اللعب على حافة الهاوية… من يسقط أولاً؟
د. محمد بكر
لا ندري إنْ كانت جملة الرسائل والتصريحات والصور النارية التي تواردت تباعاً خلال اليومين الماضيين هي دافعٌ فقط باتجاه صياغة المزيد من الأوراق التفاوضية، استعداداً لجولة المفاوضات الجديدة في تموز المقبل بحسب ما أمله دي ميستورا، أم أنّ كلّ طرف يعي تماماً حرفية ما قاله، ويدفع باتجاه تصعيد خطير جداً في المشهد الاشتباكي العام، فغرفة العمليات المشتركة التي صاغها اجتماع وزراء الدفاع، الإيراني والروسي والسوري في طهران، قد وصلت رسائلها ومفاعليها المقبلة إلى واشنطن وحلفائها جيداً، لجهة المضيّ الروسي قدماً لإنجاز معركة حلب، والزحف ربما لجغرافية أوسع نحو الشرق، على قاعدة خلوّ الميزان الروسي وحساباته من أيّ وجود أو ثقل على الأرض لما يعرف بالمعارضة المعتدلة، أو المجموعات التي تدعمها أميركا، وعند هذه النقطة تحديداً يمكن تفسير حديث رئيس هيئة الأركان الروسية غيراسيموف عن نفاذ الصبر الروسي لجهة أنّ حادثة قصف الطائرات الروسية لقوات جيش سورية الجديد والقضاء على نصف أعضائه بحسب صحيفة «التلي غراف»، إنما سيكون في اعتقادنا أول الغيث في التوجهات الروسية المقبلة.
على الجبهة الأخرى تعي واشنطن وحلفاؤها جدية النظرية الروسية في إدارتها للحرب السورية، ويبدو أنهم يستعدّون هم أيضاً لإعداد ما استطاعوا لاستيلاد الضعف في قوة «رباط خيل» الروس وحلفائهم، ومن هنا نقرأ ونفهم ما أعلنت عنه الجمهورية الإسلامية لجهة إحباط ما وصفته بأكبر المؤامرات الإرهابية التي كان مقرّراً خلالها تنفيذ تفجيرات إرهابية في مناطق عدة في إيران، من بينها العاصمة طهران، خلال شهر رمضان، فتأكيد واتهام أمين سرّ مجمع تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي للعربية السعودية بأنها هي من أرسل الإرهاب إلى بلاده عبر أربيل، يؤكد مدى العمل الدؤوب لخصوم طهران لجهة الردّ على سلوك الأخيرة في الميدان السوري، وبذات التحليل والقراءة، نتلمّس الغضب الإيراني وردة الفعل النارية على سحب السلطات البحرينية الجنسية من رجل الدين الشيعي عيسى قاسم، لجهة ما جاء على لسان الجنرال قاسم سليماني بأنه لم يبق خيار للشعب البحريني سوى المقاومة المسلحة التي ستطيح بالعرش الملكي على حدّ تعبيره، لندرك أنّ الآتي سيكون ربما في إطار ترحيل أيّ حديث عن التسويات، وإنّ تغذية الكباش سيكون عنوان المرحلة المقبلة.
أختلف شخصياً مع ما جاءت به صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية لجهة أنّ موسكو أحبطت محاولة واشنطن تنفيذ الخطة «ب» في سورية، فتهافت خطط البنتاغون في سورية كما قال الخبير العسكري الروسي يوري نتيكاتشيف سيستمرّ في اعتقادنا، وإلا كيف يمكن تفسير عدم تمكّن الولايات المتحدة أو الأصحّ عدم إرادة واشنطن تحديد خارطة توافقية مع الروس تبيّن المعارضين المدعومين أميركياً، من ذئاب المجموعات الإرهابية، بحسب توصيف غيراسيموف رئيس الأركان الروسي، إلا من خلال استمرار واشنطن في استثمار الإرهاب المتغلغل على عينها في سورية.
ويبقى السؤال؟ ماذا لو فشلت مرة واحدة استراتيجية «المشاركة الشعبية» التي عزا بها علي شمخاني أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني قدرة قوات الأمن على إفشال ما يخطط لبلاده، في إحباط مؤامرات إرهابية أكبر؟ وماذا لو سلحت إيران الحراك الشعبي البحريني وتالياً تغدو عدوى انتقال التسليح للشرق السعودي أمراً بديهياً؟ وكيف سيُوظّف إعلان التطبيع الكامل بين تركيا والكيان الصهيوني في يوميات الميدان السوري، وكيف سيكون ثقله في ميزان التحالفات وصراع المحاور؟ لا سيما أنّ الجنرال عميدرور مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق هو صاحب نظرية أنّ المصالحة مع تركيا المصاغة على عين أوباما حينها في العام 2013 هي الأساس في نجاح إغارة الطائرات الإسرائيلية على موقع جمرايا بريف دمشق، وهو من كان «النجم اللامع» في مناظرته مع تركي الفيصل؟
لا نملك الإجابة على كلّ تلك التساؤلات ولا يمكن التكهّن بها، وليس أمامنا سوى انتظار الجديد الآتي، لكن يبدو أنّ اللعب على حافة الهاوية مستمرّ، وأنّ الأطراف المشتبكة تدرك ماهية لعبة عضّ الأصابع، ولا يبدو في القريب المرئي أنّ أحداً أقرب من الآخر إلى الصراخ أولاً، كما أنّ الجيش العربي السوري قادر على إجادة اللعب على حافة الهاوية وإذا سقط لا يسقط إلا على جثث الأعداء كما كان يقول الزعيم الراحل حافظ الأسد، كذلك فإنّ واشنطن وحلفاءها يدفعون باتجاه الصدام على تلك الحافة، وفي النهاية لا بدّ من وجود من يصرخ أولاً أو ربما من يسقط أولاً.
كاتب صحافي ومحلل سياسي فلسطيني مقيم في ألمانيا
Dr.mbkr83 gmail.com