جدل الدستور.. «السوري»
نظام مارديني
سيُنهي النفي الذي أعلنته رئاسة الجمهورية السورية الجدل الذي كان قد أحدثه ما قيل إنه مسودة روسية لمشروع دستور لسورية، ومن ثم ردّ دمشق بتعديلات عليه.
في البداية عند قراءة مسودة الدستور هذه تبادر إلى ذهني فوراً ما إذا كانت فعلاً موسكو هي من تقدّمت بهذا المشروع، أم انه صادر من الدوحة او الرياض أو أنقرة أو «تل أبيب»، أو عبر مراكز دراسات أميركية مشبوهة مركز كارتر ؟ وهذا الدستور لا يمكن أن يكون صالحاً، إلا للكائنات التي وجدت ما قبل التاريخ، وربما ما قبل الجغرافيا!!
فإذا كان هذا «المشروع» الذي تحدّث عنه الزميل إيلي حنا في «الأخبار» قد نفت علاقتها به روسيا وحدّدت منشأه ومنشئيه، فكيف يتابع حنا قصته بـ «تعديلات دمشق» عليه؟ وما مدى مصداقية هذا المصدر وهذه التعديلات؟ مع اعتبار أن أسلوب القيادة السورية بخصوص أي مشروع هو إنشاء المشروع من أساسه وليس اعتماد نسخة خارجية والتعديل عليها. فكيف تستقيم فكرة أن تُجري دمشق تعديلات على مشروع خارجي، فكيف لو كان من جهة معادية؟
إجراء تعديلات على مشروع معناه القبول بصلاحية الجهة التي وضعت هذا المشروع. والقبول بالخوض معها بهذا الشأن السوري وغيره!
والآن يبدو الأمر واضحاً أن تسريب هذه المسودة الدستورية باعتبارها صادرة عن موسكو هي محاولة للقوطبة على صياغة الدستور الجديد الذي تعمل له دمشق وبأيدٍ سورية.
نودّ أن نوضح أن الدستور والقوانين المتعلقة به والمشتقة منه لا يبنى على عقد، كما يُظن، بل على مبادئ وقواعد وفلسفة مجتمعية وحقوقية ومناقبية أخلاقية تضبط منطق التشريع فيه. ولا يُبنى على مخاوف وعقد منبثقة عنها.
باقتراح مسودة الدستور «التفتيتي» الذي نشرته الزميلة «الأخبار»، والذي يتعامل مع النسيج السوري، باعتباره جماعات وأعراقاً ومذاهب، نودّ التنبيه إلى أن كل مَن يعتمد على الأجنبي في صياغة حلول لمشاكل بلاده فهو خائب، لأن أحداً لم ينَل من الأجنبي إلا الوعود ثم الخراب والويلات، فلماذا الاستمرار بالرهان عليه؟
لا يمكن الحديث عن إصلاح النظام السياسي السوري من دون رؤية المبادئ، والمبادئ التي يجب اعتمادها عند تنظيم التقسيمات الإدارية في الدولة وطريقة التعامل معها كأفكار لمقدمة الدستور تضع المشرِّع أمام نظام ونهج لبناء مجتمع على هوية وطنية «لوطن» له اسم ووصف محدّد. وتكون ناظماً وضابطاً لمواد الدستور كله وما يتفرّع عنه. ويؤسس لعلاقة المواطن كعضو في الدولة على أساس الانتماء للوطن وليس لـ «أوطان»، بحسب الدستور المُسرَّب.
ما نودّ قوله إن الدستور هو مجموع القوانين التي تنظم علاقة الدولة كمؤسسة حقوقية للشعب أو للجماعات التي تشملها، بهذا الشعب وهذه الجماعات، وأيضاً علاقتها بالمؤسسات المتفرّعة عنها كالمؤسسة الأم. وترسم حدود سلطاتها وواجباتها تجاه الشعب. وواجبات الأفراد مواطني هذه الدولة وأعضائها تجاهها بكل متفرّعاتها، وحقوقهم عليها، وآليات ممارساتهم حقوقهم العامة والخاصة مع الدولة ومع المؤسسات العامة والخاصة وعامة الناس. كما ترسم شكل الدولة وبنيتها وتقسيماتها الإدارية وآليات عملها وحدود صلاحياتها وشكل سلطاتها وطريقة تشكيلها وانبثاق هذه السلطات وآليات السيطرة والإدارة والتوافق بين تكوينات الدولة كلها وبناها مع بعضها وضمان حيوية عملها وانضباطها بالقانون العام الذي ينبثق الدستور من روحه.
هكذا يكون الدستور بحقّ، قانون القوانين المؤسسة للدولة القومية، كما عرّفه الزعيم أنطون سعاده.