هل يستمر الاستقرار الداخلي في ظل التطورات السورية؟
محمد حمية
يبدي كثيرون استغرابهم لمستوى الاستقرار الأمني في لبنان في الآونة الأخيرة، رغم الفراغ في رئاسة الجمهورية منذ عامين وتعطيل المجلس النيابي والشلل الذي يضرب الحكومة واستمرار مسلسل الفضائح في المؤسسات، فضلاً عن انتظار التنظيمات الإرهابية المنتشرة في الجرود وعلى الحدود الفرصة للانقضاض مجدداً إلى الداخل في ظل العواصف التي تجتاح المنطقة وفي مقدمتها سورية.
فهل سيستمر هذا الاستقرار وإلى متى؟ وهل هناك رابط بين ذلك وبين الوضع في سورية؟ وهل تجاوز لبنان خطر الإرهاب والفتنة الأهلية، أم أن الجمر لا يزال تحت الرماد؟
يجزم مسؤول سياسي كبير سابق في الدولة لـ«البناء» بأنه «عندما تنتهي الحرب على سورية بفشل الرهانات الخارجية على إسقاط النظام الحالي فيها وتقسيمها سترتدّ «إسرائيل» إلى لبنان وستنقضّ على المقاومة من خلال إشعال الفتنة الأهلية»، ويشرح قائلاً: «رغم الاستقرار الأمني النسبي الذي يبدو في الظاهر بعد تطهير القسم الأكبر من الحدود اللبنانية مع سورية من التنظيمات الإرهابية، إلا أن لبنان يقع على برميل بارود وأرضه خصبة للفتنة وكل الظروف الداخلية والإقليمية مهيأة لجرّه إلى أتون الفتنة لا سيما السنية الشيعية التي تهمد وتستيقظ وفقاً لرياح المصالح الخارجية».
ينطلق المسؤول نفسه من مخاوفه تلك من خبرته العسكرية الطويلة ومعاصرته أهم الحقبات السياسية والأمنية والعسكرية التي مر بها لبنان منذ الحرب الأهلية عام 1975 إلى اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري 2005 وإبان حرب تموز 2006، ويرى بأن «الخطر الأكبر يكمن بتجذّر الطائفية والمذهبية أولاً منذ ما بعد التحرير عام 2000 وحتى اليوم والتي كرّستها قوانين الانتخابات المتتالية والمتوارثة لا سيما قانون الستين والعوامل الخارجية. أما الخطر الثاني بحسب المسؤول المذكور فهو وجود قنبلة نار مُعَدّة للتفجير في أي وقت يراه الخارج مناسباً متمثلة بوجود أكثر من مليون ونصف نازح من جنسيات متعددة وليس فقط من السوريين، ومن بينهم أكثر من 150 ألف أصولي وتكفيري يتغلغلون بين مخيمات النازحين وبين القرى والبلدات فضلاً عن العاصمة بيروت، وهذا العدد كافٍ لإحراق لبنان عند تلقيهم إشارة الانطلاق لتنفيذ عمليات إرهابية».
ويلقي باللائمة في إدخال هذا العدد الهائل من النازحين إلى لبنان على قوى 14 آذار وعلى سياسة النأي بالنفس وإعلان بعبدا خلال عهد الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، ويصف ذلك بـ «المؤامرة المخطَّطة» لأهداف متعدّدة، منها وضع التنظيمات الإرهابية في مواجهة حزب الله لإشغال المقاومة في الداخل تمهيداً لإنهائها. وهذا هدف أميركي «إسرائيلي» قديم جديد ومستمرّ.
ويعتبر المسؤول أن «إسرائيل تراقب الوضع السوري عن كثب وتنتظر سقوط النظام والرئيس بشار الأسد منذ فترة، لكنها بعد فشل ذلك تسعى من خلال الضغط على الولايات المتحدة وبتحالفها مع تركيا والسعودية إلى تقسيم سورية وتطييفها وتقسيم السلطة بين المعارضة والحكومة لتقليم أظافر النظام الحالي وبالتالي إضعاف موقع سورية وجيشها ومؤسساتها». لكن المسؤول يجزم وبمعرفته بالقيادة السورية والشخصية بالرئيس الأسد بأن الأخير لن يسمح بذلك ولن تمرّ عليه هذه الألاعيب الدولية التي تصب في النهاية في صالح «إسرائيل».
ويبدي اعتقاده بأن «سبب عدم تحريك إسرائيل ورقة الفتنة في لبنان هو انتظار مسار التطورات في سورية بأن تأتي لصالحها، لكن في حال حصل العكس فسترتدّ إلى لبنان من بوابة الفتنة وليس بحرب عسكرية أيقنت قيادتها العسكرية والسياسية بالعجز عن حسمها بعد هزيمة تموز 2006.
ويبدي هذا المسؤول الكبير مخاوفه على الرئاسة في لبنان ويستبعد انتخاب رئيس في المدى المنظور، ويقرأ التطورات الميدانية والسياسية الأخيرة في سورية على أنها مؤشر بأن أمد الرئاسة سيطول. ويشدّد على أن «حزب الله الذي لا يريد الفتنة لا يستطيع بمفرده منعها، لأنه عندما تستعمل كل عوامل التفجير الموجودة في الداخل فلا أحد يستطيع حينها وقف تدحرج كرة نار الفتنة»، ويدعو كل الأطراف السياسية إلى إقرار قانون انتخاب جديد يشكل ضمانة وطنية ويصون لبنان من الأعداء الخارجيين.
ويختم المسؤول السابق ذكره حديثه بدعوة فريق المقاومة إلى الحسم وعدم الدخول مجدداً في التسويات «المغرية» مع الطرف الآخر التي ساهمت بوصول لبنان إلى الوضع الحالي ويدعوه للعزوف عن عقد أي تحالف سياسي أو نيابي جديد شبيه بالتحالف الرباعي الذي وصفه بـ«الخطيئة».