مملكة ستنهار بحكمة ملكها!
مصطفى حكمت العراقي
يبدو أنّ الثمار أينعت والقطاف قد حان ولكلّ مزارع نتيجة مما زرع سابقاً على أن تكون نسبة إنتاجه بمقدار زراعته، وهنا ينال كلّ مجتهد نصيبه ولا بدّ من الاختلاف في توزيع الحصص، ولكن الاشتراك يكون حتمياً في نيل الكلّ من النتاج خصوصاً أنْ كان ذلك خاسراً لمن أعدّه وكان طعمه مراً بعد أن أجتهدوا لسنوات في تحقيق الأفضل، ولكن الواقع رسم خيوطه وايقن الجميع أنّ الانتصار قد تلاشى وهذا ينطبق بشكل كبير على حلف واشنطن المعادي لسورية، والذي تبجّح مراراً ولسنوات بالسعي إلى سقوط دمشق. فبعد أن انطلقت الحرب الكونية على سورية وتعدّدت في ذلك الوسائل المتخذة لتحقيق الهدف الأسمى، ألا وهو إسقاط الدولة السورية وإخراجها عن دورها الريادي وكسر ظهر محور المقاومة التي شكلت دمشق قلبه ورئته حتى وصل الأمر بركوب حصان الارهاب الذي طبّقوه سابقاً في افغانستان وارتدّ عليهم، والآن بدأ بالارتداد على من دعمه وصنعه وسمح له بعبور الحدود متوجهاً إلى دمشق، وهنا توزّعت الأدوار على حسب الموقع، فواشنطن تدعم وتسلّح بأموال الخليج، وتركيا والاردن كان دورهما التدريب والعبور فلم يكتفوا ولم يتوقفوا ولم يذعنوا للتحذيرات التي أنذرتهم بوصول السيارات المفخخة والأعمال الإرهابية إلى قلب اسطنبول وعمّان، ولكن حكام الدولتين كانوا كمن يقف على الجبل ويرى الناس تحته كلهم صغاراً، فتعالوا وتكبّروا وقالوا نحن بمأمن من الإرهاب إلى أن أصبحت تركيا تتصبّح يومياً بالأعمال الإجرامية، وإنْ انتهى يوم من دون حدث إرهابي يكون ذلك استثناء لتكتوي بالنار التي أشعلتها في دمشق. في حين أنّ الرفيق الأردني لاسطنبول في مسار ايصال السلاح والرجال والمال لدعم الإرهاب في سورية كما مثل حكمه الملكي الداعم الأول والمطيع الأسرع لأوامر واشنطن وتل أبيب، إضافة إلى أنّ عمّان مثلت ملاذاً لكلّ صانعي القتل وتجار الدعم ممّن أسموا أنفسهم معارضين للدولة السورية، وحتى التجربة السياسية في العراق بعد الاحتلال.
كلّ هذه الأخطاء اتبعها النظام الأردني بظلم لطبقات واسعة من المجتمع الأردني وساد في هذا المجتمع التفاوت الطبقي الشاسع واستشرى الفساد، كما أنّ نشاط المجاميع المتطرفة في داخل الأردن أصبح ملحوظاً وبشكل غير مسبوق، ما مهّد حكماً لحصول ما هو اسوأ، فمن جاء بشعلة النار بجانب النفط لا بدّ له أن ينتظر نشوب الحريق في أيّ لحظة، وإن تغاضى عن ذلك جهلاً كان أو تعمّداً، فهو كمن يحفر قبره بيده، وهو الوصف الأمثل لما يجري الآن في الأردن، فالإرهابيون تحركوا لسنوات كما يشاؤون قبل حتى حدوث الحرب على سورية، منذ أن دخل الزرقاوي إلى العراق وترأس القاعدة فيه، وكان آنذاك قد أرسى جذور التنظيمات الإجرامية في الأردن، إضافة إلى أنّ معسكرات التدريب على الحدود السورية بعد أن دقت ساعة الحرب على دمشق أصبحت متوفرة ومشاعة لمن يشاء ويرغب بدخولها وتلقي ما يريد فيها وغرف العمليات المشتركة مع تركيا وواشنطن والرياض وتل أبيب وباقي حلف الشرّ على سورية.
كيف لحكومة الأردن أن تدّعي أنّ البلاد آمنة من الإرهاب الذي ما لبث أن أثبت كذب ادّعاءات الحكومة، وذلك بضرباته التي تكرّرت وفي مناطق مهمة والتي استهدفت القوى الأمنية الأردنية ذاتها ما يجعل الصراع مفتوحاً، وينذر حتماً بتوسع نطاق هذه العمليات إنْ استمرّ تعامل الحكومة الإردنية بهذه الحال، فإنّ حجم العمليات التي نفّذتها فروع القاعدة تؤكد بأنّ مسار البدء بعقاب حكومة المملكة على خطواتها السابقة قد بدأ، وهو يحمل إشارة إنذار للمملكة بأنّ الانتقال نحو العمل الأمني قد بدأ بعد أن تجاهلت حكومتها التنسيق مع الحكومة والجيش والمؤسسات الأمنية في سورية والعراق بعد أن أمرتهم واشنطن بذلك لتصل الحال إلى ما هي عليه الآن من استفحال الإرهاب داخل المملكة وقيام الإرهابيين بتنفيذ عملياته حين يشاؤون وفي أي مكان يريدون، بعد أن استغلت جماعات القاعدة على اختلافها ذلك بدعم نفوذهها وتمدّدها داخل العراق وسورية، إضافة إلى تعزيز وجودها داخل الأراضي الأردنية.
وقد اتخذ الإرهاب صوراً عدة قبل الكشف عن وجوده لتحقيق أهداف مستقبلية داخل المملكة، وهو ما نجح فيه الإرهابيون بفضل تساهل نظام المملكة وتماهيه مع مخططات الإرهاب بعلم أو بدون علم، إضافة إلى تخلي الغرب عن حليفهم الوطيد في المنطقة، كما أنّ الإجماع الأممي على ضمان أمن المملكة غير متوفر بنسبة كبيرة، لأنّ لكلّ فريق منهم شأن يعنيه وعند اشتداد الأزمات لن يكون للصغار دور إلا التضحية بهم، إضافة إلى السعي الإسرائيلي لإشاعة الفوضى داخل المملكة، وجعل السلطة مأزومة وصولاً إلى الإنهيار ليكون طرح خيار الوطن البديل أكثر تقبّلاً وإمكانية لتطبيقه في الواقع، كما أنّ قرار واشنطن بجعل ساحة الصراع المقبلة مع الإرهاب ستكون في ليبيا، لذلك يجب أن يكون الممرّ الأردني مؤمناً لضمان نقل من ينجو من الإرهابيين من ساحات القتال في سورية والعراق.
أما حليف المملكة الأردنية الآخر في مسار صنع الإرهاب والمتمثل بمملكة آل سعود، والتي دفعت الأردن سابقاً في الوقوف معها في مواقف عدة وجعلت منها منصة لتحقيق أهدافها المشؤومة، ووعدتها بالحفاظ عليها إنْ اشتدّ الوطيس، نجدها اليوم في عمق الأزمات وهي بحاجة إلى الإنقاذ أكثر من غيرها، فالحرب في اليمن وسورية والعراق أنهكت مملكة الرمال وجعلتها عرضة للسقوط في أيّ أكثر من أيّ وقت مضى، لذلك فإنّ الحفاظ على أمنها سيكون الأوْلى من أمن الأردن. وبعد كلّ ذلك فإنّ أمن الأردن على المحك وقد يشهد أعمالاً إجرامية أخرى إنْ استمرّت حكومة المملكة بتعاملها النرجسي مع الأمور، وبقيت بهذا الجفاء وعدم التفاهم والتنسيق مع بغداد ودمشق، لأنّ الأمن في عمّان سينعدم تدريجياً بانعدام الإتفاق مع جاريها.