نصرالله: القرار المالي الأميركي لا يؤثِّر على حزب الله وحصيلة قتالنا في حلب 26 شهيداً وأسيرٌ ومفقودٌ وباقون فيها
جدّد الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله موقف الحزب الرافض للقانون الأميركي المالي «جملة وتفصيلاً»، وإذ أكّد أنّه «لا يقدّم ولا يؤخّر بالنسبة لحزب الله»، أوضح أنّ «تمويل حزب الله يأتي من إيران، وطالما أنّ في إيران يوجد أموال فنحن لدينا أموال»، معتبراً أنّ «الاعتداء على شريحة واسعة من اللبنانيّين يدمِّر الاقتصاد اللبناني ويدمّر النظام المصرفي في لبنان، وهذا من مسؤولية بعض المصارف».
وأشار إلى أنّ «القتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن بقيّة سورية ودمشق ولبنان والعراق والأردن الذي دفع بعض فاتورة دعم المسلحين»، وأشار إلى أنّه «حيث وجب أن نكون في حلب فكنّا فيها، وحيث وجب أن نبقى فيها سنبقى فيها»، وكشف عن أنّ «هناك 26 شهيداً وأسيراً واحداً وآخر مفقوداً لحزب الله منذ أول حزيران في حلب، مقابل 617 قتيلاً للجماعات المسلّحة بينهم عشرات القادة الميدانيّين وبعض القادة الكبار وأكثر من 800 جريح، وتم إعطاب 80 دبابة وآلية عسكرية عدا عن المخازن والمواقع وغيرها».
واعتبر السيد نصرالله أنّ إسقاط الجنسيّة عن الشيخ عيسى قاسم عمل بالغ الخطورة، ورأى أنّه «إذا لم يتحمّل العالم مسؤوليّته في ما يجري في البحرين فإنّ ذلك يعني أنّ الكل في حلٍّ في أمره وقراره».
كلام السيد نصرالله جاء خلال احتفال تأبيني أقيم في مجمع شاهد التربوي – طريق المطار، بذكرى أربعين الشهيد مصطفى بدر الدين، واستهل كلمته بالقول: «في هذا الشهر المبارك أجدِّد التبريك والتعزية لعائلة القائد بدر الدين، لأمّه وزوجته وابنه وابنتيه وأقاربه وكل إخوة الجهاد ورفاق الدرب والسلاح. وأقول إلى عوائل شهادئنا في حلب: أعزّيهم وأسأل الله أن يمنّ على الشهداء برفيع الدرجات، وعلى عائلاتهم بالصبر والسلوان. وأؤكّد لعائلات الأسرى أنّ أسراهم أمانة لنا».
مسؤوليات بدرالدين
أضاف: «نحن بلا شك في حزب الله، ومن خلال استشهاد بدر الدين، فقدنا قائداً كبيراً من قادة المقاومة، وركناً أساسياً من أركانها، فهو الذي كان قائداً شجاعاً مقداماً صلباً من الذين تجدهم أمامك في التحدّيات الخطيرة، ثاقب الرأي، لا يضعف ولا يجبن ولا يتزلزل».
وتابع: «دور السيد بدر الدين في موضوع إطلاق سراح الأسرى في السجون «الإسرائيليّة»، كان من الملفات المهمّة جداً في عمل المقاومة، وهذه القضيّة كانت من اهتماماته الأساسية لأنّه في قيادة المقاومة، ونتيجة الجانب العاطفي في شخصيّته، ولأنّه شخصياً عانى في السجون، ويعرف ماذا يعني السجن والأسر، وكان لديه اندفاع خاص لمتابعة هذه القضية رغم المحاذير الأمنيّة التي تتعلّق بشخصيته. وكل المفاوضات التي حصلت منذ آخر التسعينات كان رئيس فريق التفاوض فيها الشهيد مصطفى بدر الدين. وفي هذا الملف، عمل هو وإخوانه بشكل كبير جداً بالحكمة والصبر والوعي والذكاء، وتمّ تحقيق إنجازات كبيرة على هذا الصعيد، ونستطيع أن نقول إنّ أسرانا أطلق سراحهم بكرامة وفخر».
وأردف: «والأمر الآخر هو اهتمام الشهيد بالتطوّرات في المنطقة، وهذا من سياق مسؤوليّاته. لقد حصلت أحداث عديدة في المنطقة، وكان مسؤولاً عن عدد من الملفات، منها الملف الجهاديّ في العراق وسورية، وكان لديه إحساس كبير بالمسؤوليّة والمخاطر الناتجة من التطوّرات في المنطقة. وهذا الإيمان والاعتقاد الموجود لدى حزب الله كان قوياً في بدر الدين. ونحن هنا ندافع عن لبنان وشعبنا في لبنان ومستقبل ومصير لبنان، لأنّه لا يمكن تفكيك مستقبل ومصير لبنان عمّا يحصل في سورية والعراق».
دحر «داعش» في العراق
وأشار السيد نصرالله إلى أنّه «رغم كل الصعوبات، وجدنا أنّ العراقيين تمكّنوا من دحر «داعش» وصناعة وحدة وطنيّة استطاعوا من خلالها هزيمة «داعش»، عكس ما أرادته بعض الفضائيّات التي تدافع عن «داعش» من خلال التحريض الطائفي المذهبي. والعراقيون الذين يقاتلون اليوم في الفلوجة والموصل يدافعون عن كل المنطقة وليس فقط عن مدنهم».
وقال: «بدر الدين كان منذ البداية يفهم حجم الأخطار والتهديدات وراء الوضع في سورية، كان من القلّة القليلة التي كانت تعتقد بوجود فرصة لتجاوز هذه المحنة، كانت كل دول العالم تعتقد، إلّا قلة قليلة جداً جداً، أنّ موضوع سورية يحتاج إلى أسابيع نتيجة الحرب النفسيّة وحجم التحريض وإعطاء الموضوع بعداً طائفياً، بالإضافة إلى التطوّرات المتسارعة في الميدان. عندما كانت المعركة في قلب دمشق وحمص وحلب والمدن الأساسية في سورية، كان من الصعب أن يقول أحد إنّ باستطاعتنا أن نواجه وأن نسقط التحديات، وهذا كان في عقل مصطفى بدر الدين، والتجربة أكّدت سلامة فهمه للأحداث. وتطوّع لحمل المسؤولية في سورية، وأكّد أنّه جاهز لأن يُقتل في هذه المعركة لأنّه كان يعلم أنّه في هذه المعركة يحفظ سلامة لبنان، وذهب إلى سورية وواكب كل مراحل الصراع، نحن عادة لا ننسب الفضل إلى شخص لكنّنا اليوم نتحدّث عن الشهيد باسمه».
مشروع جديد في حلب
أضاف: «السوريّون وأصدقاؤهم قاتلوا في أشدّ المعارك قحطاً في سورية، والأمور اليوم أفضل. ملف حلب وساحة حلب كانت آخر الملفات، وكلّنا نذكر قبل أشهر أنّه كان هناك قرار دوليّ وإقليميّ بتوظيف استقدام المزيد من الجماعات المسلّحة، لأنّه كان هناك مشروع جديد بعدما سقطت كل مشاريعهم السابقة. لقد جاؤوا بآلاف المقاتلين من جنسيّات مختلفة، فالحدود التركية – السورية مفتوحة على المكشوف، والهدف من ذلك إسقاط ما تبقّى من مدينة حلب بالتحديد. نحن، إذاً، أمام موجة جديدة، وليس أمام اشتباك تفصيليّ، نحن أمام مرحلة جديدة من مشاريع الحرب على سورية، فالقتال دفاعاً عن حلب هو دفاع عن بقيّة سورية، هو دفاع عن دمشق ولبنان والعراق والأردن.
وتابع: «أنّ إعطاء فرصة جديدة للمشروع الأميركي – السعودي التكفيري ليصنع إنجازاً كبيراً في سورية يهدّد كل الإنجازات السابقة. ولذلك، وجب أن نكون في حلب، وكنّا في حلب، وسنبقى في حلب. ما يجري في حلب معركة طاحنة، وكالعادة بعض الإعلام روّج على أنّ حزب الله ينهار في حلب، ويتلقّى ضربات قاسية، نحن لا ندخل في هذا النوع من السِّجالات، وأقول لهؤلاء إنّهم في هذا الموضوع يخترعون الكذبة، ثمّ يصدقونها. هذا جزء من الحرب النفسيّة علينا لكنّهم مخطئون، 26 شهيداً وأسير واحد ومفقود واحد، هذه هي الحصيلة الصحيحة لخسائر حزب الله في سورية، وكل كلام غير ذلك غير صحيح وغير دقيق».
أميركا ضغطت على روسيا
ولفتَ إلى أنّ «المحور الآخر كاد أن ينهار قبل أن تتدخّل أميركا للضغط على روسيا من أجل وقف إطلاق نار. فمن استفاد من وقف إطلاق النار في حلب؟ أقول إنّ المستفيد هو من أتى بالعدد الهائل من المقاتلين إلى سورية. نحن في سورية كنّا نقاتل في صمت، ولم نعلن يوماً عدد القتلى والأسرى. أتكلم اليوم لأؤكّد حجم المعركة في سورية. فمن تاريخ 1 – 6 – 2016 إلى 24 – 6 – 2016، تمّ توثيق 617 قتيلاً من الجماعات المسلحة، من بينهم عشرات القادة الميدانيّين وأكثر من 800 جريح، وتمّ تدمير أكثر من 80 دبابة وملالة وآلية عسكرية».
وقال: «في هذه المعركة يجب أن يكون معدّل الشهداء أكثر من ذلك، وحجم الخسائر البشريّة في صفوف الجماعات المسلحة يبعدها عن تحقيق إنجازاتها. علينا مسؤوليّة إضافيّة هي المزيد من الحضور في حلب، لأنّ المعركة الحقيقية الآن هناك، والمعارك الأخرى قد تكون ذات طابع دفاعيّ محدود، لكنّ المعركة الاستراتيجيّة الكبرى هي في حلب التي لا يجوز أن نضعف فيها وأن نستسلم للإشاعات والأخبار الكاذبة. وبيئتنا تزداد يوماً بعد يوم ثقةً بهذا المعركة، وأقول للمقاتلين في حزب الله: أنتم السابقون في وعدكم لله والأمناء على المصير والكرامة والمقاومة، وإنّ غداً لناظره قريب، فلن نترك الميادين ولا الساحات، فالنصر يليق بإخوة الشهيد بدر الدين، ومن الشهادة يأتي النصر ويأتي معه الفرج القريب».
رفض إطلاق النار في الهواء
وفي الشأن اللبنانيّ الداخليّ، دعا السيد نصرالله إلى «معالجة وطنيّة شاملة لظاهرة إطلاق النار في الهواء إعلاميّاً، سياسيّاً ثقافيّاً، توجيهيّاً، تنظيميّاً، فهذه ظاهرة لبنانيّة قديمة منذ قبل ولادة حزب الله. وأعلن لكل شباب حزب الله: نحن نرفض هذا الأمر بشكل قاطع وسنواجهه، والقيادة أجمعت على أنّه من الآن وصاعداً من يطلق النار في الهواء من أفراد حزبنا ويرتكب هذا العمل المُشين والمُهين سيُفصل من تشكيلاتنا. ونأمل من الأحزاب أن تبادر إلى اتّخاذ خطوات مشابهة لكي نتعاون على إنهاء هذه الظاهرة».
مالُنا من إيران
وعن العقوبات الأميركية، قال: «من المسلّمات التي لا تحتاج إلى تأكيد، أنّنا نرفض هذا القانون جملةً وتفصيلاً إلى قيام الساعة، فهناك طفوليّة وغباء وقبح في بعض الإعلام اللبناني والعربي، وحتى لو تمّ تطبيق القانون، فبالنسبة إلينا كحزب، كبيئة تنظيميّة وجهاديّة، فهذا القانون لا يقدّم ولا يؤخّر ولا يضرّنا ولا يؤثّر علينا. ليس له أيّ أثر مادي على حزب الله، وقلتُ سابقاً ليست لدينا مشاريع تجاريّة ومؤسّسات تجاريّة تعمل من خلال المصارف».
أضاف: «موازنة حزب الله ومصاريفه من الجمهورية الإسلامية في إيران، ولا أحد له علاقة في هذا الموضوع، ومالنا المقرّر لنا يصل إلينا. وكما تصل إلينا صواريخنا التي نهدّد بها «إسرائيل»، تصل إلينا أموال. نحن نتوجّه بالشكر الجزيل إلى الخامنئي وإيران وحكومتها ورئيسها على دعمها الكريم لنا طوال سنوات المقاومة. أنتم لا تدفعون معاشات، أمّا نحن فندفع معاشات ولا مشكلة لدينا».
وتابع: «مضغوطون لأنّ مصاريفنا زادت، وليس بسبب العقوبات الأميركيّة، ولا يمكن لأيّ مصرف في الدنيا أن يُعيق وصول الأموال إلينا. لا تراهنوا على هذا الموضوع، نحن نخاف من استهداف الناس وبيئة حزب الله وجمهوره. لقد تمّ الذهاب إلى مؤسّسات خيريّة لم يردْ اسمها في القائمة الأميركيّة قامت المصارف بحذف حساباتها، هذا اعتداء على المؤسّسات الخيريّة وعلى الناس. فهل هذا قانون؟ هل هذه وطنيّة وسيادة؟ نرفض هذا الاعتداء ولن نقبل به، ومن يقول إنّه حريص على الشعب اللبناني أسأله هل هذا الاعتداء لا يدمِّر الاقتصاد اللبناني؟ نحن منفتحون على الحلول والعلاجات، وفتحنا حواراً مع المسؤولين على قاعدة رفضنا للقانون. ولذلك، ذهبنا إلى التحاور ويتمّ بذل الجهود على هذا الصعيد، وهناك أمور يتمّ حلّها. نعلم أنّ هناك لبنانيّين ذهبوا إلى واشنطن، وحرّضوا على إصدار هذا القانون، ونحن لا نقبل بأيّ تصرّف عدوانيّ اتجاه جمهورنا، ونحن منفتحون على أي حوار لحل هذا الملف».
قاسم يستحقّ «نوبل»
وعن الشيخ عيسى قاسم، قال السيد نصرالله: «ما قامت به سلطات البحرين عمل بالغ الخطورة، والمطالب التي رفعها الحراك الشعبي محقّة بالمعايير الإنسانيّة والأخلاقيّة والدوليّة، ولم يلجأ للعنف ولم يحمل السلاح، بل كان سلميّاً. لجأوا إلى إسقاط عدد كبير من العلماء والمراجع، وكل مساعي طلب الحوار من المعارضة كانت تُصدّ من قِبل السلطة. هناك قرار من آل سعود أنّه ممنوع الحوار وإعطاء الحقوق للشعب البحريني، لأنّ هذا سيفتح الباب أمام الشعب في السعودية، هذا الشعب المحروم من أيّ مشاركة سياسيّة، وإذا رأى أنّ المعارضة في البحرين انتصرت فسيعمل على الانتفاض في السعوديّة».
أضاف: «أنّ الظلم والقمع والسجن والعدوانيّة كانت تدفع الشباب في البحرين إلى الغليان، لكنّ الضبط والسيطرة والإمساك بزمام الشارع وبحماسة الناس، هي من أصعب الأمور، وهذا ما قام به الشيخ قاسم وأمثاله الذين ضبطوا الشارع لمنع الذهاب إلى العنف. وفي ظلّ الصمت العربي والتدخّل السعودي المباشر في البحرين، كان المطلوب دائماً من الشعب البحريني أن يستسلم، وهذا ما يحصل أيضاً في الكويت في المفاوضات اليمنيّة».
وتابع: «إذا كان هناك من يستحق جائزة نوبل للسلام في العالم فهو الشيخ عيسى قاسم بسبب مساعيه في بلاده، فالمنهجيّة التي تعتمدها السعوديّة هي منهجيّة الإخضاع لفرض الاستسلام على اليمنيّين والبحرينيّين واللبنانيّين، لكنّنا لن نرضخ ولن نخضع ولن نركع. هذا الموقف النبيل من شعب البحرين اتجاه ما حصل للشيخ قاسم طبيعيّ ومتوقّع جداً، لأنّه شعب الغيرة والفداء والتضحية، وهو الشعب العاشق لأبي عبد الله الحسين. العلماء هم الذين يحدِّدون التكليف وأيّ خطوة سيقومون بها، والأوفياء في البحرين معنيّون بأن ينفّذوا قرار العلماء، وعلى العالم مسؤوليّة منع تنفيذ قرار سحب الجنسيّة من الشيخ قاسم وترحيله من بلاده».
ورأى أنّه «إذا لم يتحمّل العالم مسؤوليته في ما يجري في البحرين، فإنّ ذلك يعني أنّ الكل في حلٍّ في أمره وقراره».