المعارضة السورية بين السقوط الأخلاقي والفجور السياسي
جمال محسن العفلق
عليّ أن أقرّ كمواطن سوري يتابع الحرب على وطنه يومياً من خلال وسائل الإعلام وخصوصاً خلال الاشهر الأولى للحرب أني كنت أبحث عن ضوء شمعة يدلّ على انّ من حمل راية الثورة ، وتعبير الثورة هنا مجازي لا اكثر، هو بالفعل يحمل هموم الوطن وهموم البسطاء، ولكن وحتى اليوم ومع انتصاف السنة السادسة من عمر العدوان على سورية، لم أجد ذلك الضوء الذي توقعت ان أجده، ولكن ما يمكنني الحديث عنه هو شيء أبشع من الحرب وأكثر مشاعية من قصص التاريخ القديم وحكايات لا تنتهي بدأت بكذبة الدفاع عن أطفال اعتقلوا وما زالت مستمرة حتى اللحظة وقد تستمرّ لأشهر او سنوات فلا أحد يعلم.
فالمعارضة السورية التي تدّعي أنها تريد الحرية والديمقراطية للشعب السوري كانت أسرع من أعضاء حزب العدالة والتنمية التركي بتأييد اعتقالات أردوغان التعسفية وباركت للصّ حلب وقاتل أطفال سورية لأعماله، وأعلنت الولاء والطاعة له، ولم تعلّق على اعتقال الآلاف من ضباط وقضاة وطلاب، فكلّ ما يفعلة أردوغان هو «ديمقراطية وحق مشروع» ولا معنى لجملة الرأي والرأي الآخر في أدبيات المعارضة السورية عندما يكون الحديث عن صاحب فنادق اسطنبول، ولا يجوز الحديث عن إعلان حالة الطوارئ ولا فصل الموظفين من عملهم، وبارك ما يسمّى ائتلاف الدوحة الخائن الاستقرار الديمقراطي في تركيا.
هذا باختصار موقف ما يسمّى معارضة سورية، تتوافق مع قرارات أعداء سورية في وقت ترفض تلك المعارضة دور الجيش السوري في الدفاع عن الوطن السوري ولا يعجب أعضاء المعارضة المثقفين أن يحارب الجيش السوري والشعب السوري قوى الظلام والتكفير، وكيف يمكن لمثل هذه المعارضة ان تقبل هذا إذا كانت جماعة نورالدين زنكي بنظر المعارضة ومشغليها جماعة ثورية معتدلة حتى بعد قيام تلك الجماعة بقتل طفل عمره 11 عاماً؟ وكيف لي ان أصدّق انّ هذه القطعان ستكون أمينة على البيت السوري وهي تنقل تصريحات أعداء سورية باستمرار الحرب على الشعب السوري بـ«فرح وسعادة»، لأنّ المعارضة السورية ببساطة تعلم انّ استمرار الحرب على الشعب السوري يعني استمرار دفع الرواتب لها.
كان على أزلام أردوغان من المعارضة السورية ان يتابعوا تعليقات الشعب السوري ليلة الانقلاب في تركيا ليفهموا كم يكره الشعب السوري أردوغان، وبالتالي كم هم مكروهون في سورية، ولن يكون لهم ايّ قبول في وجدان السوريين، كان عليهم ان يفهموا انّ الجيش السوري وهو من أبناء الشعب السوري لم ينشق ولم ينقلب على قيادته في وقت حاول الجيش التركي التخلص من رئيسه.
انّ المعارضة السورية، وبتعبير أدقّ، انّ عملاء الخارج هم مجموعة ساقطة أخلاقياً بكلّ المقاييس، فمقتل 125 مدني في قرية صغير على أطراف مدينة حلب نتيجة قصف الطائرات الفرنسية، وهو لم يكن خطأ غير مقصود، فالفرنسيون يعشقون سياسة الأرض المحروقة وتهجير سكانها، وقصفهم لتلك القرية لم يكن إلا وفق تلك السياسة التي لم تتغيّر منذ كانت فرنسا دولة استعمارية.
ولم يبق هذا السقوط الأخلاقي والفجور السياسي حكراً على المعارضة السورية فحسب، فهذا هو السيد أحمد ابو الغيط يخرج على العالم بتصريح حول عودة سورية الى الجامعة العربية وهي التي لم تطلب أصلاً العودة الى تلك الجامعة ليقول على الحكومة والمعارضة ان يتفقوا على المقعد! وكأنّ المعارضة السورية تمثل السوريين ولم يدرك أمين الجامعة العربية بخبرته السياسية الطويلة انّ الذين يصفهم بالمعارضة السورية هم ممثلون لأميركا و«إسرائيل» والغرب والجماعات الإرهابية، ولا يمكن ان يكونوا ممثلين عن الشعب السوري الا اذا كانت الجامعة العربية تريد ممثلين عن الإرهاب تحت قبّتها وهي لديها ممثلين عن الارهاب بالفعل.
قد يكون الحديث عن السياسة اليوم هو أمر عبثي لا معنى له، فمن يفصل السياسة عن الأخلاق هو على خطأ، فلا يمكن فصل الأخلاق عن ايّ عمل نقوم به، واذا فقدت الأخلاق فقد كلّ شيء، وقد نسي من ينتمي إلى معسكر أعداء الشعب السوري من سوريين او عرب أبسط معنى لكلمة أخلاق وتحوّل العمل السياسي الى فجور بالمطلق، حيث يراهن أعداء سورية على نتائج الانتخابات الأميركية ومزاد البيانات الانتخابية الاميركية بتقديم الولاء الى اللوبي الصهيوني واليوم فتح المرشح الجمهوري مزاد جديد قال فيه لحلفاء أميركا المفترضين من يريدنا ان نحارب معه عليه ان يدفع للخزانة الاميركية، ولن نتحمّل ايّ حرب ليس فيها عائد مادي، وبهذه العبارة أراد المرشح الجمهوري ان يقول من ينتظر تدخلاً اميركيا في سورية او دعما لتدخل عسكري في سورية عليه ان يفتح مخازن أمواله للأميركان، فاليوم الجيوش تؤجّر لتحارب على أرض ليست أرضها ومن أجل قضية ليست قضيتها، والمرتزقة كثر حيث يكون المال يكونون.
لكن ما لم يفهمه أعداء الإنسانية انّ روح المقاومة لا تموت عند الشعوب الحية وانّ الصمود ليس عبارة تكتب على جدار إنما هو أمر يومي يعيشه من يحمل تلك الروح، فالمقاومة فعل أخلاقي منحة الله للإنسان ليحافظ على ما أعطاه إياه الله على هذه الارض، وما دمنا أحياء فنحن مقاومة بالقلم او البندقية، مقاومون بالكلمة وبالرصاصة، مقاومون بتمسكنا بهذه الأرض، ومن يراهن انّ سورية دمّرت عليه ان يفهم انّ سورية بناها السوريون سابقاً وسوف يعيدون البناء من جديد، فالشعب السوري لا يعرف الاستسلام ويشهد له في هذا الأعداء قبل الأصدقاء. فمن سورية خرجت تعاليم السيد المسيح ومن سورية انتشرت رسالة الإسلام الحق إلى العالم.