هل تصدر فتوى مقاطعة المصارف المتشدّدة؟
د.نسيب حطيط
يطلّ عيد المقاومة والتحرير في ذكراه السادسة عشرة وبدل أن تكافأ المقاومة من حكومتها وشعبها والمؤسسات التجارية والمصرفية والمدنية، فإنها تكافأ بالحصار والعزل المالي والاقتصادي وبشكل تعسّفي يطال كلّ من يجاهر بتأييدها أو يتضامن معها ليتحوّل كلّ «شيعي» متهماً حتى تثبت براءته التي لن تتحقق، وذلك بسبب الحرب الشاملة التي تشنّها أميركا وحلفاؤها من العرب والصهاينة والغربيين والتكفيريين على محور المقاومة في الميدان السوري، ويستهدفون بشكل مركّز المقاومة في لبنان بسبب تحميلها مسؤولية إفشال وعرقلة مشروع الشرق الأوسط الأميركي الجديد منذ انتصارها في حرب تموز وحماية لبنان والحؤول دون افتراسه من التمساح الأميركي او حلفاء السعودية من السياسيين او التكفيريين.
لقد عجزت أميركا وحلفاؤها عن هزيمة المقاومة في لبنان وسورية عسكرياً فلجأت الى الحرب الناعمة القاتلة المتمثلة بقانون الحظر المالي لزعزعة الاستقرار الاقتصادي والأمن الاجتماعي للبيئة الحاضنة للمقاومة وتجويعها وهدم هيكلها التجاري والمصرفي ووضع المؤيدين للمقاومة بين خيارين، إما الإنفضاض عن المقاومة وتركها معزولة لتواجه قدرها المأساوي، أو التعرّض للعقوبات المالية والمصرفية وصولاً إلى الإفلاس والانهيار المالي الذي سيفجّر النسيج الاجتماعي في وجه المقاومة ويفتح الأبواب والنوافذ أمام الاجتياح الأمني والسياسي للقضاء على المقاومة نهائياً، كما حصل مع المقاومة الفلسطينية عام 1982.
لقد انخرطت المصارف اللبنانية في الحرب المالية على المقاومة بقصد او بغير قصد بذريعة الالتزام بالقانون الأميركي وتجاوزت محدّداته أكثر مما يريده الأميركيون أنفسهم حيث تحوّلوا ملكيّين أكثر من الملك، وذلك بسبب خوفهم من العقوبات المالية الأميركية أولاً، وبسبب انتماء معظم مالكي المصارف ومجالس الإدارة الى الخط السياسي المعارض للمقاومة، وفي أحسن الحالات الحياد السلبي، لكن المصارف اتخذت خطوة خطيرة ستعاقَب عليها من قبل عملائها وزبائنها الذين سينفضّون عنها للجوء إلى مصارف تلتزم بالحدّ الأدنى من القوانين الأميركية دون مبالغة، حيث بادرت بعض البنوك الى إغلاق حسابات أعضاء اللجنة الطبية لإحدى المستشفيات مع أنها ليست تابعة لحزب الله!
وهنا نسأل جمعية المصارف:
ـ ماذا لو بادر كلّ أنصار المقاومة وبيئتها الحاضنة إلى سحب ودائعهم من المصارف الملتزمة بالقوانين الأميركية؟
ـ ماذا ستعمل المصارف إذا أمتنع المدينون من تسديد ديونهم؟
ـ إنّ التهديد ببيع الشقق والعقارات المرهونة للمصارف في الظروف المتشنّجة سيخفض أسعارها، ولا تستطيع المصارف استعادة أموالها… ومن سيتجرأ على شراء هذه العقارات الضخمة؟ وإنْ اشتراها فهل يستطيع استثمار عقارات صادرتها المصارف دون وجه حق…؟ أم سيخسر المشترون أموالهم لإنقاذ المصارف؟
ـ إذا انهارت أسعار الشقق والعقارات التي تملكها شريحة لبنانية كبرى، ماذا سيكون مصير سوق العقارات في لبنان بشكل عام وهو القطاع الذي أصابه الجمود والشلل منذ سنتين وأكثر؟
ـ إنّ المصارف تخنق نفسها وتنتحر مالياً ويمكن أن تدفع ثمن مغامرتها كلّ ما جنته من سندات الخزينة والفوائد المرتفعة على القروض، خاصة انّ القروض الشخصية ذات الفوائد العالية التي يأخذها الموظفون وذوي الدخل المحدود، والتي يمثل مناصرو المقاومة أكثر من خمسين بالمائة منهم، فماذا سيحلّ بالمصارف اللبنانية إن مُنع هؤلاء او امتنعوا عن التعامل مع المصارف…؟
ـ من سيحمي المصارف من حالة الكراهية والحقد من الذين تمّ بيع بيوتهم ومتاجرهم وعقاراتهم وتُركوا في الشارع مع وعائلاتهم بسبب العقوبات الأميركية، ودون ارتكابهم أيّ ذنب، ومع ذلك يبادر أصحاب المصارف إلى اغتيالهم مادياً؟
ـ ماذا ستفعل المصارف إذا بادر كلّ المدينين الى إعلان الإفلاس التجاري وفق القوانين المرعية الإجراء…؟ فهل ستسجنهم المصارف بعشرات الآلاف؟ وإذا سجنتهم من سيسدّد لها ديونها؟
الظاهر انّ بعض المصرفيين ورعاتهم يتصرّفون في السياسة كما يتصرّفون مع طالب القرض كعبد ينفّذ ما يقولون دون اعتراض، ويوقع دون أن يقرأ الأوراق الطويلة ذات الحروف الصغيرة والتعهّدات الكثيرة التي تقيّده لأنه مضطر لذلك بسبب الحاجة، او لتوفير قسط دراسي، أو غرفة ينام فيها، او تسديد فاتورة استشفاء، لكنهم لا يعلمون انّ السياسة والحرب والأمن المالي مختلف تماماً، وأنهم الحلقة الأضعف، فرأس المال جبان ولا يستطيع العمل إلا في الأماكن المستقرة والآمنة، ومع ذلك يشعلون الحطب الأخضر لإثارة الدخان والحرائق التي لن يكونوا بمأمن منها.
فهل سيبادر العقلاء والوطنيون من أصحاب المصارف إلى استدراك المغامرة قبل وقوع الكارثة الشاملة…؟
سياسي لبناني