هل بدأت السعودية بالنزول عن الشجرة؟
ناصر قنديل
– في ظاهر الأمور التي رشحت بعد اللقاء الجامع لقطبين حاسمين في الحرب السورية، وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف ووزير الخارجية السعودي عادل الجبير، لا زال الخلاف قائماً وكبيراً والسعودية لا تزال متمسّكة بموقفها العدائي من الرئيس السوري، ولا تزال تضع هذا الموقف عقبة أمام التوصل لأيّ تسوية تطلق العملية السياسية تحت سقف القرارات الأممية وتمنح الهدنة بأحكامها التي تستثني داعش والنصرة فرصة الحياة.
– في العمق مَن يتابع الموقف الأميركي المعلن قد لا يجد أيضاً تعديلاً جوهرياً في الخطاب الأميركي تجاه الرئيس السوري، لكن ذلك لم يشكل مانعاً أمام الإعلان الأميركي الروسي عن تفاهمات متكرّرة كانت الأساس في القرارات الدولية وفي الهدنة ورسم أحكامها وآليات تنفيذها، فهل ما جرى من تفاهمات كان مجرد أوهام وافتراضات، أم أنها تفاهمات تحتمل الاستمرار في إصدار مواقف متباينة حول شأن كالرئاسة السورية، طالما تمّ الاتفاق على أنه لم يعُد مقبولاً اعتباره شأناً دولياً أو إقليمياً شرطياً لقيام المساعي المشتركة لصناعة التسوية، بما يعنيه ذلك حق كلّ فريق باتخاذ الموقف الذي يناسب سياساته ومصالحه تجاه الرئاسة السورية، لكن شرط التسليم بأنّ التعاون لإنتاج مبادرات دولية للحلّ السياسي أو للحرب على الإرهاب لم يعد مقبولاً ربطه بشرط موقف خارجي من الرئاسة السورية التي تمّ الاتفاق على أنها من زاوية القرار لا الرأي، شأن يقرّره السوريون، سواء بتفاهمات ينتجها التفاوض أو إذا تعذّر وهو متعذّر فعلاً، فعبر صناديق الاقتراع التي ستنفتح لانتخاب المناصب الدستورية وفقاً لدستور جديد تنتجه العملية السياسية التي تبقى هي الأخرى ملكاً للسوريين، ويملك الخارج حق الاجتهاد والاقتراح فيها، كما تفعل روسيا بما تنشره حول مقترحاتها لدستور جديد لسورية، فهل ما ينطبق على أميركا صار ينطبق على السعودية، فصار كلامها عن الرئاسة السورية في خانة الرأي لا الاشتراط من موقع خارجي للتعاون في صناعة الحلّ؟
– ما يجعل هذا الاحتمال مفتوحاً ووارداً هو مجموعة مؤشرات تظهر إلى جانب الخطاب السعودي التصعيدي حول الرئاسة السورية، فالسعودية التي وصفت التموضع العسكري الروسي في سورية وما رافقه مما عرف بعاصفة السوخوي بالعدوان والاحتلال، ووعدت بأن يلقى العقاب والردّ والمناسبين وبشرت روسيا بأفغانستان ثانية، بات وزير خارجيتها يصرّح بتقدير دور موسكو البنّاء في صناعة التسوية والحلّ السياسي وحفظ الاستقرار في سورية. والسعودية التي كانت تصرّ على حصرية تمثيل جماعة الرياض للمعارضة السورية وافقت في موسكو على بدء هذه الجماعة لحوار عاجل مع مكونات المعارضة الأخرى، وخصوصاً الجناح الكردي منها، والمكونات التي تدعمها كلّ من موسكو وواشنطن، ويعلن قادة جماعة الرياض أنّ هدف هذه الحوارات هو توسيع الوفد المفاوض ليصبح أكثر تمثيلاً. والسعودية التي خاضت حرباً سياسية ودبلوماسية وإعلامية لتبييض جبهة النصرة وتقديمها كشريك حتمي لا مفرّ منه للفوز بالحرب على «داعش»، وكمكوّن مطلوب للشراكة في العملية السياسية، وافقت ولو على مضض على بيانَي ميونيخ وفيينا اللذين يضعان «النصرة» خارج أحكام الهدنة والعملية السياسية ويربطان مصيرها بمصير داعش، والأهمّ أنّ السعودية شهدت الطلب الأميركي بتمديد المهلة التي اتفقت عليها مع موسكو لفك التشابك بين الجماعات المسلحة المنخرطة في جماعة الرياض وجبهة النصرة، ولم يقلّ الجبير رداً على كلام لافروف عن هذا التمديد وهدفه شيئاً.
– تفعل السعودية كلّ ذلك، وهي ترفع صوتها عالياً حول مواصلة الخلاف مع موسكو، في شأن الرئاسة السورية، كما تفعل في المحادثات اليمنية فيصرخ جماعتها بأعلى أصواتهم عن الانسحاب من المفاوضات احتجاجاً على ما يصفونه بتعنّت الفريق الآخر، لكنهم لا يغادرون الكويت ثم يجدون العذر للعودة، فهل نجحت واشنطن برسم خارطة طريق للنزول السعودي عن شجرة التصعيد وذهب الجبير إلى موسكو لتلقي أول الدروس في نقلات الخطوات الأولى في مدرسة الباليه القريبة من الكرملين في مسرح البولشوي الذي دعاه لافروف لحضور أول عروضه الصيفية لمسرحية بحيرة البجع بصفته ضيفاً مميّزاً؟