف الخمايسي: «يمكن أن تقابل شخصاً ما مصادفة ويكون له دور مؤثر في حياتك من دون أن تدري. مصائرنا تتقاطع وتتشابك. هذا جزء مما تريد الرواية قوله».
وضع الخمايسي في بؤرة الحوادث شخصية خارقة حملت اسم «صنع الله» وتحمل الكثير من المعاني والدلالات واستخدمها في التفاعل مع باقي شخوص الرواية لطرح أسئلته الفلسفية. يقول: «صنع الله هو شخصية لطرح الأسئلة. هل هو حقيقي أم وهمي؟ هذا متروك للقارىء. هل يحتاج الإنسان إلى نبي كي يدفعه إلى التفكير؟ الأسئلة موجودة أمامنا طوال الوقت».
يفرّق الخمايسي بين نوعين من الكتابة، هما الرواية وما يعتبره سيرة ذاتية موضحاً: «هناك من يكتب سيرة ذاتية عن وقائع عايشها أو مشاهدات مرت به ويقول إنها رواية وأدب، لكني أرى أن الرواية تأخذ وقائع عايشها المؤلف ويهيئها لأن تكون أدباً حقيقياً».
يبدأ الرحلة من موقف سيارات مكتظ بالمسافرين في قلب القاهرة لتأخذ القارئ ذهاباً وإياباً في الميكروباص إلى أماكن متعددة مثل اسطبل عنتر وحي الحسين ومحافظة سوهاج في صعيد مصر ووحدة عسكرية على طريق القاهرة-السويس.
تتلاحق حوادث «انحراف حاد» في إيقاع سريع يسابق عجلات الميكروباص ويثير فضول القارىء لمعرفة مصير أبطال الرواية، لكنه يجد نفسه في الصفحة الأخيرة أمام رحلة جديدة، وهذه المرة داخل عقله، للتفكير في نهاية هذا العمل الفلسفي.