تنصُّل واشنطن من اتفاق وقف العمليات
حميدي العبدالله
التصريحات التي أدلى بها الناطق باسم الخارجية الأميركية والتي طالب فيها بوقف إطلاق نار شامل في سورية، وعدم تحديد سقف زمني لفصل مواقع جبهة النصرة عن بقية مواقع التنظيمات الأخرى، يعني شيئاً واحداً هو تنصّل الولايات المتحدة من الاتفاق، بعدما نجحت في تحقيق جملة من الأهداف عبر هذا الاتفاق:
ـ الهدف الأول، وقف زحف الجيش السوري وحلفائه الذي كاد أن يسيطر على مدينة حلب والمساحة الأوسع من ريفها، كما أنّ هذا الزحف كاد أن يدخل التخوم الإدارية لمحافظة إدلب بعد تحريره الغالبية العظمى من ريف اللاذقية.
ـ الهدف الثاني، إتاحة الفرصة للجماعات المسلحة لالتقاط أنفاسها وتجميع قواها، ورصّ صفوفها، والحصول على مزيد من الأسلحة من الدول الداعمة، وتدفق المزيد من المقاتلين عبر الحدود التركية على وجه الخصوص.
ـ خلق وقف إطلاق النار وضعاً دفع روسيا إلى سحب الجزء الأساسي من قوتها الجو فضائية التي كان لها الدور الكبير في تحقيق المكاسب الميدانية التي حققها الجيش السوري وحلفاؤه.
وعندما أدركت الولايات المتحدة أنّ اتفاق وقف العمليات سمح للجيش السوري وحلفائه بحشد قواتهم على الجبهات التي ينتشر فيها داعش، وحقق مكاسب كبيرة بعد تحرير تدمر والقريتين والتلال الهامة المحيطة بهما، أوعزت الولايات المتحدة مباشرة، وعبر حلفائها في المنطقة، إلى الجماعات المسلحة للتصعيد وتوظيف اتفاق وقف العمليات لمصلحتها.
عندما يطالب الناطق باسم الخارجية الأميركية بوقف إطلاق نار شامل، ألا يعني هذا وقف ملاحقة ومحاربة التنظيمات الإرهابية بما في ذلك تنظيم داعش الذي يسيطر على أكثر من 70 من الجغرافيا السورية الواقعة خارج نطاق سيطرة الدولة؟
وعندما يقول الناطق باسم الخارجية الأميركية أن لا سقف زمنياً للفصل بين مواقع جبهة النصرة وبقية التشكيلات المسلحة، ومعروف أنّ جبهة النصرة غير مشمولة بقرار وقف العمليات، وهي أيضاً لا تلتزم به، ألا يعني ذلك تجميد عمل الجيش السوري وحلفائه بذريعة الالتزام الشامل بقرار وقف العمليات، وبذريعة صعوبة الفصل بين مواقع التنظيمات الملتزمة بوقف إطلاق النار وجبهة النصرة، مقابل إطلاق يد الجماعات المسلحة، بما في ذلك جبهة النصرة لمهاجمة مواقع الجيش السوري وحلفائه، على غرار ما حصل في خان طومان والعيس وريف اللاذقية، بمعزل عن نجاح هذه المجموعات هنا وفشلها هناك؟
واضح أنّ الولايات المتحدة لم تعد معنية باتفاق وقف العمليات، وجلّ ما تسعى إليه هو الالتفاف على هذا الاتفاق، وتحويله إلى سلاح يعمل باتجاه واحد، هو اتجاه ضبط ردود فعل الجيش السوري وحلفائه.
الكرة الآن باتت في مرمى روسيا الراعي الثاني للاتفاق.