الاستراتيجية المصرية في اجتماع جدة: قتال «داعش» فوق الخلافات العربية

يوسف المصري ـ البناء

بمبادرة من المملكة العربية السعودية التأم أمس في مدينة جدة اجتماع وزراء خارجية خمس دول عربية، مصر والاردن والسعودية والإمارات إضافة إلى الأردن. اللافت في هذا الاجتماع أنه يضم دولاً عربية توجد بينها خلافات سياسية عميقة. ومن وجهة نظر القاهرة استناداً لمصادر دبلوماسية مصرية، فإن هذه السمة هي هدف الاجتماع، لأنها تخدم فكرة الاستراتيجية المصرية الراهنة التي تحاول القاهرة خلال هذه الفترة إيجاد حيز عملي لها فوق الواقع السياسي العربي. ومفاد هذه الفكرة دعوة الدول العربية لتحييد خلافاتها السياسية لمصلحة إعطاء أولوية للتوحد وراء هدف قتال داعش والنصرة وكل الاسلام السياسي التكفيري، واجتثاث بيئته الفكرية الدعوية والعسكرية «الجهادية» من كل العالم العربي.

وتتضمن هذه الفكرة أو الاستراتيجية المصرية، مغزى سيكون محل اختبار في اجتماع جدة لجهة إمكانية تطبيقه على الأزمة السورية، بوصفها، بحسب الرؤية المصرية، جزءاً من خطر داعش على الدول العربية، بمقابل أن الرياض لا تزال تعتبرها أزمة تتضمن»ثورة سورية» يقوم النظام باستغلال ورقة داعش فيها لتشويهها !!

وتلفت معلومات لـ»البناء» من مصادر قريبة لأجواء التحضير لاجتماع جدة، إلى ثلاثة معطيات أساسية في هذا الحدث:

الأول – مجرد أن الرياض هي الجهة التي دعت إلى اجتماع جدة تحت عنوان نقاش خطر داعش في سورية، فهذا يعني اقترابها بالجوهر من وجهة النظر المصرية للأزمة السورية، بغض النظر عن بقايا تحفظاتها على نظام الرئيس بشار الأسد. بمعنى آخر: أن الرياض بعد أحداث العراق واقتراب الخطر الداعشي من حدودها، أصبحت غير الرياض قبل هذا الخطر بخصوص نظرتها إلى موقع أمنها الوطني داخل تطورات أحداث المشرق الذي تعززت فيه أخطار داعش العابرة للحدود وذات الظاهرة العنفية القابلة للانتشار. ويعزز هذا الأمر توقع أن تتجه الرياض بشكل متدرج إلى تقديم تنازلات لمصلحة الاستراتيجية المصرية في رؤيتها لطبيعة الأزمة السورية بوصفها إحدى تعبيرات الإرهاب الداعشي، خصوصاً أن هذه الاستراتيجية تنطوي على عاملين أساسيين يخدمان الأمن السعودي، وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عبر عن أولهما حينما قال إن هدف إسهام مصر في حماية أمن السعودية، لا يعوز تطبيقه إلا «مسافة السكة» أي مسافة طريق توجه الجيش المصري إلى السعودية وثانيهما توافق مصلحة السعودية مع مبدأ تضعه القاهرة داخل استراتيجيتها التي تدعو الدول العربية لأولوية قتال داعش، ومفاده إضافة الإخوان المسلمين إلى لائحة الإسلام السياسي التكفيري المطلوب اجتثاثه.

الأمر الثاني الداعي للالتفات إليه في اجتماع جدة، يتمثل بموافقة قطر من ناحية وكل من السعودية ومصر من ناحية ثانية اللقاء تحت سقف نقاشي واحد لمناقشة عنوانين أساسيين: ١- البحث عن حل سياسي وليس عسكري للأزمة السورية . ٢- التوحد لمقاتلة للإرهاب التكفيري داخل الأزمة السورية.

ولا يمكن في هذا المجال إغفال وجود تباينات بين الدول الثلاث السعودية ومصر وقطر حول سبل حل الأزمة السورية. فالشقيقان اللدودان الخليجيان لا يزالان يصران على حل سياسي «من دون الأسد»! فيما الشقيق المصري الأكبر يرى ترك طبيعة الحل إلى الشعب السوري ليقرره، أما قتال الإسلام التكفيري في سورية فهو مهمة عربية جماعية، تتضمن العمل لوقف مد «الجماعات الجهادية» بمختلف أطيافها بالدعم المالي والتسليحي الخارجي، بمقابل تزخيم عملية تشجيع كل مكونات الشعب السوري على الجلوس لطاولة التفاوض مع النظام.

والسؤال الذي يطرح نفسه بمناسبة اجتماع جدة، هو من سيقدم تنازلات لمن: هل تضطر السعودية لتقديم تنازلات للاستراتيجية المصرية العربية من خلال اعتماد سياسة جديدة تجاه النظام السوري، أم أن الرياض ستصر على القاهرة أن تلحظ تطبيقات استراتيجيتها الحالية الخاصة المتعلقة بضرورة الربط بين هدفي ضرب داعش وإقصاء الرئيس الأسد.

ويتوقع أن تصر مصر على أن استراتيجيتها ذات معايير تطبيقية واحدة في كل ساحات الدول العربية، ومفادها الإفادة من كل المواقع العربية الرسمية وجيوشها المتضررة من الإرهاب التكفيري للتوحد في مقاتلته، وتغليب هذا الأمر على أي خلافات سياسية حتى لو كانت من قبيل ذاك الحاصل بين الرياض ودمشق منذ بدء الأحداث السورية.

الأمر الثالث وهو يتضمن استنتاج مستخلص من المعطيات الآنفة جميعها، ويفيد بأن اجتماع جدة يشكل بداية تحول في الرؤية العربية الرسمية تجاه الأزمة السورية، لمصلحة توافقها مع الرؤية المصرية لها. والدليل الاضافي الأوضح على ذلك، هو أن هذا الاجتماع خلا من أية مشاركة للمعارضة السورية، على رغم أن إعلام الرياض ركز على أن المشاركين فيه هم النواة الصلبة لما يسمى بـ«أصدقاء الشعب السوري».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى