«المستقبل» في لبنان وحكومة هادي في اليمن سواسية في نظر آل سعود
شارل أبي نادر
قد لا يكون ما يحدث من سجال داخلي في لبنان وخاصة في أروقة تيار المستقبل، وذلك على خلفية نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس وتداعياتها، مفاجئاً للرأي العام اللبناني، بحيث إنّ هذه الانتخابات، وكالعادة، أحدثت تصدّعات بين أغلب المكوّنات السياسية والشعبية والعائلية، حتى داخل أكثر من بيت سياسي أو حزبي واحد، ولكن المفاجئ هو تطور هذا السجال داخل التيار الأزرق ليصبح وعلى لسان أحد وزرائه الصقور ممراً لإيفاد رسالة مباشرة تعبّر عن اعتراض أو عن امتعاض من سياسة المملكة العربية السعودية وتحكّمها بمسار وبتوجّهات وبمواقف قيادة تيار المستقبل، وبالتالي بطريقة أو بأخرى بسياسة وبمواقف الحكومة اللبنانية ذات الأغلبية المستقبلية، وحيث الأخيرة بسياستها العامة لا تستطيع الابتعاد كثيراً من تحت عباءة «مملكة الخير والسلام والعدل والمحبة و… و…»
في الحقيقة، عندما كانت أغلب الأطراف اللبنانية تنتقد وعلى صوت عالٍ سياسة المملكة العربية السعودية لناحية تحكّم الأخيرة بإدارة السلطة في لبنان عن طريق «تمنيات» ترشح عن خادم الحرمين الشريفين ينقلها سفيرها في لبنان، أو عن طريق توجهات معلّبة ومحدّدة تُظهِّرُها الحكومة اللبنانية عبر رئيسها في ما خصّ صلاحياته المنفردة والواسعة، حسب دستور الطائف السعودي الهوى والتوجه، أو عبر قراراتها في مجلس الوزراء من خلال أغلبية لم تكن إلاّ مستقبلية التوجه والقرار، أو عبر عشرات المجالس والمؤسسات العامة المستقلة عن إطار عمل مؤسسة مجلس الوزراء مجتمعاً، والتي يتحكّم بها فريق عمل من موظفي التيار الأزرق داخل السراي الحكومية، كانت تُتهم هذه الأطراف المُنتقِدة بالوقوف في وجه التضامن الوطني والعربي والإسلامي وبنكران الجميل لمكرمات ولمساعدات آل سعود التي لم تكن ذات قيمة عملية في يوم من الأيام، حيث لم تتجاوز في أعلى مستوياتها مثلاً، قيمة إحدى صفقات أسلحة صواريخ تاو الأميركية المتطورة التي حصلت عليها «جبهة النصرة» في حربها في سورية، والتي موّلتها المملكة، وخير دليل على ذلك زوبعة تسليح الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية الأخرى التي ذهبت أدراج الرياح، والتي كانت أصلاً غير جدّية ولم تخرج يوماً عن إطار الضغط على الدولة وعلى الجيش اللبناني لكي ينأى بنفسه عن محاربة الإرهاب على أراضيه الحدودية مع سورية.
هذا في لبنان، أما بخصوص الأزمة في اليمن، فما يرشح حتى الآن عن خفايا وكواليس المفاوضات اليمنية – اليمنية في الكويت، حيث يُعدّ الرئيس الفار عبد ربه منصور هادي الأيام للتنحّي عبر مخرج حكومة انتقالية يشترك أنصار الله بفعالية، وبفضل ثباتهم في الميدان وفي الدبلوماسية، باختيار وزرائها، ذلك الرئيس الذي خرّبت المملكة الدنيا في سبيل تثبيت وفرض شرعيته التي فقدها أساساً، قانونياً عندما استقال، وعملياً عندما هرب من العاصمة صنعاء إلى عدن ولاحقاً إلى الرياض، لنراها اليوم تتخلى عنه بعد أن جرّته مع مجموعات مختلفة من العناصر العسكرية المغرّر بها ومن المجموعات الحزبية والمتشدّدة لقتال دموي داخلي غذّتّه المملكة بدبلوماسية دنيئة، وغطّتّه بدعم واسع من قواتها الجوية والبحرية والبرية حتى أضحى اليمن السعيد بلداً منكوباً مدمّراً وفاقداً أبسط مقومات العيش والاستمرار.
من ناحية أخرى، في ما يمكن متابعته ما بين اليمن ولبنان وأيضاً ما بين دول أخرى كسورية والعراق وغيرها، لا تختلف سياسة المملكة في دولة عن أخرى. هذه السياسة التي تقوم على التدخّل في مفاصل السلطة كافة في تلك الدول، فكما وقفت وتقف في اليمن في وجه أيّ تقارب للأطراف الداخلية في ما بينها عند أية مفاوضات أو أي مشروع لتسوية سلمية تؤمّن حقوق كافة هذه المجموعات والمكونات السياسية والحزبية والثقافية، تقف في سورية موقف المحرك للحرب الداخلية، فجرّت الدولة بالكامل، وبفضل تدخلها السافر عبر تحريض مجموعات داخلية على خلفية مطالب بإصلاحات سياسية وإدارية وعسكرية، وتحت غطاء الثورة المشبوهة إلى دولة منكوبة مدمّرة مهجّرة بعد أن غذّت الإرهاب ودعمته وساهمت بانتشاره، وما زالت مصرّة على منع تلاقي ممن بقي من تلك الأطراف الذين ما زالوا يملكون ذرّة من رغبة بالحوار وبالحلّ السلمي وبالتسوية، وذلك عبر عرقلتها الفاضحة لتحديد وفود وأطراف التفاوض مع الدولة السورية، وعبر فرض شروطها لاعتمادها من قبل هؤلاء في جولات التفاوض السابقة والمرتقبة، لنجد من ناحية أخرى أنه لا يمكن إغفال دور المملكة الأساسي عن الحرب العراقية الداخلية، حيث يسيطر «داعش» على مناطق واسعة بفضل تدخلها عبر إعلام مسموم وتسليح واسع وتوجيه وتحريض مذهبي رخيص.
وهكذا… وبعد ما تمّ فضحه مؤخراً عن الاتصالات الخفية بين حكومة العدو «الإسرائيلي» وبين نظام آل سعود، والتي يبدو أنها كانت حاصلة منذ فترة طويلة، واكبت أغلب حروب واعتداءات هذا العدو على العرب والمسلمين في فلسطين ولبنان وسورية ومصر، وبعد ما بدأ يظهر من تخلي المملكة الواضح عن فريقها في اليمن والذي تمّ إغراقه بمتون حرب داخلية مدمّرة، وبعد ما بدأ ينكشف، وبشهادة شاهد من أهله، عن تسلطها على قرار الحكومة اللبنانية وعلى قرار فريق لبناني داخلي، فاعل وأساسي في التركيبة وفي السلطة اللبنانية، حيث جرّته مرغماً إلى صدام ونزاع مع أكثر من فريق داخلي لبناني، ومنه فريق دافع وقاوم وضحى بأبنائه الأبطال الشهداء في سبيل حماية وصيانة جميع مكونات هذا الوطن من الإرهاب التكفيري الذي نما وتمدّد برعاية «كريمة» من نظام آل سعود، وبشهادة رأي عام واسع إقليمي ودولي بدأ ينتشر ويقوى مؤخراً مدعوماً بتقارير أممية موثقة عن مجازر ضدّ الإنسانية في اليمن، وبإحصاءات مذهلة عن نسبة عدد الانتحاريين الإرهابيين من أصحاب الجنسية السعودية، فهل حان الوقت لكافة تلك الأطراف الداخلية في أغلب الدول التي أصابها التدخل السعودي بما أصابها، أن تستدرك وتستنتج وتقارن وتعي مخاطر دور «آل سعود» التقسيمي والتدميري المشبوه، وغير البعيد عن مخططات الصهيونية العالمية لتدمير واستنزاف وإضعاف العرب والمسلمين؟
عميد متقاعد