المعارضة السورية.. بين النازية والانتهازية
جمال محسن العفلق
كم هي فضفاضة كلمة معارضة، التي يطلقها الإعلام على الفريق الآخر الذي يساهم في تدمير سورية وقتل أهلها، وكم هو مظلوم المعارض الإصلاحي الذي وضع في نفس دائرة المعارضة التي تتلقى تعليماتها وأموالها من أيدٍ ملطخة بالدماء، لا سيما من الولايات المتحده الأميركية صاحبة مشروع القتل المستمرّ لشعوب العالم الثالث.
هذا القتل الممنهج القائم على أساس مصالح الرأسمالية العالمية وتجار السلاح بالدرجة الأولى، كما تحرص الولايات المتحدة دائما على حماية ذراعها العسكري الممثل بالعصابات الصهيونية التي لم تكن أقل دموية من داعميها في الغرب، ولا الداعمين الجدد لوجودها من العرب.
ففي وقت يقاتل الشعب السوري على الجبهات العسكرية والسياسية والاقتصادية، نجد المعارضة المؤجّرة تعيش في فنادق الدرجة الأولى، وتتنقل بين العواصم الغربية وتؤمّن لأسرها إقامة في بلدان أوروبا، أو في قصور دول عربية تموّل آلة القتل العاملة في سورية.
المعارضة التي صنعها الإعلام، وكتب بياناتها الأولى خبراء من أجهزة الاستخبارات، وقاد تحركاتها في كلّ دول العالم مستشارون من أميركا وفرنسا واللوبي الصهيوني، ودفع بالمال لها دون حساب، هي اليوم التي تدّعي إنها تمثل الشعب السوري، ويُقاتل من أجلها كلّ الجماعات الإرهابية من الغوطة الشرقية حتى شمال حلب، وتنفذ العمليات الإرهابية باسمها لكسر إرادة الشعب السوري وزيادة عدد الشهداء والضحايا والخسائر.
هذه المعارضة التي تتجاهل جرائم «داعش» و»النصرة»، وتصفق لـ»جيش الإسلام» و»أجناد الشام»، وترحب بالموت لكلّ من يذهب إلى عمله، ولقتل طالب جامعي رفض الانقطاع عن الدراسة…
هذه المسماة معارضة هي اليوم أشدّ نازية من النازية نفسها التي كتب عنها التاريخ ووصفها بأبشع الصور. فالنهج الذي تسير عليه هذه المجموعات لا هدف له إلا القتل من أجل القتل، في المقابل تعيش هذه الجماعات حالة نادرة من الانتهازية والوصولية لم يشهدها التاريخ السوري ولا التاريخ الإنساني، فكلّ الأعضاء العاملين فيها يتسابقون من أجل الحصول على المكافأة المادية من المشغل، ولا يعنيهم الهمّ السوري ولا وجع المواطن، فكم هو غريب أن تنشر مواقع تابعة لما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن عن التردّي الاقتصادي في سورية، وينكر هذا الائتلاف أنّ سبب هذا التردّي هو الضغط الهائل على الاقتصاد السوري بالإضافة إلى الحصار الاقتصادي الظالم على الشعب السوري، ورفض وفد المعارضة في لقاء جنيف الأخير أن يرفع هذا الحصار الاقتصادي بحجة أنّ التخفيف عن السوريين يصبّ في مصلحة الحكومة السورية.
لقد شرعت المعارضة السورية ومنذ بداية الحرب على سورية كلّ الجرائم بحق الشعب السوري وهي التي طلبت من الناتو قتل هذا الشعب وإبادته، وهي التي لا تزال تعيش وهم الوصول إلى السلطة على دماء وجثث السوريين، وهي التي تلتزم الصمت أمام جرائم «داعش»، فمشكلة هذه المعارضة والتي تميل إلى الجماعات الإسلامية وتدعمها أنها لا تقرأ الواقع كما هو، ولم تتعلّم من تجارب الآخرين، فكم خدم بن لادن الولايات المتحدة، وكم خدمت طالبان أميركا، واليوم أين هو بن لادن وأين هي طالبان؟ انّ من طبيعة أميركا استخدام الخونة لأوطانهم، ومن طبيعتها أيضاً التخلص من هؤلاء الخونة عند انتهاء المهمة، ومع هذا فإنّ المعارضة السورية غارقة في خدمة المشروع الأميركي، وساعية من أجل تحقيقه أكثر من الأميركان أنفسهم، كيف لا وماكينة الدفع لا تتوقف والأموال تصل، والطائرات الخاصة تنقلهم من عاصمة إلى أخرى.
لم يعد مجدياً أن نتحدّث سياسة اليوم ونحلّل الوقائع وندرس التصريحات، فكلّ ما يصدر عن الأطراف الدولية والاقليمية هدفه تشريع قتل السوريين وحماية العصابات الإرهابية، ففي فيينا لم يناقش المجتمعون الإرهاب، وكيف يجب قطع الإمداد عنه ومحاسبة الدول المموّلة له، بل ناقشوا كيف يجب حماية الفصائل الإرهابية ومنع قصفها واعتبار بنادقها «بنادق ثورية»، فيما الجميع يعلم أنّ هذه البنادق لا تختلف عن أيّ بندقية إرهابية من أفغانستان إلى ليبيا.
يُسيطر على المعارضة السورية في الخارج تيار نازي دموي يعشق القتل ويبرّره، هذا التيار يتبع لنفس المدرسة التي تخرّج منها القادة الصهاينة، الذي عملوا على إبادة الشعب الفلسطيني ومارسوا فنون القتل في جنوب لبنان هذه المدرسة التي تعتبر أنّ «داعش» لا تشكل أيّ خطر على المنطقة وتعتبر الخطر الحقيقي هو المقاومة ورفض الاحتلال. فكيف سننتظر من مثل هؤلاء أن يعودوا إلى الصواب؟ وأنْ عادوا فهل سيقبل الشعب السوري بعودتهم؟
يعلم الجميع أنّ الجيش السوري والمقاومة في أفضل حالاتهم الميدانية اليوم، ويعلم الطرف الآخر أنّ مسألة بقائه هي مسألة وقت مرتبطة باستمرار التمويل وبقاء الدعم الإعلامي وتبدّل مصالح الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تخطط إدارتها الحالية المماطلة إلى حين خروج رئيسها من البيت الأبيض لترك هذه الحرب للخلف القادم، وهو في الغالب لن يكون مختلفاً بالسياسة اتجاه المنطقة ولكنه قد يبدّل آليات العمل.
وإذا كانت المعارضة اليوم تقول إنها لن تحاور الحكومة السورية لأنّ هذه الحكومة متورّطة في الحرب، فعلى المعارضة أن تعلم أنها متورّطة بجرائم حرب وخيانة عظمى لأنّ المقارنة بين جيش يدافع عن وطن وبين عصابات تريد تمزيق الوطن هي مقارنة غير أخلاقية أصلاً ولا يمكن طرحها اليوم. ومسألة وحدة الأراضي السورية التي طرحها وزير الخارجية الاميركي جون كيري لا تعني بالنسبة للسورين شيئاً، فوحدة سورية هي من المسلّمات لدى السوريين، ففي عهد الاستعمار الفرنسي جرت محاولة لتقسيم سورية بالقوة، لكن السوريين تصدّوا لتلك المحاولات وحفظوا وحدتها ببطولاتهم وتضحياتهم، وهذا من طبيعة الأشياء ولا منّة فيه لأحد علينا.
في الشارع السوري نكتشف الإجابة الحقيقية عن هذه المعارضة، والشعب السوري يدرك أنّ هؤلاء عملاء وليسوا سوريين بالمعنى الوطني وأنْ حملوا الهوية السورية، فتقرير مصير سورية يبدأ بالقضاء على الإرهاب والبيئة الحاضنة له والمؤتمر الوطني السوري الذي سينهي هذه الحرب لن يكون إلا في دمشق.