«داعش» من حماية دولية إلى حرب دولية

آية الله العلامة الشيخ عفيف النابلسي

غريب أمر هذا العالم فجأة صارت أميركا التي صنعت «داعش» عدوة لها. فجأة صارت تتألم لمأساة الأيزيديين، ويخرج مجلس الأمن ليعلن هذا التنظيم تنظيماً إرهابياً، وتبدأ الفتاوى التي كانت تشرّع الفكر التكفيري لتبرأ منه وتدعو إلى مقاتلته، وتتسارع المشاورات الإقليمية والدولية لتنسيق المواقف واستعجال محاربته، بعدما أفرزت حركة التنظيم التي خرجت عن السياق المرسوم، تغيرات في موازين القوى ومخاطر محتومة على مصالح أميركا والغرب في المنطقة.

من الضروري تذكير أميركا والغرب عموماً، وقطر والسعودية وتركيا خصوصاً، بأن وحشهم سبق أن قتل مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء في سورية والعراق على وجه التحديد، وقام بالمجازر الطائفية على مرأى ومسمع العالم كله من دون أن يرف جفن لما سمى بـ «المجتمع الدولي» بل ترك للـ دواعش أن يُغيروا على القرى والمدن الآمنة، هادمين المساجد والكنائس، مذّبحِين مقتِلين، فيما مؤسسات حقوق الإنسان الدولية صامتة وكأن على رؤوسها الطير.

نحن نعلم أنّ الضربات التي تشنها الطائرات الأميركية ضد مواقع التنظيمات التكفيرية في الموصل ليس هدفها حماية المدنيين بل حماية المصالح الأميركية التي يخشى الأميركيون خسارتها.

صحيح أن ظروف التعاون الإقليمي والدولي لضرب داعش أحدث شيئاً من الخلل في توازن هذا التنظيم، لكن الصحيح أيضاً أنّ هؤلاء التكفيريين ما كان لهم أن يكونوا بهذا الحجم والانتشار والغنى، وهذه القوة المفرطة لولا الحماية الدولية والغطاء الإقليمي والدعم المباشر من قبل دولٍ تعض اليوم أصابعها ندماً على ما اقترفته من خطايا بحق الشعبين السوري والعراقي بعدما اقترب الخطر من حدودها أو بات يهدد وجود أنظمة خليجية خرجت عن اعتدالها «المزيف» بعدما تواطأت مع عدو الإنسان والإنسانية «إسرائيل» لتنفيذ مخطط التقسيم وتدمير هوية الأمة وحضارتها.

إنّ السعودية وقطر وتركيا تصرفت بسخاء منقطع النظير مع التنظيمات التكفيرية، وقدمت لها كل التسهيلات اللوجستية وما تحتاجه من سلاح ومال، فيما تصرفت بعداء وبخل وابتزاز مع الفصائل الفلسطينية التي كانت تدافع عن أشرف قضية إنسانية في وجه الوحش «الإسرائيلي». لم يتم تزويد الفلسطينين بالمال إلا لتعميق الخلافات، ولم يعطوا بعض السلاح إلا ليتقاتل الإخوة في ما بينهم. فإذاً المال والسلاح لهما مبررات لا علاقة لها بتحرير فلسطين واستعادة الحقوق بل بإنهاء القضية الفلسطينية كرمى لعين «إسرائيل». إنّ علينا أن لا نسلم لحركة أميركا من مقاتلتها «داعش» ولا ننخدع من سياسات لطالما كانت تتقلب على وفق المصالح لا القيم، وعلى وفق معادلات القوة لا ما يقود إلى حرية الشعوب وحقها في تقرير المصير.

لعلنا في لحظة العدوان على غزة، وفي مسار الجنون الداعشي، والمكر الأميركي أن نمسك بالحقيقة ونعرف أن كل الدم الذي أُريق على تراب أوطاننا ظلماً وعدواناً كانت استراتيجيته تقوم على أن نستسلم كشعوب، وكل تسوية لتهدئة الأوضاع كان هدفها إخراج أميركا و«إسرائيل» وحلفائهما من ورطة وتخبط.

أميركا و«إسرائيل» وأعوانهما سيواصلون الهجوم بطرق أخرى، فلا نطمئن ونغفل، بل علينا الاستعداد والتنبه وأن تبقى المقاومة خيارنا إلى الأبد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى