رئاسة عون.. بين الفيتوَيْن الأميركي والسعودي
هتاف دهام
لن تخرج جلسة الحوار الوطني اليوم عن قاعدة المراوحة ونقاشات الوقت الضائع. تبدو فسحة خيارات التوافق معدومة. لا مؤشرات حل. الوضع الإقليمي مقفل. والاعتبارات اللبنانية غير كافية حقيقة لمحاكمة اللحظة. ينتظر الكلّ ما سيؤول إليه الوضع في المنطقة ليرسم روزنامة خياراته في لبنان. الصراع في الذروة. لبنان يعيش في صلب الأشهر الصعبة التي تحدّث عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله. أزمة الاستحقاقات السياسية لها علاقة بالمعركة الأكبر الدائرة إقليمياً لارتباط لبنان بها. تشكل سورية إحدى أهم ساحاتها وطبعاً البحرين والعراق واليمن. يتوقف مصير لبنان على تطور الأحداث في هذه الساحات من دون أن يكون الاشتباك على أرضه نارياً، فالنيران لم تخرج من تحت رماد صراعات أفرقائه السياسيين.
يحاول أكثر من طرف داخلي ترتيب أولويات أجندته. تحاول بعض القوى السياسية إغراء قوى أخرى، وبالتالي إحداث اختراق في جدار المراوحة القائم والوصول إلى حلحلة ما بالأزمة المركبة، لكن واقع الوضع السياسي المعقد في لبنان ليس مرتبطاً بالشأن الداخلي بقدر ما هو مرتبط بالصراع الكبير في المنطقة، وتعلق لبنان بهذا الصراع.
يؤكد قطب سياسي لـ «البناء» أحقية الجنرال ميشال عون بالرئاسة لأنه أكثر مرشح مسيحي حظوظاً، وصاحب التمثيل الأكبر. يريد الرئيس سعد الحريري السير بأي خيار يفتح أمامه الطريق إلى رئاسة الحكومة. لكن مشكلة الشيخ سعد أنه غير قادر على تسويق ما يرغب لدى حلفائه الإقليميين والدوليين، وتحديداً السعودية التي وضعت فيتو على الجنرال خلفه فيتو أميركي لا أحد يتحدث عنه منذ اللحظة الأولى للشغور الرئاسي. حاول الأميركي خلال الولاية الدبلوماسية للسفير ديفيد هيل إبراز موقفه بطابع مرن وحيوي. وحقيقة الأمر أن النظرة الأميركية إلى الجنرال نابعة من صلب تفاهم مار مخايل. فالإدارة الأميركية اعتبرت أن العماد وفر لحزب الله المصنف إرهابياً من قبلهم، منذ عام 2006 وحتى الآن، غطاء وطنياً وشراكة وطنية.
ويشير القطب السياسي إلى أن الحريري مضطر للتسليم بالوقائع والخيارات السعودية حتى لو كانت سكيناً تقطعه. ورغم ذلك، لا أحد ينفي قدرة تياره الوحيدة على التعطيل، أو القول إنه تبخر أو ذاب في كنف قيادات وأحزاب سنية أخرى، أو التلميح أنه ليس الممثل الأول للسنة في لبنان. لكنه عاجز فعلياً عن أخذ خيارات تُحدث نقلة نوعية في واقع البلد. فهو يعاني من حالة تنافس على ساحته من قوى تمردت عليه، وأخرى موجودة على يمينه، وطالما هذا الوضع مستمر سيستنزفه أكثر.
يعاني الحريري، بحسب القطب السياسي، من أزمة مصير ووجود. أفلس بكل الوقائع والمحصنات التي كان يملكها. ولم تبقَ لديه وسيلة لإعادة ترميم هيكل إمبراطوريته سوى رئاسة الحكومة. لن تتوفر له فرصة العودة إلى السراي إلا بانتخاب رئيس. لا يملك التأثير الفعلي في هذه الوقائع، فأيّ خرق هو في الموافقة على عون رئيساً. وقرار الحريري السير بخطوة بهذا الحجم وبهذه الخطورة لن تكون بمعزل عن السعوديين. اعتبارات الداخل مرتبطة بالنتيجة الحاسمة. والقبول بالجنرال رئيساً يستوجب إلغاء الفيتو السعودي. والمسألة لها علاقة بلحظة تهتم الرياض بلبنان وتناقش أولوياته. هذا غير متوفر.
يرى رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنّ مشروع 13 دائرة على أساس النسبية هو الأمل الوحيد. فهل يضع عقله في رأسه ويقبل تيار المستقبل بمشروع وزير الداخلية السابق مروان شربل؟
إنّ رفض المستقبليين الزرق لقانون انتخاب جديد ليس نابعاً من عوامل قوة وعوامل ضعف. نعي مشروع قانون الانتخاب مردّه معادلة إقليمية، الحريرية السياسية جزء منها. وفي هذا الإطار يأتي الدور التخريبي. أيّ حديث فعلي عن إحداث اختراق بملف مصيري مثل ملف قانون الانتخاب هو الحَكَم لإعادة تكوين السلطة في لبنان، وملء كرسي الرئاسة الأولى الفارغ يصبح نوعاً من الترف في ظلّ الاشتباك الإقليمي الكبير. لا أحد سيقدّم تنازلاً في قانون الانتخاب. تقارب الأغلبية من الأطراف العنوان الانتخابي ربطاً بمصالحها الذاتية. لن يكون بمقدور طاولة الحوار التوصل لقواسم مشتركة حقيقية في هذا المضمار. فالتوافق على قانون انتخاب مستحيل بين المتخاصمين.
ينقل القطب السياسي تأكيد الرئيس الفخري للتيار الوطني الحر أنّ الأولوية المطلقة فور انتخابه رئيساً للجمهورية هي إقرار قانون انتخابي جديد يصحّح التمثيل ويحقق عدالته. هنا تكمن المشكلة. لا يريد تيار بيت الوسط بأيّ شكل من الأشكال تغيير الواقع النيابي. الركيزة الأساس والأهمّ عند الحريرية الزرقاء هي الإبقاء على قانون الدوحة. والنظام النسبي يضعضع تحالفاتها المسيحية، ويؤدّي إلى ضمور حجم كتلتها. يأتي القطب السياسي على دردشة وزير الداخلية نهاد المشنوق في مجلس خاص، ويشير إلى أنّ المبدع في كشف المستور في عظائم الأمور عند فريقه السياسي أكد أنّ مشكلة حزبه وراعيه الإقليمي تكمن في إصرار الرابية على قانون الانتخاب وليس على الرئاسة الأولى. وصول العماد عون للرئاسة لا يقلق تيار المستقبل. صلاحيات رئيس الجمهورية معدومة. وحده قانون الانتخاب سيعيد تكوين السلطة على أسس صحيحة وسيعيد صلاحيات الرئيس المنتزعة منه منذ الطائف. ويجزم القطب السياسي أنّ العائق أمام انتقال عون إلى الرابية تمسكه بتفاهم مار مخايل، وإعادة النظر في اتفاق الطائف.