دينامية الأزمات واحتمال التسوية
حميدي العبدالله
ثمة اعتقاد سائد لدى عدد غير قليل من السياسيين والمحللين في بلدان عربية كثيرة، أنّ الأزمات التي تعصف بغالبية الدول العربية، ولا سيما العراق وسورية ولبنان وليبيا، قد تجد طريقها السريع إلى التسوية ما أن يتمّ التوصل إلى تسويات بين المعسكرات الكبرى المتصارعة، ولا سيما الصراع بين محور المقاومة والممانعة من جهة، والمحور الغربي وحلفائه في المنطقة من جهة أخرى، وبين المحور التركي القطري الإخونجي من جهة، والمحور السعودي المصري من جهة ثانية.
لكن هذه التحليلات عادة ما تغفل الخصوصيات والطابع الخاص لدينامية الأزمات في كلّ بلد على حدة. صحيح أنّ دول المنطقة تتأثر بالاستقطابات الكبرى لأسباب متعدّدة أهمّها التمويل، ولكن القوى المحلية ومصالح القوى المحلية في ساحات عديدة لا يجب إغفالها عند الحديث عن التسويات. قد تؤدّي التسوية الكبرى إلى تراجع حدة الأزمات، إذا توفرت شروط محلية ملائمة، ولكن العامل الحاسم في بقاء واستمرار الأزمات المحلية من عدمه مرتبط بوجود تسويات تأخذ بعين الاعتبار مصالح القوى المحلية.
في لبنان مثلاً، لا يكفي أن تتفق الولايات المتحدة ومعها السعودية مع إيران حول قضايا المنطقة، بما في ذلك العمل على إنهاء الأزمة القائمة في لبنان كي تحلّ هذه الأزمة. فالتيار الوطني الحرّ ممثلاً بالعماد ميشال عون، وكذلك خصومه لن يقبلوا أي تسوية يمكن أن تكون على حسابهم. وفي سورية مثلاً لا يكفي أن تتفق الأطراف الإقليمية والدولية على تسوية سياسية لكي تنتهي الأزمة، فسورية مثلاً لن تقبل أيّ تسوية تحدّ أو تنتقص من شرعية الدولة السورية بعد كلّ هذه التضحيات، وكذلك التنظيمات التكفيرية مثل «داعش» و»النصرة» ليس هناك أي دولة قادرة على إقناعهما بإلقاء السلاح وإعادة النظر بنهجهما وسلوكهما، وحتى لو تمّ تطبيق قرار مجلس الأمن 2170 والتزمت به دول المنطقة، فإنّ ذلك يضعف التنظيمات التكفيرية ولكنه لا يلغيها بعد أن حصلت على دعم في السابق يؤهّلها لمواصلة القتال سنين وليس أشهراً.
الأمر ذاته ينطبق على العراق، إذ من له القدرة من دول المنطقة وحتى الدول الكبرى على إقناع الأحزاب الكردية بالتخلي عن مطالبها التوسعية في كركوك والموصل؟ ومن يقنع «هيئة العلماء المسلمين» وتنظيمات حزب البعث أو أحزاب التحالف الوطني بالعمل بشكل مشترك؟ وهل تكفي مشاركة الأحزاب السنية التي شاركت بالعملية السياسية في ظلّ الاحتلال للحصول على دعم غالبية أبناء هذه الطائفة؟
الأزمات المحلية ودينامية هذه الأزمات هي من القوة ما يجعل من الصعب، إذا لم يكن من المستحيل، أن تقود أي تسوية بين المحاور الرئيسية الكبرى في المنطقة إلى تسويتها بشكل آلي وسريع، هذه الأزمات تنطوي على خصوصيات، وإذا لم تتوفر حلول تأخذ بعين الاعتبار هذه الخصوصيات فإنّ هذه الأزمات مستمرة إلى وقت طويل.