هل يعزز التقارب الإقليمي الحاجة إلى دور حزب الله في مواجهة الإرهاب؟
هتاف دهام
يعيش المسيحيون في لبنان بعد أحداث العراق الأخيرة كابوساً خطيراً. لا يستبعدون أن يتكرّر سيناريو العراق في لبنان. يسألون من سيحمي المناطق المسيحية من التنظيمات الإرهابية والتكفيرية التي تعيث قتلاً وتنكيلاً بالعراقيّين والسوريّين، ويوجد عناصر منها في مختلف المناطق اللبنانية. فأحداث عرسال وما أعقبتها من مداهمات وتوقيفات في غوسطا وتنورين والنبطية أثبتت انتشار هذه المجموعات في كلّ المناطق من دون استثناء.
وعلى رغم ذلك يُجمع كثرٌ من المسيحيين على أنّ مصيرهم في لبنان لن يكون كمصير مسيحيّي الموصل. موازين القوى على الساحة اللبنانية لا تسمح بعمليات مشابهة لتلك التي تحصل في الموصل. الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله أعلن في خطابه في ذكرى الانتصار على العدو «الاسرائيلي»: «أنه إذا تخلّى من يتخلّى عن المسؤولية فنحن لن نتخلّى، ولن نهاجر إلى أيّ مكان في العالم، وهنا سنبقى واقفين رافعي الرؤوس، وإذا فُرض علينا القتال هنا سنقاتل وننتصر أو نستشهد وندفن، دولتنا في خطر ويجب أن نتحمّل المسؤولية».
طمأن كلام السيد نصر الله المسيحيّين، الخصوم قبل الحلفاء، لا سيما على المستوى الشعبي، وبدأت الاتصالات تجرى على قدم وساق بين أبناء القرى المسيحية وحزب الله، بخاصة قرى الأطراف الحدودية في البقاع الشمالي وعكار، التي تشعر بإمكانية تعرّضها لخطر تكفيري ما، بهدف تنسيق أشكال الحماية. طلب بعض المسيحيّين من 14 آذار من حزب الله تأمين السلاح لهم للدفاع عن أنفسهم من الخطر الداعشي، إلا أنّ الحزب دعاهم الى الاستعانة بالأجهزة الأمنية ومراجعة الدولة بوصفها المعنيّ الأساسي بحماية المدنيّين، مع الاستعداد للتعاون في شكل يُساهم في توفير الحماية للوجود المسيحي ولا يخلّ بمرجعية الدولة.
بدأ المزاج المسيحي الشعبي عند 14 آذار يتغيّر لناحية التسليم بدور حزب الله في سورية وأهميته في حماية الوجود المسيحي. لم يعد حزب الله ذلك الحزب الذي استجلب تدخله في سورية الانتحاريّين والإرهابيّين إلى لبنان. أحرج هذا الأمر بعض القيادات في 14 آذار، وجعلها في موقع لا يمكن الدفاع عنه، إذ تتمّ المقارنة الآن بطريقة عفوية لدى المجتمع المسيحي بين واقع المسيحيّين في لبنان وواقع المسيحيّين في سورية في سنوات الأزمة الثلاث والعراق، إضافةً الى مصر حيث يتعرّض المسيحيّون لاستفزازات مستمرّة، بينما في العراق يكاد الوجود المسيحي يتلاشى، أما مسيحيّو لبنان بالمقارنة مع مسيحيّي المنطقة فهم لا يزالون بألف خير، فحزب الله في دفاعه عن لبنان بكلّ مكوّناته لا يميّز بين 8 آذار و14 آذار، وهذا ما أربك مسؤولي فريق 14 آذار.
وإذا أخذنا في الاعتبار على المستوى الاقليمي، التقارب في وجهات النظر لمواجهة الظاهرة التكفيرية وتنظيم «داعش» تحديداً، يبقى فقط تيار المستقبل والقوات اللبنانية خارج هذا السياق التقاربي على المستويين المحلي والإقليمي، على رغم أنّ هذا التقارب الاقليمي يتوقع ان يترك تغييرات جوهرية على الوضع في لبنان تصبّ كلها في إضفاء الشرعية على دور حزب الله.
مصادر مراقبة تتحدّث عن أنّ الدور الغربي لا يأخذ في الاعتبار الدفاع عن الدور المسيحي في استراتيجيته الاقليمية. ففي حساباته وأجندته، الاكراد أهمّ من المسيحيّين، والدفاع عن النفط يتقدّم لديه عن فكرة الدفاع عن المسيحيّين، فالمذابح والمجازر التي ارتكبها تنظيم «داعش» في الموصل لم تحرّك الدول الغربية إزاءها ساكناً، فمشروع «الشرق الاوسط الجديد» يهدف الى اقتلاع الأقليات بصرف النظر عن ديانة هذه الأقليات، وترك المنطقة للتناحر بين السنة والشيعة من دون ذكر للنسيج المسيحي.
قدم الغرب للمسيحيّين عند احتلال الأميركيّين العراق بذريعة وجود سلاح الدمار الشامل فرصة الهجرة. كرّرت فرنسا الدعوة مع اجتياح «داعش» الموصل الشهر الفائت، في سعي الى القضاء على دور ووجود المسيحيّين في المنطقة، الا انّ بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحّام سارع الى الردّ بحزم: «لا نحتاج الى من يستقبلنا، ساعدونا لنبقى في أرضنا».
ليس أمام المسيحيّين إلا التعاون مع المكوّنات الموجودة في لبنان لحماية وجودهم. التفاهم بين التيار الوطني الحرّ وحزب الله حال دون أن يتحوّل الانقسام السياسي في لبنان إلى انقسام إسلامي ـ مسيحي، إلى حدّ أنّ البعض بدأ يقول إنّ التحالف الاستراتيجي الذي عكس اتجاه الريح في مناخ عربي ودولي معادٍ لحزب الله، بدأ يضع أوراق تياره في سلة حزب الله.
لن يجد المسيحيّون من يحميهم إلا إذا امتلكوا القوة أو الحليف. فالحليف في لبنان موجود، وعلى أتمّ الجاهزية والاستعداد، الا أنه لا يزال يرفض تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها لنفسه، إلا أنه لن يقف مكتوف الأيدي عند تعرّض المسيحيّين للخطر بل سيتدخل، لا سيما أنّ إمكانات الجيش محدودة إنْ حلّت الداعشية في لبنان، فهو لن يتمكّن من نشر قواته على الأراضي اللبنانية كافة، وبالتالي فإنّ حماية المسيحيّين في حاجة إلى سند وعضد للجيش، وهذا سيكون إما من خلال لجوء المسيحيّين إلى تسليح أنفسهم والدفاع عن وجودهم، أواللجوء إلى حزب الله.
كلّ ذلك، لا يلغي حقيقة أنّ النموذج اللبناني لا يزال يقدّم نموذجاً جيداً للتنوّع بعكس النموذج العراقي. لم يلعب المسيحي في العراق أيّ دور على مستوى السلطة. عددهم لم يؤهّلهم أن يكونوا يوماً جزءاً من الحالة السياسية، ورغم ذلك لم يتهدّد وجودهم في العراق، إلا بعد الاحتلال الأميركي، حيث لجأ العراقيون المسيحيّون الى دول العالم. وإذا كانت المشكلة في لبنان تتمثل بتراجع أعداد المسيحيّين الذي وصلوا الى 600 ألف، الا انّ الدور المسيحي لا يزال أساسياً على المستوى السياسي، فهم يؤدّون دورهم بفعالية، بل أكثر من ذلك، يمكن تقييم الوضع المسيحي في لبنان بحالة صعود تحفظ لهم مكانتهم كمكوّن أساس في الدولة، لا سيما انّ اتفاق الطائف نصّ على المناصفة بينهم وبين المسلمين، وهم يلعبون دوراً اساسياً في التركيبة اللبنانية على كلّ المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.